كيف تفكر إيران بعد الضربة الإسرائيلية؟
تجاوز الصراع بين إيران وإسرائيل عناوين الصحف أو الجلسات الخاصة والندوات السياسية التى تناولت لسنوات طوال تقنيات الحرب الباردة بين الدولتين، إلى مشهد مفتوح على مصير الشرق الأوسط، صراع تجاوز حدوده الجغرافية التى لم تعد تُرسم بالحبر، وإنما بخيوط من دم، ونيران تتصاعد وتختفى، تزيد من حدة التوتر الذى ينهش فى الجميع. تشتعل المواجهات بصمتٍ يتسلل إلى العقول أكثر من أصوات القذائف أو ضجيج التصريحات، حالة من الهوس السياسى والدينى وضعت الإقليم بأكمله على صفيح ساخن. فهل سينتهى بنا الأمر إلى خارطة شرق أوسطية جديدة، تُعيد ترسيم موازين القوى الإقليمية؟ أم سيستمر العبث بمقدرات الشعوب ودمائهم؟.
لم تكن هذه المرة هى الأولى، التى تتعرض فيها العاصمة الإيرانية طهران لاعتداء عسكرى، ففى عام 1988 مع نهايات الحرب العراقية الإيرانية، وقبل الموافقة على قرار وقف إطلاق النار بين الطرفين، وأثناء ما يُعرف فى وقتها بمرحلة حرب المدن، وفى مرحلتها الأخيرة، فقد مرت بخمس مراحل من الضرب المباشر والمتبادل بين طهران وبغداد، تعرضت طهران لقصف صاروخى ضخم استخدم فيه نظام صدام حسين أكثر أسلحته فتكًا، وكانت النتيجة آلاف الضحايا، والتهجير القسرى لربع سكان العاصمة الإيرانية تقريبًا، مما أجبر النظام الإيرانى على تجرع السم على حد تعبير «آية الله الخمينى» والقبول بالقرار الأممى الخاص بوقف إطلاق النار.
فهل تتعرض طهران اليوم إلى أزمة مشابهة تُجبرها على تجرع كئوس السم المختلفة على المستوى السياسى والاقتصادى والعسكرى، خاصة بعد تجاوز إسرائيل الخطوط الحمراء ومحاولة ضرب بعض المنشآت الحيوية داخل العاصمة الإيرانية. صحيح أن الضربة الإسرائيلية كانت نوعية ومحددة ولم تستهدف المدنيين باعتراف الطرفين، لكن رمزية الوصول إلى العمق الإيرانى، تشكل جرحًا غائرًا فى الشخصية الإيرانية التى تُقدم نفسها طوال الوقت على أنها الإمبراطورية التى لا تُقهر، فهل انهارت النرجسية الإيرانية أمام العنجهية الإسرائيلية؟. حتى نجيب على هذا التساؤل علينا أن نرصد نقاط الضعف فى بنية الواقع الإيرانى وعمق تأثير الضربة الإسرائيلية الأخيرة فى آلية صنع القرار داخل الدولة.
الهيمنة الإيرانية وخسارة محور المقاومة:
فى عام 2015، صرح «على يونسى» رئيس جهاز الاستخبارات الأسبق، والمستشار الثقافى لرئيس الجمهورية، فى عهد الرئيس المعتدل «حسن روحانى»، قائلًا: «إن إيران قد أصبحت الأن إمبراطورية من جديد»، مشيرًا إلى امتداد الظل العسكرى والمذهبى الإيرانى على ربوع الإقليم بشكل عام، متمثلًا فى فكرة الهلال الشيعى فى ذلك التوقيت، مثل حزب الله فى لبنان والفصائل العراقية الشيعية، وإرهاصات ظهور الحوثى فى اليمن، بالإضافة بالطبع لتبعية النظام السورى والفصائل المسلحة الشيعية فى سوريا. وأكد «يونسى» أن النفوذ الإيرانى يتجاوز الشكل العسكرى، ليمتد إلى الطابع الثقافى والهوية المذهبية، بالإضافة إلى البعد القومى.
