إبطاء الإجراءات.. ما بعد مراجعة برامج مصر مع صندوق النقد الدولى
رحب خبراء اقتصاديون بإعلان صندوق النقد الدولى انفتاحه على تعديل البرنامج التمويلى الخاص بمصر، مشددين على أهمية التعاون بين الحكومة والصندوق، بشكل يحقق التوازن بين الاستقرار الاقتصادى والعدالة الاجتماعية.
وأكدت كريستالينا جورجييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولى، أمس، أنها منفتحة على تعديل أى برنامج، بما يخدم الظروف على أفضل وجه، فى إشارة إلى الاتفاق الموقع مع مصر.
وذكرت «جورجييفا»، فى إحاطة ضمن الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، أنها ستزور مصر، خلال ١٠ أيام، لترى ما تمر به البلاد، مضيفة: «نحن منفتحون على تعديل أى برنامج بما يخدم الظروف على أفضل وجه». واعتبرت أن «مصر ستكون فى وضع أفضل إذا تم تنفيذ الإصلاحات عاجلًا وليس آجلًا»، خاصة أنها «تتحمل أعباءً كبيرة نتيجة للصراعات فى غزة والسودان».
وجاءت تصريحات «جورجييفا» بعد أيام من تصريحات للرئيس عبدالفتاح السيسى، أكد فيها أنه «إذا كانت التحديات تجعلنا نضغط بشكل لا يتحمله الناس، فلا بد من مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولى». وأضاف الرئيس: «البرنامج الحالى مع صندوق النقد الدولى يأتى فى ظل ظروف شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية على اقتصاد العالم كله»، مشددًا على ضرورة «وضع ذلك فى اعتبار المؤسسات الدولية».
فرصة ذهبية لتحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادى والعدالة الاجتماعية للحفاظ على الاستقرار
وصف الدكتور وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع السياسى، مراجعة مصر برنامجها مع صندوق النقد الدولى بأنها خطوة استراتيجية ضرورية، فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
وقال «جاب الله»: «الظروف العالمية فرضت ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد المصرى، ما يستدعى إعادة تقييم الاتفاقات السابقة مع الصندوق، لضمان تكييفها مع المتغيرات الحالية». وأكد أهمية الشفافية والتواصل الفعّال بين الحكومة وصندوق النقد الدولى، وأن تكون الإصلاحات الاقتصادية مصممة بطريقة تأخذ فى الاعتبار الأبعاد الاجتماعية وتأثيرها على الفئات الأكثر احتياجًا والأسر الفقيرة.
ورأى أن هناك حاجة ماسة لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية كوسيلة لتعزيز النمو الاقتصادى وخلق فرص العمل، مع ضرورة أن يكون تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص فى صميم الاستراتيجية الاقتصادية، والتركيز على التعليم والتدريب كمفتاح لمواجهة تحديات سوق العمل.
واعتبر أن الحديث عن استجابة صندوق النقد الدولى لتعديل البرنامج يعكس مرونة الصندوق لمتطلبات الدول الأعضاء، ما سيوفر فرصة ذهبية لمصر لتحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادى والعدالة الاجتماعية من أجل الحفاظ على الاستقرار.
وتابع: «المراجعة الحالية المقرر أن تبدأ بعد أيام، فى نوفمبر المقبل، تأتى فى إطار تقييم مدى نجاح البرامج والإصلاحات التى تم تنفيذها حتى الآن، وتمثل فرصة للحكومة لتوضيح التحديات التى تواجهها فى تحقيق الأهداف المرسومة، وفتح المجال أمام نقاش جاد حول كيفية تعديل السياسات الاقتصادية، بما يتناسب مع الظروف الراهنة».
الأولوية لعلاج ارتفاع التضخم وتخفيف الضغط عن محدودى الدخل
رحب الدكتور أحمد معطى، الخبير الاقتصادى، بتصريحات المديرة العام لصندوق النقد الدولى، حول أن «الصندوق منفتح على تعديل البرنامج الاقتصادى لمصر»، معتبرًا أن هذه التصريحات تعنى أن الصندوق يولى أهمية كبيرة للوضع الاقتصادى والاجتماعى فى البلاد.
