رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. بين السعى للسلام والشك الإسرائيلى!

وُلدت اتفاقية كامب ديفيد، بين مصر وإسرائيل، ميتة منذ اللحظة الأولى، إذ أنها فشلت فى تحقيق تطبيع حقيقى بين الإسرائيليين والشعب المصرى، الذى عانى من حروبهم، ولم ينس يومًا أن الدولة العبرية قامت على أنقاض الشعب الفلسطينى، مسببة له أكبر نكبة إنسانية فى التاريخ، عام 1948، بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وراحت تل أبيب تسعى، عامًا بعد آخر، لاقتطاع مزيد من الأراضى الفلسطينيية، وصولًا إلى ما نحن فيه من تدمير قطاع غزة، وممارسة العنف الدامى فى الضفة الغربية، ووقوع سكانيهما بين الموت قتلًا وبين مفارقة الديار، فى نزوج مستمر، لا يقر له قرار، ورغبة حثيثة من الدولة العبرية فى تهجير هؤلاء السكان إلى مصر من قطاع غزة، وإلى الأردن من الضفة الغربية.. لذلك، وفى ظل هذا السلام النفسى المفقود لدى الإسرائيليين، فدائمًا ما ينظرون بريبة نحو أى خطوة تخطوها مصر، خصوصًا ما تعلق منها بتطوير القاهرة لقوتها العسكرية، واستمرار تحديثها، وزيادة فعاليتها وتأثيرها، بما يحمى حدود مصر، ويحفظ أراضيها، دونما رغبة فى الاعتداد على الغير، أيًا كان هذا الغير، وإنما هى قوة الردع التى تحققها مصر للحفاظ على مقدراتها وقرارها.. وكثيرًا ما يشكون فى نية مصر تجاه كيانهم، ويتوجسون ريبة وخيفة.
واستمرارًا لهذه النظرة، تساءلت مجلة Israel Defense التى تصدر عن الجيش الإسرائيلى، فى تقرير لها، عن الأسباب التى دفعت مصر لاستعراض قوتها العسكرية، فى ذكرى انتصار السادس من أكتوبر الأخيرة.. وقالت المجلة إن مصر أظهرت قوتها العسكرية ومعداتها القتالية المتنوعة فى مواجهة التهديدات الإقليمية.. وأضافت خلال تقريرها المقتضب- الذى حجبته عن الظهور على شبكة الإنترنت، إلا داخل إسرائيل- أن مصر أظهرت قوة عسكرية كبيرة فى العرض الذى أقيم فى القاهرة لإحياء ذكرى السادس من أكتوبر، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد.. وكان تقرير إسرائيلى آخر، نشر مؤخرًا على موقع epoch الإخبارى الإسرائيلى، قد حذر من «التسليح المصرى المتسارع، والجسور والأنفاق التى يُنشئها الجيش المصرى، وتسمح بتحرك فرق عسكرية كاملة خلال ساعات».. وتساءل التقريره عن «ما هى الحرب التى تستعد لها مصر؟.. وما علاقة ذلك بفك الارتباط بمحور فيلادلفيا؟».. ووصف الموقع العبرى ما تقوم به مصر من تسليح مكثف بـ«مؤامرات على ضفاف النيل»، مضيفًا أن «نظام الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، يحشد عسكريًا ضد إسرائيل»!!.. وقال: لقد تزايدت فى الآونة الأخيرة فى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى فى إسرائيل، ادعاءات مثيرة تحذر من «نوايا مصر الخفية» تجاه إسرائيل.
ويزعم نشطاء التواصل الاجتماعى فى إسرائيل أنه لا يوجد سلام حقيقى مع مصر، فقد ظلت منذ عقود تسلح نفسها، بمعدل ينذر بالخطر، وتشجع القوات الوكيلة على تقويض أمن إسرائيل!!.. كما طالب البعض بألا تغفل أعين إسرائيل «عما تكيده لها مصر»، وأن القاهرة لا تريد لإسرائيل أن تهزم حماس.. وعلاوة على ذلك، يواصل الجيش المصرى تعزيز قواته فى سيناء على نطاق واسع، مما دفع العديد من الأصوات للمطالبة بأن «يراقب الجيش الإسرائيلى مصر» للتأكيد أن إسرائيل مستعدة لأى سيناريو تهديد.. ويرى الموقع العبرى أن هذه المخاوف تأتى على خلفية تصاعد التوترات بين إسرائيل ومصر، والتى بلغت ذروتها فى سبتمبر الماضى، فى أعقاب رفض رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الانسحاب من «محور فيلادلفيا»، الحدودى بين قطاع غزة ومصر.
