رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيت لاهيا.. بين القصف والمقاومة حكاية مدينة تواجه الإبادة

صورة لمجزرة بيت لاهيا
صورة لمجزرة بيت لاهيا للمراسل أنس الشريف

على بعد بضعة كيلومترات من مدينة غزة، تقع "بيت لاهيا"، البلدة التي تعاقبت عليها الحضارات عبر القرون، وتشهد اليوم واحدة من أفظع المآسي في تاريخها الطويل، فبعد اغتيال يحيى السنوار، القيادي البارز في حركة حماس، تجد "بيت لاهيا" نفسها مجددًا في مرمى النيران، لكن هذه المرة، لم تعد الحرب مقتصرة على استهداف الأهداف العسكرية، بل امتدت لتطال البيوت، المدارس، والمستشفيات، ومع كل ضربة جوية، يتساقط الأبرياء، وتزداد معاناة السكان.

 معركة الإبادة الجماعية في "بيت لاهيا"

في الساعات الأولى من يوم الأحد، استيقظ سكان بيت لاهيا على أصوات القصف الإسرائيلي العنيف، حيث استهدف حيًّا سكنيًا مكتظًا بالسكان في مشروع بيت لاهيا، ليخلف وراءه أكثر من 87 شهيدًا ومفقودًا تحت الأنقاض، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، لم تكن هذه المجزرة الأولى التي يرتكبها الاحتلال في شمال غزة، فقد سبقتها مجازر أخرى في مخيم جباليا وبيت حانون، التي أدت إلى استشهاد العشرات من المدنيين.

ثأرًا "لمجزرة بيت لاهيا".. حماس تدعو لحصار سفارات إسرائيل
مجزرة بيت لاهيا - أرشيفية

وأعلنت وزارة الصحة في بيان صحفي: "مجزرة الاحتلال الإسرائيلي بحق المواطنين في مشروع بيت لاهيا بمحافظة شمال غزة منذ ليلة أمس وفجر اليوم، راح ضحيتها 87 شهيدًا ومفقودًا، وأكثر من 40 مصابًا بينهم حالات حرجة جدًا"، وذلك في الوقت الذي تُغلق فيه المنافذ أمام الإمدادات الإنسانية من طعام ودواء، فتعيش "بيت لاهيا" تحت حصار قاسٍ، حيث تمنع قوات الاحتلال وصول فرق الإغاثة إلى المناطق المنكوبة.

"بيت لاهيا" صاحبة الامتداد التاريخي

لم تكن "بيت لاهيا" مجرد بلدة صغيرة في شمال غزة، بل هي شاهد على تعاقب الحضارات التي مرت على هذه الأرض، فهي موجودة منذ العصور الرومانية والبيزنطية، فكانت مركزًا تجاريًا مهمًا بفضل موقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط، وعبر القرون، شهدت هذه البلدة ازدهارًا في مجالات الزراعة وصناعة التماثيل، وبحسب خبراء في التاريخ، فإن اسمها يعود إلى كلمة "اللهو"، حيث كانت البلدة قديمًا معروفة بتقديمها الفرح والحياة.

واليوم، أصبحت رمزًا للمقاومة والصمود في وجه واحدة من أعنف الهجمات الإسرائيلية في تاريخ غزة، فسكانها الذين يعتمدون على زراعة التفاح والتين والمشمش، لم يعودوا يفكرون في جني المحاصيل، بل في كيفية النجاة من القصف المتواصل.

بيت لاهيا - ويكيبيديا
بيت لاهيا - أرشيفية

أبو صفية: الجيش الإسرائيلي منع طواقم الإسعاف من الوصول للجرحى

ورغم هذه المآسي، يحاول أهالي بيت لاهيا الصمود، فتحولت المستشفيات إلى ملاذ للجرحى، لكن سرعان ما تحولت هي الأخرى إلى أهداف للقصف، فمستشفى اليمن السعيد في شمال غزة تعرض لأضرار كبيرة جراء القصف الإسرائيلي، بينما تستمر مستشفى الأندونيسي وكمال عدوان بتقديم الحد الأدنى من الخدمات الطبية وسط نقص حاد في الإمدادات، ورغم القصف المتواصل، لم يغادر الطواقم الطبية مواقعها، ولا تزال تقدم العون للمصابين.

وعن ذلك، أعلن الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، في بيان، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف المستشفى، مستهدفًا خزانات المياه وشبكة الكهرباء، وأطلق النار بشكل عنيف تجاه مبانيه، مضيفًا أن عشرات المفقودين والجرحى فقدوا حياتهم بعد أن منع الجيش الإسرائيلي طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم، مما تركهم لساعات دون إنقاذ.