فكرة الهيمنة والنفوذ والرغبة المحمومة فى التوسع، هى المسيطرة على العقلية السياسية الإيرانية طوال عقود طويلة، على اختلاف الحكومات والأهواء الفكرية المحافظة أو الإصلاحية. وقد شكل محور المقاومة ظل إيران على الإقليم، خاصة مع تطور الأحداث بعد «طوفان الأقصى» ومحاولة إيران القفز على المشهد السياسى، وتحقيق أكبر المكاسب الممكنة، أمام الدموية الإسرائيلية وحروب الإبادة الجماعية لنظام نتنياهو التى ما زال يمارسها فى غزة، وصولًا إلى لبنان.
وقد أتت خسارة الجانب الأكبر من قوة حزب الله، أول مسمار فى نعش نهاية فكرة محور المقاومة، خاصة بعد اغتيال «حسن نصرالله» و«هاشم صفى الدين» وغيرهما من قيادات الصف الأول والثانى، حتى مع انتخاب «نعيم قاسم» كأمين عام لحزب الله، بكل تشدده وميوله العسكرية الصدامية، لكنه يفتقر إلى كاريزما حقيقية للحاضنة الشعبية لحزب الله فى لبنان أو ذراعه السورية، كما أنه لم يكن له حضور سياسى قوى أثناء قيادة حسن نصر الله. مما اضطر إيران إلى التخلى النسبى عن مقدرات حزب الله، خاصة المد العسكرى أو المالى، على خلفية استهداف إسرائيل لمخازن السلاح والصواريخ وكذلك الهيئات الاقتصادية لحزب الله، مثل «جمعية القرض الحسن» أو «الهيئة الصحية الإسلامية»، وهما هيئتان تابعتان لحزب الله، ولهما فروع مختلفة فى الجنوب وفى الضاحية ببيروت، وحسب التصريحات الإسرائيلية فإن تلك الهيئتين هما الستار الاجتماعى والسياسى للتمويلات الإيرانية للجماعة. بالإضافة إلى الضرب العسكرى الإسرائيلى للمعابر بين سوريا ولبنان وخاصة معبرا القائم والجوسية بهدف قطع أى مدد عسكرى إيرانى ممكن أن يأتى من خلال الأراضى السورية.
فقد تمكنت إسرائيل من عزل حزب الله عسكريًا وماليًا عن الحاضنة الإيرانية الأم، مما أجبر إيران على تقليص الدعم المقدم للجماعة الشيعية الموالية، واضعين فى الاعتبار كذلك أن محاولات تصفية حماس واغتيال قيادتها بداية من إسماعيل هنية وصولًا إلى يحيى السنوار، قد أفقد إيران كذلك الضلع الأكثر فاعلية فى القضية الفلسطينية، وجردها من ورقة الضغط التى كانت تمارسها على الكيان المحتل، لكونها وضعت نفسها كظهير سياسى وعسكرى لحماس.ومع الضعف البادى على الفصائل العراقية التابعة لإيران، والتى لم تتمكن من منع الاستغلال الإسرائيلى لسماء العراق أثناء توجيه الضربة الأخيرة على إيران.
فلم يتبق لإيران سوى الحوثى وجماعته فى اليمن، وأعتقد أنها سوف تحاول بشتى الوسائل الحفاظ عليه بعد فقدان فكرة وحدة الساحات بانتهاء القدرة العسكرية لحماس وتراجع حزب الله على مستوى القيادة، فالحوثى هو ورقة الضغط الأخيرة لتحقيق مصالح إيران فى البحر الأحمر وبحر العرب، خاصة خطوط التجارة المشتركة مع الصين وروسيا ضد المصالح الغربية.
كما ظهرت العديد من الأصوات فى داخل منظومة الحكم فى إيران، تدعو إلى التركيز على المشاكل الداخلية، والحد من الدعم المقدم للميليشيات الموالية لإيران، وليس التخلى عن محور المقاومة تمامًا، لكن مشاكل الداخل أصبحت أكثر حدة ووضوحًا، بل إن أمر الدعم المقدم إلى الجماعات الموالية قد يُدخل إيران فى سجال لا ينتهى مع إسرائيل وبالتبعية الولايات المتحدة.
