ترحيب فلسطينى واسع بالمبادرة المصرية حول غزة: «توقف نزيف الدماء»
رحب خبراء وسياسيون فلسطينيون بالمبادرة المصرية الجديدة لوقف إطلاق النار فى غزة، مشيرين فى الوقت ذاته إلى أن نجاح هذه المبادرة ومفاوضات الدوحة الحالية يرتبطان بعدة عوامل، على رأسها اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتعنت رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بشأن أى هدنة مؤقتة أو أى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأكد الخبراء والسياسيون الفلسطينيون، فى تصريحاتهم لـ«الدستور»، أن المبادرة المصرية التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأول، تمثل محاولة لتحريك الركود الحالى فى المفاوضات، ويمكن البناء عليها للوصول إلى سلام دائم.
تدعو المبادرة المصرية إلى وقف إطلاق النار فى قطاع غزة لمدة يومين، وتبادل ٤ رهائن إسرائيليين مع بعض الأسرى الموجودين فى السجون الإسرائيلية، ثم التفاوض خلال ١٠ أيام لاستكمال الإجراءات، وصولًا إلى وقف كامل لإطلاق النار وإدخال المساعدات.
وقال الدكتور أحمد رفيق عوض، المحلل السياسى الفلسطينى، إن المبادرة المصرية ومفاوضات الدوحة تحاول دفع إسرائيل لمسار التفاوض، خاصة أنها لا تتعجل هذه المفاوضات، وتسعى لتجنب منح حركة «حماس» الفلسطينية أى مكاسب قد تتيح لها فرصة التهدئة أو التقاط الأنفاس، وكذلك، لا ترغب إسرائيل فى تقديم هدية مجانية للإدارة الأمريكية الحالية، التى تعانى من ضعف واضح مع اقتراب انتهاء ولايتها.
وأضاف «عوض»: «إسرائيل ترغب فى اختبار مواقف حركة حماس بعد استشهاد قائدها يحيى السنوار، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع، بالإضافة إلى ذلك، لا توجد ضغوط حقيقية على حكومة نتنياهو، ما يجعلها أقل استعدادًا للدخول فى مفاوضات، ما يعنى أن التوصل لاتفاق أمر صعب، خاصة فى ظل وجود أطراف داخل الحكومة ترفض فكرة التفاوض بشكل مطلق».
وواصل: «المبادرة المصرية محاولة لتسهيل عملية التفاوض، ففى ظل ما تظهره إسرائيل من تعنت، تعد فكرة التفاوض مغرية بالنسبة لها، ما قد يسهم فى تحقيق وقف مؤقت لإطلاق النار، والإفراج المحتمل عن إسرائيليين دون أن يؤثر هذا على استقرار الحكومة، التى تفرض معادلة (التفاوض تحت النار)، وتهيمن عليها عناصر متطرفة».
ورأى فايز عباس، الخبير فى الشأن الإسرائيلى، أن إسرائيل لم ولن تبرم صفقة الآن، خاصة أن «نتنياهو» وصل إلى قناعة مفادها بأنه يمكن لإسرائيل مواصلة الإبادة الجماعية فى قطاع غزة حتى إلزام قادة «حماس» بالموافقة على شروطها، وعلى رأسها خروج من تبقى من القيادتين السياسية والعسكرية للحركة إلى الخارج.
وأضاف «عباس»: «لا أرى أى إمكانية للتوصل إلى صفقة، وأتوقع أن يرفض نتنياهو المبادرة المصرية، رغم أنها جديرة بالدراسة، فيبدو أن إسرائيل تلعب الآن لعبة قذرة، تقوم على إشغال الوسطاء حتى تتمكن من فرض صفقة أفضل لها».
ورأى أن البيت الأبيض لن يضغط على إسرائيل بشأن مفاوضات غزة قبيل الانتخابات، خاصة أن الإدارة الأمريكية الحالية اتخذت قرارها بعدم الضغط على «نتنياهو» فى هذه الفترة، لكى لا تؤدى مواقفه إلى خسارة المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس فى السباق الانتخابى.
واستبعد الدكتور أيمن الرقب، الأستاذ بجامعة القدس عضو حركة «فتح»، نجاح المفاوضات الجارية حاليًا فى الدوحة، أو المبادرة المصرية الحالية لوقف إطلاق النار، مؤكدًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أعطى وعدًا للرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، بعدم تقديم أى تنازلات قبل الانتخابات الأمريكية.
وأضاف «الرقب»: «الانتخابات الأمريكية الحالية ستتأثر بشكل كبير بأى تطور فى الملفات الحساسة، بما فى ذلك ملف الهدنة فى غزة، ما يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء الانتخابات، وحتى فى حال التوصل إلى اتفاق، فإن الأمور ستحتاج إلى عدة أيام قبل عرضه على الكنيست والحكومة الإسرائيلية، ما يعنى أن أى قرار لن يُتخذ قبل فترة تتجاوز الأسبوع».
وبيّن السياسى الفلسطينى أن هناك عدة مقترحات طُرحت فى الفترة الأخيرة، من بينها مقترح «الكل مقابل الكل»، الذى يتضمن تبادل الأسرى بين الجانبين، مع الوقف الكامل للحرب، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، إلا أن هذا المقترح قوبل بالرفض من الاحتلال.
وأشار «الرقب» إلى مقترح آخر يتعلق بصفقة لمزدوجى الجنسية، والذى يُمكن أن يتضمن هدنة تمتد لـ٣ أسابيع، منوهًا إلى أن هذا المقترح لم يتبلور حتى الآن.
