الهدنة المصرية المؤقتة مدخل للحل فى غزة.. لماذا يعرقلها نتنياهو؟
فى الأيام الأخيرة قدمت مصر مقترحًا لهدنة إنسانية لمدة يومين فى قطاع غزة، بهدف وقف القتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، ومنح فرصة لإدخال مساعدات إنسانية طارئة للمدنيين المحاصرين. تأتى هذه المبادرة فى سياق الضغوط الدولية المتزايدة لوقف التصعيد، حيث تتصاعد المخاوف من كارثة إنسانية كبرى فى القطاع نتيجة استمرار القصف ونقص الإمدادات الحيوية.
المبادرة المصرية تأتى ضمن دور القاهرة التاريخى كوسيط رئيسى فى قضايا الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، نظرًا لعلاقاتها الوثيقة مع كل الأطراف. مصر، التى تملك حدودًا مباشرة مع قطاع غزة، تسعى عبر هذه الهدنة إلى توفير ممر آمن لدخول المساعدات الغذائية والطبية، وإجلاء المصابين والجرحى، والحد من تدهور الوضع الإنسانى. علاوة على ذلك، تدرك مصر أن استمرار الصراع على هذا النحو قد يؤدى إلى انتشار حالة عدم الاستقرار فى المنطقة، ما يؤثر بشكل سلبى على أمنها القومى.
ورغم الدعم الدولى المتزايد لهذا المقترح، يواجه تطبيق الهدنة عدة تحديات، منها موقف الحكومة الإسرائيلية التى تخشى أن تمنح الهدنة فرصة للفصائل الفلسطينية لإعادة تنظيم صفوفها أو تلقى إمدادات عسكرية، وهو ما قد يزيد من تعقيد الأوضاع. من جهة أخرى، تشترط الفصائل الفلسطينية ضمانات بألا تتحول الهدنة إلى ذريعة لاستمرار الحصار، وتطالب بإجراءات حقيقية لتحسين الأوضاع الإنسانية.
مستقبل وقف الحرب يعتمد بشكل كبير على مدى قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على الضغط نحو اتفاق دائم. ومن غير المتوقع أن تؤدى الهدنة المؤقتة إلى حل نهائى، لكنها قد تفتح المجال لحوار دولى أوسع. وتسعى مصر ومعها دول أخرى، مثل قطر وتركيا، لتشكيل توافق دولى حول إطار دائم لوقف إطلاق النار، يتضمن تحسين الأوضاع الإنسانية فى غزة، وإنشاء آليات لمنع التصعيد المستقبلى.
وتمثل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى جهات ضغط أساسية، ولكن سياسات هذه الأطراف غالبًا ما تكون متأثرة بالضغوط السياسية الداخلية، ما يعقّد أى محاولة للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد. غير أن الضغط الشعبى الدولى المتزايد قد يشكل عاملًا محفزًا لاتخاذ خطوات جدية تجاه وقف الحرب، خاصة إذا نجحت الهدنة فى تحسين الأوضاع الإنسانية حتى ولو مؤقتًا.
يبقى الوضع معقدًا وحساسًا، ويعتمد بشكل أساسى على تجاوب الأطراف المختلفة مع الجهود المصرية والدولية لتهدئة الأوضاع.
مصر لعبت دورًا محوريًا فى دعم القضية الفلسطينية، حيث تُعتبر من أكثر الدول العربية التزامًا بدعم الحقوق الفلسطينية، وتعمل بشكل مستمر لتخفيف معاناة الشعب الفلسطينى. تاريخيًا، وقفت مصر إلى جانب الفلسطينيين فى المحافل الدولية، وساهمت فى الجهود الدبلوماسية لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية وإيجاد حلول سلمية.
كما أن مصر تُعتبر وسيطًا رئيسيًا فى النزاعات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وقد رعت العديد من اتفاقات وقف إطلاق النار بحكم موقعها الجغرافى ودورها الإقليمى، ما يجعل منها طرفًا مهمًا فى أى مفاوضات تخص غزة، خاصةً مع كونها تتحكم فى معبر رفح، الذى يمثل بوابة رئيسية للمساعدات الإنسانية والتواصل بين القطاع والعالم الخارجى.
رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، يُظهر تحفظًا تجاه المبادرة المصرية، وهذا يعود إلى عدة أسباب تتعلق بأولويات الحكومة الإسرائيلية وتوجهاتها السياسية والأمنية، ومن أبرز هذه الأسباب:
الاعتبارات الأمنية: تخشى إسرائيل من أن تؤدى أى هدنة إلى إتاحة الفرصة للفصائل الفلسطينية فى غزة، مثل حركة حماس، لإعادة تنظيم صفوفها وتلقى إمدادات عسكرية، ما قد يقوى موقفها ويصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها العسكرية.
الضغط الداخلى: يواجه نتنياهو ضغوطًا من الجناح اليمينى فى الحكومة، ومن الجمهور الإسرائيلى الذى يطالب بموقف أكثر تشددًا تجاه غزة. كثيرون يرون أن أى هدنة مؤقتة يمكن أن تُفهم على أنها تنازل لصالح الفصائل المسلحة، وهو ما قد يؤثر على شعبيته ويُعتبر تراجعًا أمام الضغط الدولى.
الضغوط الدولية المتضاربة: بينما تدعو العديد من الدول للتهدئة ووقف إطلاق النار، فإن الولايات المتحدة، الحليف الأبرز لإسرائيل، لم تضغط بشدة لوقف كامل للعمليات. كما أن هناك تباينات داخل المجتمع الدولى حول كيفية إنهاء الصراع، ما يسمح لنتنياهو بمساحة للمناورة لتجنب القبول بتهدئة غير مضمونة النتائج.
رؤية إسرائيل لتحقيق أهداف طويلة المدى: تميل الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى اتخاذ موقف يسعى لتغيير جذرى فى وضع غزة، بما يشمل تقويض نفوذ حماس عسكريًا وسياسيًا، وليس مجرد تهدئة مؤقتة. من وجهة نظر إسرائيل، الهدنة قد تؤدى إلى «تجميد» الوضع بشكل لا يحقق لها نتائج حاسمة على الأرض.
غياب الضمانات: الحكومة الإسرائيلية تشعر بالقلق من أن المبادرة المصرية قد لا تتضمن ضمانات كافية لضمان عدم استئناف القتال من قبل حماس فور انتهاء الهدنة، حيث تخشى أن تتكرر تجارب وقف إطلاق النار السابقة التى لم تكن دائمة.
بالتالى، يتمسك نتنياهو بموقف متحفظ تجاه المبادرة، حيث يسعى لتحقيق مكاسب على الأرض قد تمهد لاحقًا لحلول أوسع تحت شروط تناسب إسرائيل، بدلًا من قبول هدنة مؤقتة قد يرى أنها لا تحقق أهدافه الاستراتيجية، أما مصر فتنظر لتلك الهدنة على أنها مدخل لهدنة دائمة تنهى تلك الحرب وترفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى فى غزة.