النتيجة أن إيران انسحبت إلى الداخل وانشغلت بقضية الضربة الإسرائيلية، وحاولت تحسين صورتها السياسية والعسكرية التى فقدت الكثير من هيبتها، أمام محور المقاومة الذى انشغل هو الآخر بقضاياه الذاتية ومحاولة الخلاص واستعادة الوجود نسبيًا أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة والدموية. وهذا ينقلنا إلى الفكرة التالية والمتعلقة بالجانب العسكرى فى إيران.
هل فقدت إيران هيبتها العسكرية؟:
حسب السردية الإسرائيلية فإن إيران قد فقدت جانبا كبيرا من دفاعاتها الجوية، خاصة بطاريات إس300 روسية الصنع الموزعة على أربع وحدات عسكرية، غرب ووسط إيران.
كما استهدفت إسرائيل مركزًا سريًا لخلاطات الوقود الصلب المستخدم فى تصنيع الصواريخ الباليستية فى منطقة «باشين» غرب طهران، مما يمنعها من إطلاق الصواريخ الباليستية لمدة عام على الأقل، حسب التصريحات الإسرائيلية. كما تم استهداف قاعدة «سربردار» للدفاع الجوى فى خوزستان المطلة على الخليج العربى. وكذلك القاعدة العسكرية الخاصة بالصواريخ الباليستية فى منطقة «شاهرود»، وغيرها من المراكز العسكرية الهامة فى الداخل الإيرانى.
تلك السردية ترفضها إيران جملة وتفصيلًا، خاصة ما يتعلق بقدرة الطيران العسكرى الإسرائيلى الذى هاجم بـ 100 طائرة متنوعة أهمها إف ٣٥، وعلى ثلاث مراحل متتالية، على تجاوز الحدود الإيرانية والتحليق فوق العاصمة طهران، وإصابة أهداف نوعية فى الداخل الإيرانى.رغم ما يشوب التصريحات الإيرانية من غموض وعدم الوضوح، فيما يتعلق بحجم الإصابات أو الخسائر، وكذلك البيانات العسكرية التابعة للحرس الثورى، التى طالبت المواطنين بعدم نشر أى فيديوهات أو تفاصيل تخص نتائج الضربة إلا التصريحات الرسمية، وإلا سيقع من يفعل ذلك تحت طائلة قانون التعاون مع جهات معادية للدولة. وكذلك تضارب التصريحات الإعلامية فى بداية الضربة من إنكار بعض الجهات لوجود ضربة من الأساس، واعتراف البعض.
كما أن الإعلان عن استشهاد أربعة عسكريين من قوات الدفاع الجوى، دون تحديد رتبهم أو هويتهم أو أماكن تمركزهم. وتصادف فى نفس الوقت مقتل عشرة من عناصر الشرطة الإيرانية فى إقليم بلوشستان بواسطة جماعة جيش العدل التابعة لتنظيم داعش، والتى اتهمتها إيران أكثر من مرة بتعاونها مع إسرائيل بشكل مباشر، مما يشير إلى أن جماعة جيش العدل قررت تنفيذ عملية إرهابية فى وقت انشغال الدولة الإيرانية بالدفاع عن حدودها ضد الهجمات الإسرائيلية. كل ما سبق يثير العديد من التساؤلات حول مصداقية السرديات العسكرية المعلنة من كلا الطرفين، ولكن من المؤكد أن مساحات المسكوت عنه أكبر بكثير من المعلن.
إيران تسعى دائمًا للحفاظ على هيبتها العسكرية، سواء داخليًا أو خارجيًا، فالصورة الذهنية التى تحاول نسجها عن تكويناتها العسكرية جزء من أهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى على المستوى الإقليمى، رغم ضعف بعض القطاعات العسكرية لديها مثل قطاع الطيران وبعض منظومات الدفاع الجوى، وكذلك التناقضات فى السياق العسكرى بين حرس ثورى وقوات مسلحة، لكنه ضعف قابل للتجاوز، فمجرد تعريته أو ظهوره على الملأ يُفقد إيران الكثير من عناصر تواجدها الإقليمى، رغم سعيها الدؤوب إلى تطوير مجالها النووى السلمى كما تدعى، أو العسكرى كما تؤكد الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن من المؤكد أن إيران قد تحتاج إلى وقت طويل لإعادة رسم الصورة الذهنية عن عسكريتها، أو قد تضطر إلى توجيه ضربة معادية لإسرائيل فى حال تأكدها أن الرد العسكرى سوف يُعيد هيبتها الإقليمية، خاصة بعد فقدان أذرعها فى محور المقاومة.
