خلال الملتقى الثالث لصدى ذاكرة القصة المصرية...
سيد الوكيل: رؤية خيري عبد الجواد واضحة في علاقته بالتراث
بدأت منذ قليل فعاليات الملتقي الثالث لموقع صدى ذاكرة القصة المصرية، والذي جاء بعنوان " التراث والقصة القصيرة" "، دورة الكاتب الكبير: خيري عبد الجواد، برعاية مركز سيا الثقافي برئاسة الكاتبة والاعلامية الدكتور صفاء النجار ومؤسسة المحكى برئاسة الدكتور اسماء عواد، وجاءت المملكة الأردنية الهاشمية ضيف شرف الملتقى.
رؤية خيري عبدالجواد واضحة في علاقته بالتراث
وقال الناقد والروائي سيد الوكيل مؤسس ملتقى وموقع صدى ذاكرة القصة المصرية، للكاتب خيري عبد الجواد رؤية واضحة في علاقته بالتراث، مفادها أن الماضي لا يموت، لأن الزمن طاقة، والطاقة لا تفني، وإنما تجدد نفسها في صور مختلفة، ومهمة الكاتب هي مطاردة صورة الزمن في تجلياتها المختلفة، وبهذا الوعي لا ينفصل الكاتب عن واقعه مهما أوغل في الماضي. ولم يكن من قبيل الصدفة، أنه أول ما رأي الماضي، لم يكن في كتب التراث، بل في ألعاب الأطفال، مع مجموعته القصصية الأولى (حكايات الديب رماح- 1987). ولعل استخدامه لكلمة (حكايات) بدلًا من (قصص) تشير إلى وعيه المبكر بطبيعة مشروعه السردي الذي بدأه في العشرينات وأنهاه في الأربعينيات، تاركًا رصيدًا ضخمًا من القصص والروايات والأبحاث والتحقيقات التي تضيء التراث العربي من المنظور السردي.
وأشار الوكيل إلى أن بدأ خيري عبد الجواد المرحلة الأولى في منتصف الثمانينيات، وتشمل مجموعتين قصصيتين هي: (الديب رماح-1987،حرب أطاليا-1988) وفيهما لا يذهب عبد الجواد إلى عمق التراث الثقافي فقط، بل إلى بدايات التكوين للذات المصرية، فيتوقف طويلًا أمام مرحلة الطفولة، في محاولة للكشف عن عمليات التواصل الثقافي عبر الزمن، التي تقوم أساسًا على الشفهية وتعكسها العادات والتقاليد والمفردات اللغوية.
وذهب الوكيل إلى التأكيد على أن تكشف بعض الدراسات الفولكلورية، أن بعض مظاهرنا الثقافية، مازالت تحتفظ بصياغات تراثية قد تمتد إلى العصور الفرعونية مثل: احتفالات السبوع للمولود، وأربعينيات الموتى، وأغاني الأطفال وألعابهم ولغتهم ومصطلحاتهم الخاصة.فمثلا: ألعاب الأطفال تحت ضوء القمر في صعيد مصر، رافقتها أغان ترجع جذورها إلى طقوس فرعونية لـ (تحوت) إله القمر، سواء في تمامه أو استقباله ووداعه هلالًا صغيرًا.
وأوضح الوكيل لكن الطقس يتسرب إلى سياق مختلف تمامًا، ففي ألعاب الأطفال في شهر رمضان، تصبح الفوانيس في مخيلة الطفل بمثابة أقمار صغيرة ( أهلة) ويصبح اسمها (ايوحا)، وهي كلمة ترجع إلى (إيحي) الإله الذي كان يصور على هيئة طفل. وهكذا، فإن ( وحوي يا وحوي..أيوحا) التي يستقبل الأطفال بها هلال رمضان، متصلة باستقبال القدماء المصرين لطلوع إله القمر. .. بل أننا نستقبل رمضان بلغتنا المصرية القديمة بقولنا وحوى يا وحوى إيوحا وكذلك حلّو يا حلّو رمضان كريم يا حلو، كما عرفت أن أغلب ألعاب الأطفال وأغانيهم تبدأ بكلمات مصرية قديمة سح بدح يا خروف نطاح ويا مطرة رخى رخى على قرعة بنت أختى وحلاقاتك برجلاتك)
سرديات خيري عبد الجواد
ويري الوكيل إذا كانت البدايات تسترشد بالتراث الشفهي، فإن المرحلة الوسطى تعول كثيرًا على التراث المكتوب، ولكننا في كثير من الأحيان لا نجد فصلًا حادًا بين المكتوب والشفهي في سرديات خيري عبد الجواد. ويكشف هذا عن تصوره للطبيعة اللامركزية في الحكاية العربية، وقدرتها على التجلي في أكثر من سياق، فالحكاية العربية لم تلتزم فنًا واحدًا ولا نوعًا واحدًا من الحكي، ولكنها تتجلى في فنون وآداب كثيرة مثل: السير والمغازي ـ القصص والأخبار والمقامات والطرائف وحكايات الحمقى والمديح النبوي ـ حكايات الأولياء وكراماتهم، الحواديت والأمثال الشعبية والحكم والمواعظ، وحتى كتب التاريخ والحديث والفقه بثت الحكايات في ثناياها. وكثيرًا ما تنسب الأشعار والحكايات إلى شخصيات أو رواة مجهولين أو بأسماء مختلقة. هذا فضلًا عن أن كثيرًا من الكتب والمخطوطات التراثية، كتبت بلغة تمازج بين الفصحى وعامية زمانها ومكانها، وأفادت من لهجات عربية مختلفة، وهي المعروفة بلغة المولدين.