ومع أن الحدود المصرية- الإسرائيلية تشهد محاولات متكررة لتهريب الأسلحة والمخدرات، ويتم إحباط العديد منها، من كلا الجانبين، إلا أن سوء التأويل عادة ما يكمن فى العقلية الإسرائيلية، التى ترى مصر دائمًا فى كل حدث عبر هذه الحدود.. وبدون تفسير أو توضيح، يضع النقاط فوق الحروف ويكشق الحقيقة فيما يحدث.. أعلن الجيش الإسرائيلى، قبل أيام، عن إحباط عملية تهريب أسلحة عبر الحدود المصرية، كانت مُحملة على طائرة مسيّرة.. ونشرت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش أحبط نقل طائرة بدون طيار أسلحة عبر الحدود المصرية، عبارة عن ثمانية بنادق وذخيرة.. ورغم أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى قال إن القوات راقبت الطائرة التى عبرت من الأراضى المصرية إلى الأراضى الإسرائيلية فى منطقة لواء باران، حتى تم إسقاطها، فإنها لم توضح، من أين بدأت المراقبة، أو من كان مُطبقها.. كل ما أشارت إليه أن قوة من كتيبة كراكال انتقلت إلى المكان، وأطلقت النار على الطائرة المسيّرة، وأسقطتها.
●●●
حتى قرار الرئيس السيسى، بالاستعانة بقدرات اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية السابق، فى أماكن أخرى تتطلبها المرحلة الحالية، بما يخدم أهداف الدولة المصرية، أثار قلق إسرائيل.. إذ أوضح موقع «واينت» العبرى أن ثمة قلقًا فى إسرائيل، جراء استبدال اللواء عباس كامل، بشخصية غير معروفة مسبقًا لدى تل أبيب، على حد تعبير الموقع، لأن هذا «سيزيد من تأخير صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس».. وقال إن «رئيس المخابرات السابق، عباس كامل، شخصية معروفة ومحترمة فى إسرائيل، وله علاقات جيدة أيضًا مع الولايات المتحدة، وبديله غير معروف مسبقًا فى تل أبيب، حيث سيتولى منصبه فى لحظة أزمة وتوتر فى العلاقات، وفى ظل أزمة المفاوضات المتوقفة.. وتخشى إسرائيل أن يؤدى قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تأخير صفقة الرهائن، فى ظل انتقاله إلى منصب آخر».
ووفق «واينت» فإن «كامل، الذى يشغل منصبه منذ عام 2018، شخصية معروفة فى إسرائيل، وكانت لديه اتصالات مع جميع قواتها الأمنية العليا، وكذلك الولايات المتحدة.. والآن، وفقًا لتقارير فى مصر، سيتم تعيينه مستشارًا للرئيس السيسى ومنسقًا عامًا للأجهزة الأمنية، ومن سيحل محله، حسن محمود رشاد- الذى شغل مناصب مختلفة فى أجهزة المخابرات المصرية، قبل أن يتقدم إلى المنصب الجديد- غير معروف فى إسرائيل، وقد يؤثر ذلك أيضًا على العلاقات بين البلدين»، مع أن اللواء حسن رشاد انضم للمخابرات العامة المصرية، وتدرج فى مناصبها حتى وصل إلى منصب وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية، قبل أن يصدر قرار رئاسى بتعيينه رئيسًا للجهاز.. وهذا معناه أن الرجل مؤهل لتولى مهام منصبه باقتدار، يحقق تواصلًا مع ما كان من سلفه، فى قضايا المنطقة المصيرية، والتى شغلت حيزًا كبيرًا من جهده وعقله، فى الفترة الماضية.