الاقتصاد بين الفشل والطموح:
يظل الملف الاقتصادى فى إيران هو المحرك الأصيل لكل القرارات السياسية والعسكرية، فهو الملف الأكثر تأثيرًا وحساسية على بقاء النظام ككل، خاصة إذا علمنا أن نسبة التضخم تتجاوز 48%، وأن نسبة الفقر تجاوزت الـ30%، وفى تزايد مستمر، خاصة خلال الخمس سنوات السابقة، حسب آخر إحصائيات مركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى، وأن معدل القوة الشرائية قد انخفض بشكل كبير خلال العام الماضى بسبب انعكاس القضايا السياسية الخارجية على المواطن فى الداخل، بحيث تراجع دخل الفرد بنسبة 33%. وكذلك الاعتماد بشكل رئيسى على قطاعات النفط لتحسين النمو الاقتصادى، بعيدًا عن غيره من القطاعات داخل الدولة، رغم ما يمثلة قطاع النفط من ثقل على كاهل الدولة، لأنه القطاع الأكبر الذى سقطت عليه العقوبات الدولية، مما يضطر النظام الإيرانى إلى اتباع خطط ملتوية لتصدير النفط، سواء بالمقايضة بمواد غذائية كما يتم مع دولة الهند، أو البيع بأسعار تقل عن أسعار السوق العالمية إلى الصين، فالصين هى المشترى الأكبر للنفط بنسبة 90%. مما أدى إلى ظهور ما يُعرف بتهريب الأموال النفطية فى صناديق وسندات خارج حدود إيران، خاصة فى بلدان آسيوية أو خليجية، بنسبة 15% لصالح الدول المضيفة لتلك السندات غير الرسمية، والتى تخرج عن رقابة البرلمان، أو المجتمع بشكل عام، وغير مدرجة فى الميزانية الرسمية للدولة.
كما يعتمد الاقتصاد الإيرانى على ما يعرف باقتصاد المقاومة، أو الاقتصاد الموازى، وهو سياق غير مرئى من التبادل المالى، خاضع لسيطرة فئة قليلة جدًا فى الدولة الإيرانية، يتبعه مساحات واسعة من الفساد الناتج بطبيعة الحال من زيادة حجم العقوبات الدولية على المؤسسات والأفراد فى إيران. وقد حاول الرئيس الإيرانى «مسعود بزشكيان» أن يوضح حجم الأزمة الاقتصادية التى تمر بإيران، خاصة لدى تقديمه لموازنة العام القادم 2025 للبرلمان، فأتت الموازنة بنسبة عجز تتجاوز 18000 مليار ريال، وهى نسبة كبيرة عن العام الماضى، كما اضطر إلى زيادة الميزانية العسكرية بنسبة ملفتة، أدت إلى رفض مشروع الموازنة من 96 عضوًا داخل البرلمان، لكن تم إقرارها بعدد 146 عضوا، من إجمالى 249. فالموازنة القادمة تعتمد على فكرة اقتصاد الحرب بدلًا من تحسين عجز الموازنة ورفع الأحوال المعيشية. وهذا يعكس أمرين، أولًا سيطرة المؤسسات العسكرية على مراكز صنع القرار فى إيران، خاصة مع سيطرة الحرس الثورى على ما يزيد عن نسبة 40% من الاقتصاد الإيرانى. ثانيًا: توجه الدولة إلى مزيد من التسليح استعدادًا لمصادمات عسكرية مرتقبة.
