مصر والسعودية.. تاريخ من العلاقات المتينة ومستقبل مشرق للقاهرة والرياض
تأتي زيارة ولى العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مصر، اليوم، كخطوة مهمة في مسار تعزيز العلاقات بين القوتين الإقليميتين في المنطقة، وفى سياق حالة الاضطراب الإقليمي التي تشهدها المنطقة، بما يُسهم في التنسيق المشترك بين القاهرة والرياض تجاه قضايا الأمن الإقليمي.
"الدستور" يستعرض في السطور التالية، لمحة عن طبيعة العلاقات التاريخية بين الدولتين والقضايا المطروحة على أجندة الزيارة.
علاقات ممتدة
تعود جذور العلاقات المصرية - السعودية إلى نشأة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في 7 مايو 1936؛ حيث تم إبرام معاهدة الصداقة وحسن الجوار بين الدولتين، وتم تبادل الزيارات بينهما فكانت أول زيارة للملك فاروق إلى السعودية في 25 يناير 1945، وزيارة الملك عبدالعزيز بن سعود لمصر في 9 يناير 1946.
وأرسلت السعودية بعثات تعليمية إلى مصر حيث تكونت أول بعثة تعليمية من 20 شابا لإكمال دراستهم في مصر عام 1927 وكذلك بعثة عسكرية أرسلت في عام 1929 للتدريب على الطيران.
وساندت الدولتان تاريخيا بعضهما البعض، فقد وقفت السعودية مع مصر في المعركة ضد حلف بغداد 1955، كما أيدت قرار الرئيس جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956، وقدمت لمصر 100 مليون دولار في 27 أغسطس 1956 بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956 أعلنت السعودية تعبئة قواتها واستعدادها للقتال بجانب مصر، واتسمت العلاقات في تلك الفترة بالدعم والمساندة المتبادلة بين الدولتين والتعاون وتبادل الخبرات.
عقب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية "مصر وسوريا والأردن" في 1967 عقدت قمة عربية في الخرطوم في أغسطس 1967، واقترح تقديم دعم قدره 150 مليون جنيه إسترليني لدول المواجهة، وقررت السعودية تقديم 50 مليون جنيه إسترليني منها.
خلال حرب أكتوبر 1973 وفي إطار التنسيق العربي، توجه الملك فيصل بن عبدالعزيز بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب مصر وسوريا وتخصيص مبالغ مالية لتمكينهما من الصمود، وساهمت السعودية في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل حرب 1973، وبادرت المملكة بفكرة استخدام سلاح النفط ضد الدول المتحالفة مع إسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمر الذي كان من شأنه التأثير على اقتصادات هذه الدول؛ نظرًا لاعتمادها بشكل أساسي على الصادرات النفطية العربية آنذاك.
واتسمت العلاقات المصرية - السعودية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك بالتوازن والاستقرار. وعقب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 عبر الملك عبدالله عن دعمه للرئيس مبارك واستعداد المملكة لتقديم مساعدات مالية للاقتصاد المصري.
وتتعاون الدولتان اقتصاديًا في عدة مجالات وبعد ثورة يونيو 2013، قدمت السعودية لمصر 5 مليارات دولار منها مليار دولار نقدا و2 مليار إمدادات للطاقة و2 مليار ودائع في البنك المركزي.
وازداد التعاون المصري السعودي ومساندة السعودية لمصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث دعا الملك عبدالله بن عبدالعزيز لعقد مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، الذي أقيم بشرم الشيخ في الفترة 13-15 مارس 2015 وأعلنت السعودية فيه عن تقديم حزمة مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار لمصر تشمل استثمارات، ومليار دولار منها وديعة بالبنك المركزي المصري.
وتم الاتفاق على إنشاء مجلس التنسيق السعودي - المصري في 11 نوفمبر 2015 لتنفيذ ما ورد في إعلان القاهرة، ثم تمت الزيارة الأبرز للملك سلمان إلى مصر في 8 أبريل 2016 التي شهدت عدة لقاءات للعاهل السعودي؛ حيث التقى برأس الكنيسة الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني، وشيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب.
وألقى الملك سلمان كلمة في مجلس النواب المصري، ثم زار جامعة القاهرة، التي منحته الدكتوراة الفخرية؛ نظرًا لمساهمته في تطوير مستشفيات الجامعة، وتحقق من هذه الزيارة على المستوى الاقتصادي توقيع 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم تتعلق مشروعات الإسكان في سيناء والطاقة النووية، وتجنب الازدواج الضريبي بين المسئولين السعوديين والمصريين بلغت قيمتها 25 مليار دولار.
وأبرز هذه الاتفاقيات إنشاء صندوق مصري سعودي للاستثمار بـ60 مليار ريال. وتسهم كل من مصر والسعودية بحصة متساوية في الصندوق.
تبادلت مصر والسعودية الزيارات وقد زار الرئيس السيسي المملكة في 18 مايو 2023 للمشاركة في الدورة الـ٣٢ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، والتي عقدت بمدينة جدة، وكانت آخر زيارة لولى العهد إلى القاهرة في عام 2022.
قضايا على أجندة الزيارة
تستند قوة العلاقات بين مصر والسعودية إلى الروابط المشتركة في الدين والثقافة واللغة، كما تشترك الدولتان في بعض مصادر التهديد وتجمعهما مصالح مشتركة فيما يتعلق بالأمن في البحر الأحمر لارتباطه بعدد من الممرات والمسطحات المائية الهامة بما يفرض مساحة للتعاون بين الدولتين في مواجهة التهديدات التي تتعلق بحركة الملاحة في البحر الأحمر. فضلا عن مواجهة التهديدات في لبنان وغزة واليمن وسوريا والعراق، وحماية الأمن في منطقة الخليج في ضوء تأكيد القيادة المصرية دائما على أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
وتشترك الدولتان في رؤي تنموية وفى توجهات إقليمية فيما يتعلق بمشروعات الإسلام السياسي ومخاطر انهيار الدولة الوطنية، وتجديد الخطاب الديني.
ومن القضايا المطروحة على أجندة الزيارة التعاون الاقتصادي بين الدولتين، واحتمالية زيادة الاستثمارات السعودية في مصر بعد زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى الرياض في 16 سبتمبر الماضي ولقائه بعدد من المستثمرين السعوديين، وتوجه الدولة المصرية لتهيئة مناخ جاذب للاستثمار من حيث تعديلات قانون الاستثمار، بالإضافة إلى تقديم حوافز، وإعفاءات جديدة لتشجيع الاستثمار في كافة القطاعات.
وتسعى الرياض إلى إبرام صفقة رأس جميلة مع مصر والتي تشمل مشروعات تنموية في منطقة رأس جميلة بالقرب من شرم الشيخ، بما يُسهم في تطوير البنية التحتية المصرية، وتعزيز قطاع السياحة في ظل الاهتمام السعودي بتوسيع نطاق الاستثمار واحتمالية ضخ استثمار بقيمة 5 مليارات دولار في مصر.