●●●
إن مصر الحريصة على شيوع السلام فى المنطقة، الحريصة على الحق الفلسطينى، لم تألو جهدًا فى محاولة الوصول إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل، يؤدى إلى وقف القتال بينهما، ويعيد المحتجزين الإسرائيليين فى قطاع غزة إلى ديارهم، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المسجونين فى سجون إسرائيل إلى بلادهم.. لذلك، فبمجرد أن مارس رئيس جهاز المخابرات الجديد، اللواء حسن رشاد، مهام منصبه، إلا وسارع رئيس الشاباك، رونين بار، للقاء رئيس المخابرات المصرية فى القاهرة.. وقال موقع Srugim الإخبارى الإسرائيلى، إن بار التقى، للمرة الأولى، مع اللواء حسن رشاد، وناقش معه المفاوضات بشأن صفقة الأسرى، بعد اغتيال زعيم حركة حماس، يحيى السنوار.. وتحت عنوان «الطريق إلى الصفقة»، قال الموقع العبرى إن زيارة رئيس الشاباك إلى القاهرة، ولقاءه رئيس المخابرات المصرية الجديد، قد تكون بداية للمضى قدمًا فى المحادثات بشأن صفقة الأسرى، بعد اغتيال السنوار الأسبوع الماضى.. وكان بار هو أول مسئول إسرائيلى يلتقى رشاد، الذى تولى منصبه يوم الخميس الماضى، وكان آخر من التقى باللواء عباس كامل، فى القاهرة، يوم العاشر من أكتوبر، من المسئولين الإسرائيليين.. وذكر الصحفى الإسرائيلى، باراك رافيد، نقلًا عن مصدر مطلع على الاجتماع، أن رونين بار أخبر رشاد بأنه بعد مقتل السنوار، هناك فرصة لتجديد المفاوضات بشأن صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار فى غزة.
آخر الجهود المصرية فى هذا الشأن، ما عرضه رئيس الشاباك على المجلس الوزارى المصغر للشئون الأمنية والسياسية «الكابينيت» من تفاصيل المحادثات التى أجراها فى مصر بشأن صفقة تبادل الأسرى.. التى تضمنت اقتراحًا مصريًا بمسار لصفقة «محدودة مع حماس»، بهدف استئناف المفاوضات، تمهيدًا للتوصل إلى «صفقة أكبر».. ووفقًا للمقترح، سيتم فى المرحلة الأولى تنفيذ صفقة يتم فيها الإفراج عن «عدد من الإسرائيليين المحتجزين فى قطاع غزة، مقابل وقف إطلاق نار لعدد من الأيام»، مع أن حماس متمسكة بانسحاب الجيش من قطاع غزة ووقف الحرب، وقد أوفد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، رئيس الشاباك إلى القاهرة مجددًا، «لتحسين المقترح» أمام الجانب المصرى، خصوصًا وأن وزير الدفاع، يوآف جالانت، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلى، هرتسى هاليفى، أبديا دعمهما للمقترح خلال الاجتماع، بينما عارضه الوزيران المتطرفان، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أفادت فى تقرير لها، بأن يحيى السنوار، قائد حركة حماس، الذى قتلته إسرائيل الأسبوع الماضى، تلقى عرضًا من مصر لمغادرة قطاع غزة خلال الحرب، مقابل السماح للقاهرة بإجراء مفاوضات من أجل إطلاق سراح المختطفين، لكنه رفض ذلك، ونقلت الصحيفة عن مسئولين عرب يشاركون فى جهود الوساطة، أن السنوار رد على العرض المصرى بالقول: «لست تحت الحصار.. أنا على أرض فلسطين».. فى نفس الوقت، قال مسئول إسرائيلى كبير إنه من غير المتوقع حدوث تقدم كبير أو اختراق كبير فى المحادثات، على الأقل حتى تنتهى مرحلة الهجوم الإسرائيلى على إيران والرد المحتمل.. لأنه من غير المتوقع أيضًا أن يروج بدلاء السنوار للصفقة، حتى يرون أن الحرب الإقليمية لا تتطور.. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أنه على الرغم من عدم وجود توضيح فى حماس بشأن استبدال السنوار، إلا أن أحد الاحتمالات هو أن تكون لجنة من كبار المسئولين- وليس شخصًا واحدًا- هى التى يمكن أن تسهل الاتصالات للتوصل إلى اتفاق محتمل.. شريطة أن تُبدى إسرائيل نوعًا من اللين فى مواقفها.
