الكاتب الفرنسى رولان لومباردى: العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين لا يهتمون بالسلام لأن الحرب هى شأنهم السياسى والانتخابى والمالى
قال رولان لومباردى، الكاتب والصحفى الفرنسى المتخصص فى شئون الشرق الأوسط، مدير النشر فى موقع «ديبلومات ميديا»، إن الشرق الأوسط يحيا الآن فى حالة «حرب فاترة»، لأنه ليس من مصلحة أحد أن تتوسع الصراعات إلى «حرب هائلة»، محذرًا من أن مصالح القوى الإقليمية والدولية المتعارضة يمكن أن تؤدى إلى مزيد من التصعيد، خاصة إذا سيطرت القرارات غير العقلانية.
وأكد صاحب كتاب «السيسى بونابرت مصر»، لـ«الدستور»، أن القاهرة تلعب دور الوسيط الأساسى والرائد للتهدئة فى حرب غزة، حرصًا على استقرار المنطقة كلها، خاصة أن قطاع غزة يمكن أن يتحول إلى «هونج كونج البحر المتوسط»، إذا تم تحقيق السلام، مشيرًا إلى أن المرشح الأمريكى دونالد ترامب قد يكون الأفضل للمنطقة، حال فوزه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنه يملك حلولًا أكثر واقعية للأزمات، وإن كانت الدولة الأمريكية العميقة ستبذل كل ما فى وسعها حتى يخسر السباق الانتخابى.
■ بداية.. إلى أين يتجه الشرق الأوسط الآن، التصعيد أم الهدوء؟
- فى الوقت الراهن، يتسم الوضع فى الشرق الأوسط، وبشكل أكثر تحديدًا فى قطاع غزة، بالتصعيد وليس بالبحث عن الاستقرار، ولا تترك الصراعات الإقليمية، التى تفاقمت بسبب المنافسات بين القوى العظمى، مجالًا كبيرًا للتوصل إلى حلول دائمة. وطالما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية- الإقليمية والاقتصادية والسياسية والأيديولوجية- بشكل جدى، فإن دائرة العنف معرضة للاستمرار.
ومع ذلك، ما زلت لا أؤمن بحدوث حرب هائلة، لأنه عقلانيًا لا أحد لديه مصلحة فى ذلك، لا إسرائيل ولا إيران! لكن، للأسف، لم يتم التوصل لأى اتفاقات مكتوبة، ويمكننا دائمًا أن نتوقع الأسوأ، خاصة إذا سيطرت فى النهاية القرارات السياسية غير العقلانية للمعسكرات المتعارضة، ويمكن القول إننا فى «حرب فاترة».
■ لماذا فى رأيك لم يتم التوصل إلى هدنة إنسانية ووقف لإطلاق النار فى حرب غزة رغم مرور أكثر من عام على إشعالها؟
- المصالح الاستراتيجية، سواء الإسرائيلية أو تلك الخاصة ببعض القوى الإقليمية، تقف فى طريق التوصل إلى هدنة سريعة. فمن المرجح أن ترغب إسرائيل فى استكمال أهدافها العسكرية، بينما تسعى الجهات الفاعلة الأخرى إلى استغلال حالة عدم الاستقرار هذه لتعزيز مواقعها الجيوسياسية.
وعلى نحو مماثل، إذا أطلقت «حماس» سراح آخر المحتجزين الإسرائيليين، فإن الحرب سوف تنتهى على الفور، أو على الأقل سيتم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ولم يعد لدى إسرائيل أى سبب لمواصلة ضرباتها. فلماذا لا تفعل «حماس» ذلك؟، فهى تملك مفاتيح وقف القتال، لتقوم فى النهاية بحماية سكان القطاع بدلًا من التضحية بهم.
■ كيف تنظرون إلى الدور المصرى للوساطة فى التوصل إلى هدنة فى غزة وإيصال المساعدات الإنسانية؟
- لا تزال مصر، بموقعها الاستراتيجى، تلعب دور الوسيط الأساسى والرائد وتسعى إلى الحفاظ على الاستقرار على حدودها، مع الاستجابة للضغوطات الدولية للحصول على المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، فهى تظل حذرة، وتتجنب التورط فيما يتجاوز مصالحها الوطنية المتعلقة بالأمن والاستقرار الإقليمى.
■ ما رأيك فى هجوم القوات الإسرائيلية، مؤخرًا، على مقرات الأمم المتحدة والإغاثة فى غزة؟
- تكشف الضربات ضد البنية التحتية للأمم المتحدة والبنية التحتية الإنسانية عن حدود الحماية الدولية، وتعقد تضاريس ساحة المعركة فى غزة، فإسرائيل، التى تسعى إلى القضاء على التهديدات بشكل دائم، تتخذ خطوات مثيرة للجدل تؤدى بدورها إلى إضعاف صورتها على الساحة الدولية، ولكن لكى أكون صادقًا، فإننى أعتقد أن الضرر كان جانبيًا أكثر من كونه متعمدًا من الجانب الإسرائيلى.