وقال «معطى»: إن دعوة الرئيس السيسى للحكومة بمراجعة الاتفاق القائم بين مصر وصندوق النقد الدولى تعبر عن انحيازه لمصلحة المواطن، مشيرًا إلى أهمية أن تشمل المراجعة تقييمًا للظروف الراهنة، التى تتطلب من الحكومة أن تكون مرنة فى سياساتها، وتستجيب بسرعة للتغيرات فى البيئة الاقتصادية العالمية. وأضاف الخبير الاقتصادى: «الحكومة ستدعو إلى مراجعة شاملة للاتفاق مع صندوق النقد الدولى، بما يعكس إدراكها ضرورة التكيف مع الأوضاع المتغيرة والظروف الاقتصادية الصعبة، التى أثرت على مستويات المعيشة والنمو الاقتصادى». وبَيّن أن أحد أبرز التحديات التى تواجه مصر فى الوقت الراهن ارتفاع معدلات التضخم بسبب تداعيات الأزمات العالمية، بداية من جائحة «كورونا»، وأزمة الطاقة، والتوترات الجيوسياسية فى المنطقة، ومنها الحرب على غزة ولبنان، وكلها عوامل زادت من الضغوط على الاقتصاد المصرى.
ونبه إلى سعى الدولة لوضع استراتيجيات جديدة تدعم الفئات الأكثر تأثرًا، مثل الفقراء وذوى الدخل المحدود، وهو ما يتطلب من صندوق النقد الدولى أن يكون مرنًا فى شروطه، بشكل يمكن الحكومة من اتخاذ خطوات فعالة للتخفيف من الأعباء الاقتصادية على المواطنين، خاصة الفئات المهمشة. واختتم الخبير الاقتصادى بالإشارة إلى أهمية أن تكون هناك سياسات واضحة معنية بتوزيع الدعم بشكل عادل وفعال، بحيث تصل المساعدات إلى من يحتاجها، الأمر الذى يخفف بشكل كبير من أعباء الموازنة العامة.
مراجعة جديدة للحصول على شريحة بـ1.3 مليار دولار
أشاد الدكتور شريف طاهر، أستاذ الاقتصاد فى أكاديمية السادات، بتصريحات الرئيس السيسى حول إعادة النظر فى البرنامج الحالى مع صندوق النقد الدولى، والتى تعكس إدراكًا عميقًا للتحديات الاقتصادية التى تواجهها مصر فى هذا الوقت الصعب على المستوى العالمى ككل.
وقال «طاهر» إن تصريحات مديرة صندوق النقد الدولى حول انفتاح الصندوق على تعديل أى برنامج بما يتناسب مع الظروف الحالية، فى إشارة إلى الاتفاق الموقع مع مصر، تأتى استجابة لدعوة الرئيس السيسى.
وتوقع أن تشهد زيارة كريستالينا جورجييفا المرتقبة لمصر كثيرًا من التفاهمات بين إدارة الصندوق والحكومة، بهدف الوصول إلى مراجعة جيدة، تحصل من خلالها مصر على الشريحة الرابعة البالغة ١.٣ مليار دولار.
ورأى الخبير الاقتصادى ضرورة تعزيز هذه الخطوة بإجراءات مصاحبة تخفف من آثارها السلبية على الفئات الأكثر فقرًا، من خلال زيادة برامج الحماية الاجتماعية، التى وصلت إلى نحو ٦٣٠ مليار جنيه، خلال العام المالى الحالى.
وأشار إلى وجود رغبة من إدارة صندوق النقد فى إجراء تقييم شامل للوضع الاقتصاد المصرى، قبل اتخاذ قرار التمويل، مشددًا على أهمية الوفاء بالتزامات البرنامج، لضمان تدفق الاستثمارات والدعم المالى اللازم لتحقيق الاستقرار الاقتصادى.