وعن المبادرة المصرية، قال أستاذ العلوم السياسية: «تهدف هذه المبادرة إلى إيجاد توازن فى المفاوضات، وتتضمن إطلاق سراح ٤ من مزدوجى الجنسية الأمريكية مقابل وقف إطلاق النار، ومع ذلك، فإن هذا يواجه معارضة من بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية، ما يجعل آمال التوصل إلى اتفاق فى الوقت الحالى ضئيلة».
وأضاف: «رغم الجهود الكبيرة التى بذلتها مصر، بما فى ذلك اللقاءات مع قيادات حماس وفتح، فإن استمرار العنف يعود بشكل كبير إلى الموقف الإسرائيلى المتصلب، خاصة أن الولايات المتحدة لن تستطيع الضغط على نتنياهو فى هذه المرحلة، لكن الوضع قد يتغير بعد الانتخابات الأمريكية، لأن النتائج قد تؤثر على مواقف البعض تجاه القضية الفلسطينية، وربما تعطى بارقة أمل لوقف الحرب المستمرة منذ أكثر من عام».
وقال الدكتور مراد حرفوش، المحلل السياسى الفلسطينى، إن المبادرة المصرية تهدف إلى كسر حالة الجمود التى تشهدها المفاوضات بين حركة «حماس» والاحتلال الإسرائيلى، وتأتى فى وقت حاسم يتسم بالتوترات المتزايدة فى المنطقة، ما يستدعى اتخاذ خطوات جادة لتفادى انزلاق الأوضاع إلى حرب إقليمية شاملة.
وأضاف «حرفوش» أن المبادرة تهدف إلى إحياء المفاوضات، بما من شأنه وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما يتطلب تعاون جميع الأطراف المعنية، بما فى ذلك الحكومة الإسرائيلية الحالية، معربًا عن قلقه من عدم رغبة بعض المسئولين الإسرائيليين فى التوصل إلى صفقة، ووجود اتجاه نحو توسيع نطاق الحرب بدلًا من إنهائها.
وواصل: «رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، قد يستغل الوضع الحالى كفرصة لتعزيز موقفه السياسى، مع سعيه للحفاظ على ائتلافه الحكومى عبر مواصلة الحرب. هو يفضل المفاوضات تحت وطأة الحرب، ما يزيد من تعقيد جهود الوصول إلى اتفاق شامل».
ونبه إلى أن إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، رغم محاولاتها للدعم، قد تواجه صعوبات فى فرض وقف إطلاق نار فعّال، بسبب انشغالها بالانتخابات الرئاسية، وضغوط اللوبى الإسرائيلى، مضيفًا: «نتنياهو يميل إلى تأخير أى جهود قد تسهم فى رفع رصيد الحزب الديمقراطى فى أوساط الناخبين الأمريكيين».
وواصل: «الإدارة الأمريكية الحالية تحت قيادة بايدن تهدف إلى تحقيق هدنة مؤقتة، خاصة مع اقتراب الانتخابات، وسعيها لتعزيز رصيدها الانتخابى، من خلال دعم قضايا الجاليات العربية والمسلمة التى تساند النضال الفلسطينى، رغم أنها قدمت دعمًا غير مسبوق لحكومة نتنياهو فى الحرب ضد الشعب الفلسطينى، وهو ما يعكس تناقضًا فى مواقفها».
وأكد الخبير فى الشأن الإسرائيلى أن محاولات وجهود مصر وقطر تواجه تحديات كبيرة نتيجة تعنت الموقف الإسرائيلى، معربًا عن أسفه لعدم التوصل إلى وقف إطلاق نار حتى الآن، فى ظل استمرار الحرب وتداعياتها الكارثية على الشعب الفلسطينى.
وشدد على أن «الفرصة لا تزال قائمة للوصول إلى هدنة مؤقتة، يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو تحقيق سلام دائم، شريطة أن تظهر الأطراف المعنية إرادة حقيقية للتفاوض والتوصل إلى حلول سلمية».
وأعرب عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى هدنة شاملة فى قطاع غزة، خاصة أن حركة «حماس» رحبت بالمقترح المصرى، مشددًا على ضرورة إنهاء حرب الإبادة الجماعية التى يعانى منها الفلسطينيون.
وأضاف أن «حماس» تؤكد مواقفها الثابتة التى تتعلق بالمفاوضات، والقائمة على السعى إلى تحقيق وقف شامل لإطلاق النار، وسحب جيش الاحتلال الإسرائيلى من قطاع غزة، مشددًا على أن الحركة «تأمل فى الوصول إلى صفقة تبادل أسرى مشرفة، بالإضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وعودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم الأصلية».
وبيّن أن «حماس» مستعدة لإبداء مرونة فى عدد الأسرى المطلوب الإفراج عنهم، ما يعكس اهتمامها الكبير بالوصول إلى اتفاق يخفف من معاناة السكان، متابعًا: «الموقف الثابت لحماس يشير إلى أنها معنية بتحقيق هدنة مؤقتة يمكن أن تمهد الطريق لهدنة دائمة».
أما على الجانب الإسرائيلى، فأشار إلى أن المؤسسة العسكرية تبدو أيضًا معنية بالهدنة، وهو ما أظهره وزير جيش الاحتلال، يوآف جالانت، الذى شدد على ضرورة البحث عن حلول لا تعتمد فقط على القوة، فى وقت تتعرض فيه قوات الاحتلال لخسائر كبيرة نتيجة العمليات العسكرية المستمرة، سواء فى غزة أو فى لبنان.