رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتور عصمت النمر.. حاجة الجميع إلى جهده!

علا ذكر الدكتور عصمت النمر فى الآونة الأخيرة؛ لأنه أعلن عن بيع مكتبته الموسيقية الفخمة النادرة، ومن قبلها كان باع مكتبته الورقية الثمينة بالفعل «4 آلاف كتاب»، كان الواجب أن يعلو ذكره باستمرار، وليس لأن ظروفًا، أيًا كانت، دفعته إلى بيع كتبه التى لا يعوضها معوض، ولا الإعلان عن بيع كنزه النفيس المتمثل فى مكتبته الغنائية والموسيقية!
الدكتور شاعر وكاتب وناقد فنى وموسيقى، من الصحبة القريبة للشيخ إمام عيسى «يرحمه الله»، وقد كان كتب له موشحًا «اقبلى يا نشوة المشتاق» لحنه الشيخ وغناه، وله أغنية مفقودة عن انتفاضة 1977، شارك فى تأسيس منتدى «سماعى للطرب الأصيل»، وأسس راديو الإنترنت «مصرفون»، صفحته فى الـ«فيسبوك»، وأنا أحد أصدقائها، من أشد الصفحات نصوعًا، وبالأساس هو طبيب استشارى، عمل رئيسًا لقسم الجراحة فى مستشفى الزقازيق، يصفه الذين يعرفونه معرفة حقة بالرجل بالغ الثراء، يعنون ثراءه المعنوى لا المادى، ويصفونه بالرجل التاريخى، ومعنى نسبته إلى التاريخ عندهم كونه امتلك زمام التاريخ بأحداثه وشخصياته، امتلكه بلا احتكار، وبمحبة عظيمة للوطن الذى يعشق ترابه حرفيًا، ورغبة فى جعل آخره موصولًا بأوله وجديده مرتبطًا بقديمه.
منذ مدة قريبة أنزل الدكتور فى صفحته غناء مر عليه زمن طويل للسيدة أم كلثوم، اختاره من أرشيفه العبقرى الخاص غير المتكرر، علقت عليه بكلمة «مدد»؛ فكان رده التلقائى السريع: نعم والله، كم أنا بحاجة إلى مدد يا صديقى «أو كما قال»!
شعرت وقتها بأزمته فوق ما كنت شعرت بها وقت الإعلان عن بيع ما ينوى بيعه، فالمدد، والجمع أمداد، هو ما يمد به الشىء، وهو أيضًا ما يزاد به الشىء ويكثر، كذلك هو العون والغوث. الرجل الكبير يتقوى بالكلمة، الكلمة التى لها وقعها الحميم فى نفسيات بنى وطنه بقضهم وقضيضهم، يطلب بها دعمًا من صاحب الأمر كله، أكثر من كونه يقصد إنسانًا بعينه أو مؤسسة بذاتها أو جهة من الجهات عمومًا.
تعرض الدكتور «74 عامًا»، فى ما صار معروفًا جدًا الآن، إلى محنة صحية مزلزلة، كانت وراء بيعه لمكتبته الورقية، ولا ريب فى أن آثارها السلبية الممتدة هى التى تقف وراء عرضه الحالى المحزن لبيع مكتبته الموسيقية التى تحوى دررًا، يعود كثير منها إلى نهايات القرن الـ19.
لو كانت خطوط السير بقيت على استقامتها، ولم تنحن بقسوة مفاجئة، إذن لكان الدكتور أوصى بما لديه للدولة المصرية، وزارة الثقافة أو ما فى مستواها، وانتهى الموضوع نهايته الطبيعية، لكن الخطوط، كما ألمعت آنفًا، تعرجت وأخذت المسار إلى سكة مربكة محبطة لم تكن متوقعة بالمرة. 
نستطيع كلنا أن نتشارك فى إنقاذ ثروته الفنية الهائلة، هذا أقل حقوقه علينا جميعًا، وهكذا نحفظها من عبث محتمل لو وقعت فى يد من لا يثمن قيمتها الجوهرية الرفيعة التى لا تقدر بثمن، ويمكننا أن نبدأ عاجلًا بنظام دقيق محكم، متمنين ألا يسبقنا إلى الفعل البسيط الجميل سابق، وعلى كل حال هو لا يحتاج إلى جهود تبرعاتنا المادية مقدار ما نحتاج نحن إلى جهده المعنوى الوافر الآسر.