كما نبه إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الحكومة وصندوق النقد الدولى، وتبنى سياسات اقتصادية مرنة تسهم فى مواجهة التحديات الراهنة، مع الحفاظ على استقرار الأسعار، وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
خطوة ضرورية للحد من ارتفاع الأسعار وتحسين مستوى المعيشة
رأى محمد جاب الله، رئيس قطاع تنمية الأعمال والاستراتيجيات فى شركة «بايونير»، أن مراجعة مصر الموقف مع صندوق النقد الدولى تتطلب توضيحًا مهمًا، فى ظل أن هذه المراجعة لا تعنى إلغاء الاتفاقية بالكامل، بل تركز على تعديل شروطها، خاصة تلك المتعلقة بـ«إلغاء الدعم». وقال «جاب الله»: «لقد وصل الوضع إلى مرحلة يصعب فيها على المواطنين تحمل شروط الصندوق، التى تؤدى فى معظمها إلى زيادة الأسعار والغلاء». وأضاف: «يجب مراعاة البُعد الاجتماعى فى أى اشتراطات جديدة، لتوفير حياة كريمة للمواطنين تضمن لهم الحفاظ على مستوى معيشتهم، خاصة مع وجود طبقة من المصريين تجد نفسها غير قادرة على مواجهة التحديات اليومية». وأتم الخبير الاقتصادى بقوله: «بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية، تحاول الحكومة بحث إمكانية تعديل المدة الزمنية للإصلاحات الاقتصادية مع صندوق النقد الدولى، فى مسعى لحماية المواطنين، وتحسين مستوى معيشتهم بشكل أفضل، فى ظل التحديات الصعبة الراهنة».
توفير برامج حماية اجتماعية للطبقات الضعيفة.. وتنويع مصادر التمويل
أكد هانى أبوالفتوح، الخبير الاقتصادى، أن العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولى علاقة استراتيجية معقدة، تتأثر بتداخل المصالح الوطنية مع الشروط الدولية، مشيرًا إلى أن هذه العلاقة تعود إلى عقود، وشهدت تقلبات وتطورات متسارعة، خاصة فى السنوات الأخيرة.
وعما يجب على الحكومة المصرية فعله فى هذه المرحلة، قال «أبوالفتوح»: «على الحكومة تعزيز الشفافية والحوار، ونشر المعلومات والبيانات الاقتصادية بشكل دورى، وتعزيز المشاركة المجتمعية فى عملية صنع القرار، وفتح قنوات حوار مستمرة مع صندوق النقد الدولى والمؤسسات الدولية الأخرى، بهدف تبادل وجهات النظر وبناء الثقة».
وأشار إلى أهمية التركيز على الإصلاحات التى تسهم فى تحسين كفاءة الاقتصاد، مثل إصلاحات قطاع الطاقة، وإصلاحات قطاع الأعمال العام، وتبسيط الإجراءات، مع التركيز على الإصلاحات التى تحقق أهدافًا اجتماعية واقتصادية، وتوفير برامج حماية اجتماعية للطبقات الأكثر ضعفًا.
كما نبه إلى أهمية الاعتماد على مصادر تمويل متعددة، بحيث لا يقتصر الأمر على صندوق النقد الدولى، بل يجب البحث عن مصادر تمويل أخرى مثل الأسواق المالية الدولية، والمنح والمساعدات، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، بجانب تعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، فى إطار لتنويع مصادر التمويل والحصول على الدعم الفنى.
ونوه، أيضًا، إلى ضرورة دعم القطاع الخاص، من خلال تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية، وتوفير الحماية القانونية للمستثمرين، وتشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر عبر توفير الحوافز الاستثمارية وتبسيط إجراءات الاستثمار، فضلًا عن دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، من خلال توفير التمويل والتدريب والتوجيه.
وشدد على ضرورة حماية الطبقات الضعيفة، من خلال توفير برامج حماية اجتماعية، مثل برامج الدعم النقدى، وبرامج التدريب المهنى، لتخفيف الآثار السلبية للإصلاحات على الفئات الأكثر ضعفًا، مع توجيه الدعم الحكومى إلى الفئات المستحقة، لضمان وصوله إلى من يحتاجونه بالفعل.