●●●
لكن، اللواء الإسرائيلى المتقاعد، إسحاق بريك، لا يعول على لين نتنياهو وحكومته، للخروج من هذه المشكلة، إذ يرى الحل فى تكاتف جميع قطاعات السكان، لاستبدال الصفوف السياسية والعسكرية على الفور.. وسيسمح استبدال كبار الضباط بالتوصل إلى اتفاق سياسى بوساطة أمريكية، يسمح بإطلاق سراح المختطفين وعودة النازحين إلى منازلهم وسبل عيشهم؛ ووقف الانهيار الاقتصادى؛ ووقف الانهيار الاجتماعى الذى يقترب بالفعل من الحرب الأهلية؛ ووقف انهيار علاقات إسرائيل مع العالم؛ وإعادة بناء الجيش وتحويله إلى جيش دفاعى وهجومى، قادر على مواجهة التهديدات الوجودية المتزايدة؛ وبناء تحالف دفاعى يضم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والدول العربية والأوروبية ضد محور الشر.. كل هذا وأكثر يمكن أن ينقذ البلاد من الانهيار الكامل الذى يقترب كل يوم.
يقول إسحاق بريك، فى مقال له، بعد اغتيال نصرالله والقيادة العليا لحزب الله: كان هناك ابتهاج وفرح كبير فى إسرائيل، وهذا أمر بديهى.. لكن ما لا نفهمه، هو كيف خرج السياسيون من جميع الأحزاب، وكبار المعلقين العسكريين، والجنرالات المتقاعدون وغيرهم بضجة كبيرة وقالوا كلامًا، من بين أمور أخرى، مثل «لقد بدأ عصر جديد فى الشرق الأوسط»، «الجيش الإسرائيلى والدولة.. لقد أصبحت إسرائيل عاملًا مؤثرًا وحاسمًا فى العمليات فى الشرق الأوسط».. «حزب الله فى طريقه إلى الهزيمة.. لقد فقد القدرة على العمل»، حتى أنهم قالوا «يبدو أن النصر الكامل يمكن تحقيقه.. نحن بحاجة إلى الاستمرار بكل قوتنا لهزيمة حزب الله وحماس فى النهاية، وإضعاف إيران وتحييد سيطرتها».
لقد تلقى حزب الله ضربة قوية، لكنه بعيد كل البعد عن الهزيمة.. لقد عاد حزب الله إلى رشده فى غضون أيام قليلة، ويواصل إحداث الخراب فى المستوطنات الشمالية.. حتى أنه وسّع النطاقات إلى عكا، إلى كريات، إلى مستوطنات منطقة عناخ، إلى صفد، إلى حيفا، إلى طبريا، إلى مستوطنات الضفة، وإلى قيسارية والخضيرة وكفار سابا وتل أبيب، آلاف الدونمات من الزراعة والغابات الطبيعية، وحتى بعد دخول إسرائيل «بالنسبة للمستوطنات اللبنانية على طول الحدود، لا يوجد أى مؤشر فى الأفق على أننا نقترب من إعادة عشرات الآلاف من النازحين إلى منازلهم، بسبب وابل الصواريخ الذى يسقط على مستوطناتهم كل يوم».. وبعد فترة وجيزة، نجح الجيش الإسرائيلى فى القضاء على يحيى السنوار، لكن الجيش الإسرائيلى غير قادر على انهيار حماس بشكل كامل، لأن الأنفاق تحت الأرض، تغمرها المواد الغذائية والوقود والمعدات، وهذا سيكفيها لفترة طويلة جدًا، فضلًا عن الذخائر التى لا تزال باقية فى الأنفاق دون أن يتمكن الجيش الإسرائيلى من إغلاقها.. الحمساويون يخرجون من فتحات الأنفاق، يطلقون الصواريخ على دباباتنا وناقلات الجنود المدرعة، ويزرعون عبوات جانبية وبطنية على الطرق، ويسيطرون على المنازل التى يقوم الجيش الإسرائيلى بمسحها، وحتى الآن، وبعد عام من الحرب، تتسبب حماس فى سقوط العديد من الضحايا.