مدير مستشفى كمال عدوان شمال غزة: نضطر للمفاضلة بين الجرحى
د. حسام أبو صفية

وقال شهود عيان إن الجيش الإسرائيلي يمنع دخول الطعام والماء إلى المنطقة، ما يعمق من معاناة السكان، حيث قطعوا المنفذ الوحيد للمساعدات الإنسانية، وهو ما يراه البعض محاولة متعمدة لتهجير أهالي الشمال، والهدف – بحسب خبراء- هو تفريغ المنطقة وإنشاء منطقة عازلة تخدم المخططات الإسرائيلية.

إسماعيل الثوابتة: شمال القطاع يتعرض لإبادة متعمّدة

أكد هذه الشهادات إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقال إن شمال قطاع غزة يتعرض لحرب إبادة واستئصال من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في مخيم جباليا، موضحًا أن الاحتلال ارتكب مجازر عديدة على مدار 16 يومًا، كان آخرها في مشروع بيت لاهيا، حيث أسفر قصف مربع سكني عن استشهاد 73 شخصًا وعشرات المصابين. 

وأشار "الثوابتة"، في بيان صحفي، إلى تدمير المنظومة الصحية، حيث تعرضت مستشفيات الشمال للقصف المتكرر، ما أدى إلى وضع صحي كارثي، مطالبًا المجتمع الدولي بالتدخل لوقف المجازر وتهجير المدنيين.

الثوابتة لـ الترا فلسطين: الاحتلال يسعى للفوضى الشاملة بغزة بقتله عناصر الشرطة
إسماعيل الثوابتة

إدانة دولية وعربية

وفي ظل هذا التصعيد، وجهت الأمم المتحدة نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي للتدخل لوقف الإبادة الجماعية في شمال غزة، حيث عبّر فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، عن قلقه العميق إزاء الوضع المتفاقم في القطاع، مؤكدًا أن الوضع في مخيم جباليا وبيت لاهيا هو "أسوأ ما يمكن تصوره"، لكن رغم هذه النداءات، لا تزال المدينة تحت القصف، والأنقاض تخفي تحتها العديد من القصص المأساوية.

وعربيًا، أعربت مصر عن استنكارها لاستمرار إسرائيل في استهداف المدنيين والمرافق الحيوية كالمدارس والمستشفيات، مؤكدة أن هذه الأعمال لا تبررها أي دوافع عسكرية أو أخلاقية.

شددت الخارجية، في بيان لها، على ضرورة تفعيل أدوات المحاسبة الدولية، ودعت مجلس الأمن للتدخل الفوري لوقف العدوان الإسرائيلي وإنهاء معاناة المدنيين في غزة.

بيان الخارجية المصرية
بيان الخارجية المصرية

واعتبرت منظمة التعاون الإسلامي، في بيان رسمي لها، أن المجزرة تمثل استمرارًا لآلاف الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، في انتهاك صارخ للقيم الدولية وقرارات الأمم المتحدة. 

وأشارت إلى أن تصاعد جرائم الحرب والتجويع واستهداف النازحين يشكل وصمة عار في جبين الإنسانية، مطالبةً المجتمع الدولي بمساءلة الاحتلال عن تلك الجرائم، مجددة دعوتها لمجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته، وفرض وقف إطلاق نار شامل، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

منظمة التعاون الإسلامي تعقد اجتماعًا استثنائيًا لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء

أحمد الكحلوت: نعيش في حصار منذ 16 يومًا

وتحدث العقيد أحمد الكحلوت، مدير الدفاع المدني في شمال قطاع غزة، عن أن الحصار المشدد على أهالي مخيم جباليا دفع العائلات إلى النزوح نحو منطقة مشروع بيت لاهيا، حيث تعاني من انعدام المأوى، مما أجبرها على الاحتماء في منازل مدمرة أو تحت أسقف مهددة بالانهيار. 

وأضاف "الكحلوت"، في حديثه، أن هذه المنازل قد تنهار في أي لحظة بسبب الانفجارات المستمرة في المنطقة، معربًا عن قلقه بشأن حياة المواطنين الذين يعيشون في ظل حصار خانق مستمر منذ 16 يومًا.

العقيد احمد الكحلوت المصدر: المكتب الاعلامي لجهاز الدفاع المدني بغزة
العقيد أحمد الكحلوت