ورغم كل ما سبق من أزمات اقتصادية، فإن إيران تسعى بشكل جدى إلى أن تكون فعالة فى مجموعة «البريكس» الاقتصادية بقيادة روسيا والصين، كما تهدف لأن تستحوذ على المشروع الخاص «بترانزيت» خطوط الطاقة والغاز، بحيث تمر خطوط الغاز الجديدة من أراضيها، وبالتالى تكتسب إيران مشروعية اقتصادية لتخرج من عزلتها الدولية، وتتمكن من مواجهة التدهور الداخلى. وبالتالى تحاول الدولة الإيرانية أن تحافظ على اتجاهين فى قيادة الملف الاقتصادى، الأول هو الحفاظ على اتجاه الخروج من العزلة الدولية والتفاعل الدولى والإقليمى، رغم أن هذا الاتجاه يعطله الاتجاه الآخر من فساد مالى كبير داخل المؤسسات، وعجز عن تطبيق الشفافية الاقتصادية بمعاييرها الدولية، سواء داخليًا أو خارجيًا.
وقد جاءت الضربة الإسرائيلية الأخيرة، لتكشف عوار النظام الاقتصادى خاصة فى هذه الفترة الحرجة، فرغم أن الدولار قد انخفض سعره داخليًا من 67 ألف طومان إلى 63 ألف بعد الهجوم، ورغم أن أسعار الذهب قد انخفضت بنسبة ملحوظة، لكن هذا لا يدل على أى تحسن اقتصادى أو ضعف الضربة الإسرائيلية كما يروج النظام، فالحقيقة أن النظام قد تعمد ضخ مليارات الدولارات خلال اليومين السابقين، لتحقيق توازن اقتصادى داخلى، ولكن هذا الضخ تم بطريقة غير شرعية، عن طريق الصناديق الخارجية (سالفة الذكر)، وكذلك تهديد رجال الأعمال، ومحلات الذهب ومؤسسات القطاع الخاص داخل البورصة، بعدم ضخ أى أموال جديدة فى السوق، وعدم استغلال الوضع بشراء الدولار بسعر غير رسمى والذى لا يتجاوز 53 ألف طومان. مما أعطى انطباعًا عامًا بالسيطرة على السوق الداخلية وتحسن الأحوال، رغم الهجوم الإسرائيلى.
إيران بين التفاوض والحرب:
إيران الآن لا تملك العديد من الخيارات العسكرية أو السياسية، فبعد خسارتها لقوة محور المقاومة، وصعف المليشيات الموالية، وكذلك تعرضها لخلل فى الصورة السياسية الإقليمية والدولية، بعد الهجوم الإسرائيلى، تنحصر خيارات صنع القرار فى أمرين لا أكثر.
أولًا: البعد عن أى صدام عسكرى مع إسرائيل، رغم التصريحات العكسية التى تخرج ليلًا ونهارًا من القادة فى الحرس الثورى أو قيادة الأركان فأى صدام قادم لن يمر بسلام خاصة مع احتمالية وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض، وتصريحاته العدائية ضد إيران، فلن تُقدم إيران على أى هجوم جديد، إلا إذا استشعرت سوء نية مجددًا من إسرائيل أو الولايات المتحدة، فستحاول أن تقوم بضربة استباقية، كما تم فى عملية «الوعد الصادق 2» .
ثانيًا: تحاول الدولة الإيرانية أن تنتج سياقًا تفاوضيًا مع الولايات المتحدة، لتحقيق رفع العقوبات فى أقرب وقت ممكن، وبالتالى تحسين للأجواء المعيشية فى الداخل، فرغم أن إيران لا تملك مساحة كافية من المناورات السياسية، وممارسة آليات الضغط العسكرى أو ضغط القوة فى مقابل تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، لكن حكومة الرئيس بزشكيان تملك مجموعة من المفاوضين رفيعى المستوى، على رأسهم وزير الخارجية «عباس عراقجى»، وكذلك مستشار رئيس الجمهورية للشئون الاستراتيجية «جواد ظريف» صاحب الباع الأهم فى مفاوضات الملف النووى، وهما من ذوى الميول الإصلاحية أو المعتدلة.
ولكن يظل العائق الأهم، هو الضغوط التى يمارسها التيار المتشدد فى الداخل الإيرانى، سواء من آيات الله فى الحوزة، أو أصحاب السطوة الحقيقية من قيادات الحرس الثورى، الذين يسعون إلى مزيد من المصادمات العسكرية، وإفشال أى نوع من التفاوض أو المهادنة. فما زالت جميع الاحتمالات مفتوحة أمام إيران.