حتى بعد ابتهاج الرأى العام فى إسرائيل، والذى غذته تقارير غير جديرة بالثقة من المستويات السياسية والعسكرية، فإننا لم نقترب بعد من انهيار حماس وحزب الله.. وتستمر حرب الاستنزاف بكل شدة، وتتسبب فى انهيار الدولة فى كل مجالات الحياة.. ويقول بريك للإسرائيليين: قبل أن نفهم إلى أين نحن ذاهبون، من الآن فصاعدًا، يجب أن نفهم بعض الحقائق التى تُخبرنا عن حالنا فى هذا الوقت.
● إسرائيل تمر حاليًا بمرحلة الانهيار الاقتصادى.. وإذا استمر هذا الوضع، فقد تصل الدولة إلى مرحلة الإعسار خلال فترة زمنية قصيرة، أى حالة الإفلاس.
● فى أعقاب حرب «السيوف الحديدية» المستمرة منذ عام، ولا تلوح نهايتها فى الأفق، فإننا نخسر دول العالم: الكثير منهم يروننا دولة تجاوزت الخطوط الحمراء، وارتكبت جرائم حرب.. وتتجلى رؤيتهم فى الحظر الاقتصادى، وفى الحظر على شحنات الأسلحة، حتى من الدول الصديقة لنا، وفى تلطيخ وصمة العار الرهيبة التى تلصقها علينا محكمة لاهاى، وشيئًا فشيئًا، فى تحويلنا إلى دولة مجذومة لم تعد تستحق أن تكون من الدول المستنيرة.. إن هذه المواقف تجتاح العديد من الدول التى كانت فى السابق صديقتنا، وكانت لها علاقات ممتازة مع إسرائيل.
● أدت حرب الاستنزاف «السيوف الحديدية» إلى استقطاب المجتمع الإسرائيلى إلى درجة رهيبة.. بين القطاعات هناك كراهية واضحة تغذى بعضها البعض، وانعدام تام للثقة بين القطاعات، والحديث عن الانتفاضات المدنية وخيانة الوطن، وانقسام الشعب إلى دولة إسرائيل ودولة يهوذا، ونشر آلية الدعاية لمعلومات كاذبة أو غير صحيحة والتحريض، ونشر أخبار كاذبة ضد المعارضين، وغيرها من الألقاب القاسية لقطاع ضد آخر، تسمى «آلة السموم».. إن الانقسامات فى المجتمع الإسرائيلى تتسع إلى حد الخطر الذى لن يكون أمامنا طريق للعودة.. هذا الوضع وحده لديه القدرة على انهيار بلدنا.
● إن جيش الدفاع الإسرائيلى، الذى بدونه لا حق لنا فى الوجود فى الفضاء المعادى من حولنا، سوف يُنهك حتى النخاع.. يقع كل العبء على عاتق هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالفعل بالجولة الرابعة فى الخدمة الاحتياطية منذ بداية الحرب.. لقد فقد الكثير منهم مصدر رزقهم، وفى بعض الأحيان فقدوا أسرهم أيضًا، وقد وصلوا بالفعل إلى نهاية قدراتهم البدنية والعقلية.. مع مرور الوقت واستمرار حرب الاستنزاف، المزيد والمزيد من جنود الاحتياط يضربون بأقدامهم ولم يعودوا مستعدين للتجنيد.. يتعلق الأمر بعشرات بالمائة ممن لا يحضرون لأوامر الاستدعاء؛ الجنود النظاميون أيضًا مُرهقون، ويفقدون المعرفة المهنية بسبب تعطل دوراتهم، وأحيانًا لا تتم على الإطلاق، ويُرهقون فى الحرب التى لا تنتهى.. إذا استمرت حرب الاستنزاف هذه، فقد نخسر الجيش البرى.
● وبسبب استمرار حرب الاستنزاف، أصبح التعليم أيضًا على «ركبتى الدجاج»، وقضايا أخرى كثيرة لها مصير مماثل، ولا مجال هنا لتعداد المزيد.
