"أعجبني هؤلاء" آخر أعمال أنيس منصور.. هل قال كل ما يريده ؟
13 عامًا مرت على وفاة الكاتب أنيس منصور، الذي رحل عن عالمنا في 21 أكتوبر 2011 عن عمر ناهز 87 عامًا، تاركًا إرثًا كبيرًا، فقد كتب بقلمه أشكالاً عديدة منها المقال والتراجم والمسرحيات وأدب الرحلات، إذ يجد نفسه في كل ما له علاقة بالإنسان سواء نفسيًا أو اجتماعيًا أو فلسفيًا يجذب انتباهه ويحقق له متعة، لذلك يجد نفسه في الكتب التي تعد تراجم ذاتية لشخص.
في الفترة الأخيرة من حياة أنيس منصور، أصيب بالتهاب رئوى حاد وآلام في الظهر، تم على إثرها نقله إلى غرفة العناية المركزة، نظرًا لتدهور حالته الصحية، وحتى آخر لحظة في حياته عاش محبًا للآداب والفنون، وكتب ما يقرب من 200 كتاب تشكل في مجموعها مكتبة كاملة متكاملة من المعارف والعلوم والفنون والآداب والسياسة والصحافة والفلسفة والاجتماع والتاريخ والسياسة والمرأة، وكتب في مجلات متنوعة، عكست نظرته ورؤيته للكون والإنسان والحياة وساهمت في تشكيل وجدان وثقافة أجيال عديدة من الشباب في العالم العربي كله.
آخر 200 يوم مع أنيس منصور
وبحسب كتاب "آخر 200 يوم مع أنيس منصور" لمؤلفه الدكتور مجدي العفيفي، ذكر: أنيس منصور لم يكن يريد الاعتراف بالشيخوخة التي من أعراضها ضعف الذاكرة أو فقدان الذاكرة، وكل واحد ينسى بصورة ما، فبعض الناس ينسون الأسماء وبعض الناس ينسون أسماء المدن فقط أو أسماء الناس أو الأرقام والتواريخ، إلا أنيس منصور، وأنا على ذلكم من الشاهدين.
ويضيف مؤلف الكتاب: كان أنيس منصور يتساءل في دهشة، ويشاركني اقتسام السؤال، والسؤال نصف الجواب: لماذا تركني الله - تعالى - إلى هذه السن؟
ولماذا وحدي؟
لماذا ناداهم كهم إلا.. أنا؟
وكنت أقول: إن رسالتك لم تكتمل، ربما.
وكان يزم شفتيه ويرفع حاجب الدهشة، ولا يخفضه إلا قليلا، فكنت أذكره: ألم تقل "عندي إحساس دائم بأن الذي كتبته من الممكن أن يكون أفضل وأطول، فالمعاني مثل ينبوع واحد، أو نهر واحد، تتفرع منه عشرات القنوات، والفنان مثل البلبل: له أنشودة واحدة، ولما تعمقت في دراسة الفلسفة الوجودية وجدتها تتحدث عن الإنسان نفسه، فتصفه بأنه "مشروع" أي بأنه فكرة تنمو وتكبر يوما بعد يوم، أنت تساوي بالضبط ما تكتبه، أنت تساوي عملك، ولما كنت أنت ناقصا فعملك كذلك، وما دمت حيا فالكلمة الأخيرة لم تقلها بعد، فكل شيء "ليس بعد" أي لم يكمل بعد.
أعجبني هؤلاء
سألت أنيس منصور في شهوره الأخيرة وكنت أراجع معه فصول كتابه الأخير الذي كان يتهيأ للنور "أعجبني هؤلاء": هل قلت كل ما تريده؟
أجاب: عندي إحساس دائم بأنني لم أقل بالضبط ما أريد، ولكنني أحاول ثم أكرر المحاولة وتتكرر المعاني؛ ولذلك أستخدم في التوضيح كأنما ولعل، أي كأن المعنى كذا وكذا، وأشعر بأنني لم أقل بما فيه الكفاية، فأعود وأنا أعود إلى الكثير من المعاني، فبعض فصول كتبي قد تحولت بعد ذلك إلى كتب، أي أنني أوجزت المعنى في صفحات قليلة ثم عدت إليها بمعلومات ورؤى أكثر وأعمق، بل لاحظت أيضا أنني لا أجد حرجا في تكرار عناوين كتبي، وقد يبدو ذلك غريبا عند القارئ، ولكن لا أجد ذلك إلا دليلا واضحا على أن المعاني لا تزال في مكانها من عقلي تحتاج إلى أن أعود إليها، فعندي إحساس بأنني سوف أعود مرة أخرى، وأنني لم أصل إلى النهاية أي طريق، وأنني دائما في مفترق الطرق، وكل خطوة هي عندي مفترق الطريق، وأنني أخذت الاتجاه إلى الأمام، أو أنظر إلى الخلف، أقاوم الملل، أقاوم التدفق، أي التيار المندفع من داخلي، لا أعرف كيف أوقفه أو أتوقف.