حدث كل هذا قبل أن نُدخل إيران فى المعادلة.. وعلى إسرائيل أن تختار أهدافًا لردها ضد إيران لا تؤدى إلى التصعيد.. إن الاختيار غير الصحيح لأهداف الهجوم، يمكن أن يؤدى إلى التصعيد، وفقدان السيطرة من قبل الجانبين، واندلاع حرب إقليمية شاملة.. حرب، إلى جانب الصواريخ والقذائف التى سيطلقها الإيرانيون وإيران.. ومع انتشارها إلى المراكز السكانية، يمكن أن يندلع القتال البرى فى عدة قطاعات قتالية فى نفس الوقت.. لكن، جيشنا البرى صغير الحجم، ولا يستطيع القتال فى أكثر من قطاع.. فهو لا يستطيع حتى أن يهزم حماس بعد التخفيضات الجذرية فى السنوات العشرين الماضية.. عندما تندلع حرب إقليمية شاملة متعددة المجالات، سيتعين على الجيش الإسرائيلى القتال ضد عدة قطاعات قارية على الأقل فى نفس الوقت: ضد قوة الرضوان التابعة لحزب الله فى لبنان، ضد الميليشيات الموالية لإيران والجيش السورى فى سوريا، ضد الميليشيات الموالية لإيران حدود الأردن، ضد اندلاع الانتفاضة الثالثة فى الضفة الغربية، فى مواجهة عشرات الآلاف من المتطرفين داخل دولة إسرائيل، فى مواجهة احتمال انضمام مصر إلى الحرب، وبالطبع ستشارك حماس فى غزة أيضًا فى الاحتفال.
من المهم أن نلاحظ فيما يتعلق بالحدود الأردنية، التى تمتد على مسافة أكثر من أربعمائة كيلومتر، أنه بسبب تقليص الجيش البرى فى السنوات العشرين الماضية، ليس لدينا أى قوات على طول الطريق.. ولم نمنع تهريب مئات الآلاف من الأسلحة والمتفجرات إلى داخل إسرائيل.. ودعونا لا ننسى أنه ليست لدينا قوات على بعد مئات الكيلومترات من حدود مصر.. إن حربًا إقليمية شاملة مع إيران ستكون كارثية.. لن يكون الجيش قادرًا على القتال فى قطاع واحد، ولن يكون لدى 90٪ من سكان إسرائيل أى حماية.. وسوف يركض عشرات الآلاف من «المتطرفين العرب» فى شوارع إسرائيل، وفى مستوطنات الضفة.. لم تقم إسرائيل ببناء حرس وطنى لحماية السكان.. وكذلك فى حدود إسرائيل.. لا توجد قوات تحميهم على طول البلاد وعرضها، حدود بمئات الكيلومترات شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا.
كل هذا قد لا يحدث، لكن الإمكانية موجودة.. يجب ألا نراهن على بلدنا، ونحن نعلم أنه إذا حدث هذا فلن نتمكن من العيش هنا، لذلك علينا أن نأخذ فى الاعتبار الأسوأ.. ولكن من المؤسف أن صناع القرار، بنيامين نتنياهو ويوآف جالانت وهيرتسى هاليفى، يستطيعون اتخاذ قرارات تشكل رهانًا على إسرائيل.. يمكنهم اختيار أهداف للجيش الإسرائيلى لمهاجمتها فى إيران، والتى يمكن أن تشعل الشرق الأوسط وربما العالم.. وتبدو عدم مسئوليتهم وغطرستهم واضحة فى تصرفاتهم، سواء فى السابع من أكتوبر، أو فى حرب «السيوف الحديدية» المستمرة منذ عام.. أنا لا أثق مطلقًا فى حكمهم، الذى تحركه أيضًا المصالح الشخصية.. يقول إسحاق بريك.
لقد سمعت مؤخرًا مسئولًا رفيع المستوى يقول مرارًا وتكرارًا فى وسائل الإعلام: «إن إسرائيل على وشك توجيه ضربة قوية للإيرانيين، وهى ضربة لن ينسوها لفترة طويلة».. ولهذا السبب يضيف ويقول: إن رد فعل الإيرانيين على إطلاق الصواريخ على إسرائيل مؤكد.. وهو على حد تعبيره لا يأخذ فى الاعتبار أن هذا قد يؤدى إلى انفجار شامل قد يؤدى إلى انهيار بلدنا.. وحتى لو تمكنا من ضربهم بقوة، فإن مساحات الدول العربية المعادية لنا واسعة، وإسرائيل صغيرة، ومعظم سكانها ومواردها الإنتاجية تتركز فى أكثر الأماكن كثافة سكانية فى العالم- جوش دان.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.