■ فى رأيك.. ما الحل الأمثل لتحقيق السلام فى فلسطين؟
- إن السلام المستدام فى فلسطين يتطلب توجهًا واقعيًا وتسوية بشأن المطالب الإقليمية والرمزية لكلا المعسكرين، ويظل «حل الدولتين» مثاليًا، لكنه يتطلب تنازلات صعبة، وقبل كل شىء، تدخلًا ثوريًا ومحايدًا وواقعيًا من الولايات المتحدة فى المقام الأول لضمان تطبيقه، مثلما فعل الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى عصره بالاعتماد على الضغوط المالية، فهى الوحيدة القادرة على جمع الجميع حول الطاولة.
أما فى الوقت الحالى، فلم يعد الإسرائيليون، خاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بسبب جناحه اليمينى الأكثر تطرفًا فى ائتلافه الحكومى، يرغبون فى السماع عن «حل الدولتين»، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى، مثله مثل جنرالات الجيش الإسرائيلى، ليسوا أغبياء على الإطلاق، ويعرفون جيدًا أن هذا هو الحل الوحيد الممكن للسلام، وهو ما يصب فى مصلحة إسرائيل ذاتها.
وإذا ما تم القضاء على القوى التابعة لـ«حماس» و«حزب الله»، أو على الأقل إضعافها إلى حد كبير، وتجددت السلطة الفلسطينية برجال صادقين ومحترمين تجاه الفلسطينيين، فإن كل شىء سيظل ممكنًا.
والمشكلة فى هذه المنطقة هى أن العديد من الناس فى كلا المعسكرين، الإسرائيلى والفلسطينى، لا يهتمون بالسلام، فالحرب هى شأنهم السياسى والانتخابى والمالى!، وفى ظل غياب الإرادة السياسية المحلية والدولية، فإن ذلك الأفق للحل يظل بعيدًا.
■ فيما يتعلق بلبنان، هل تعتقد أن الأمور تتجه نحو التصعيد أم أن هناك محاولات جادة للتهدئة؟
- الوضع فى لبنان لا يزال متوترًا للغاية، والتصعيد وارد دائمًا، لأن الفصائل الداخلية، جنبًا إلى جنب مع مصالح إيران وإسرائيل، تجعل من عملية التهدئة أمرًا صعبًا. ومع ذلك، لا يبدو أن «حزب الله» أو إسرائيل حريصان على فتح جبهة جديدة ضخمة، بسبب التكاليف المرتفعة للصراع المباشر، والعديد من اللبنانيين بدأوا يقولون ذلك.
■ اغتالت إسرائيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله، فلماذا لم توقف ضرباتها على لبنان؟
- لأن إسرائيل تسعى إلى إضعاف «حزب الله»، من خلال قطع رءوس جميع قادته، ومن خلال الاستفادة من نافذة الفرص الهائلة، تستطيع إسرائيل بعد ذلك تكثيف ضرباتها لتقليل التهديدات التى تثقل كاهلها، على الأقل عسكريًا، قدر الإمكان.
■ هل من المتوقع أن ترد إسرائيل على الضربات الإيرانية الأخيرة، وكيف؟
- ترد إسرائيل بشكل عام بضربات دقيقة للحد من القدرات الإيرانية فى سوريا والعراق. لكن الإسرائيليين سبق أن ضربوا إيران، عندما قضوا على إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس»، فى طهران، لذا لا يزال بإمكانهم ضرب الأراضى الإيرانية.
ومع ذلك، لا أؤمن برد قوى للغاية على الدولة الإيرانية، لأنه من شأنه أن يخاطر بإثارة صراع مفتوح، وهو ما تفضل إسرائيل، مثل حلفائها، تجنبه فى الوقت الحالى، مع التركيز بدلًا من ذلك على إجراءات التحييد الوقائية.
وأعتقد، أيضًا، أن الإسرائيليين يحتفظون بخيار القضاء على المرشد الإيرانى على خامنئى، أو استهداف المواقع النووية أو النفطية، «وهم قادرون تقنيًا على القيام بذلك»، باعتباره الملاذ الأخير، أى على سبيل المثال، إذا أدى الرد المباشر من إيران إلى سقوط ضحايا مدنيين على أراضيهم.
وربما يكون الرد الإسرائيلى، على سبيل المثال، هو تصفية أحد أعضاء النظام المسئولين عن القمع ضد الشباب، وهو ما سيسعدهم كثيرًا وسيكون رمزًا قويًا جدًا. وفى هذه الأثناء، سيصبح «ملالى طهران» فى غاية الضعف ويواجهون السخرية. وأعتقد أن إسرائيل تفضل أن ينهار هذا النظام، الذى تكرهه غالبية سكانها، من الداخل.
■ فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.. مَن الأفضل للشرق الأوسط والمنطقة العربية، كمالا هاريس أم دونالد ترامب؟
- أعتقد أنه ترامب، لأنه أثبت ذلك خلال فترة ولايته، حيث لم تندلع حرب فى المنطقة، وهى المرة الأولى للرؤساء الأمريكيين منذ ٤٠ عامًا!، وقبل كل شىء، هناك «اتفاقيات إبراهيم»، التى لولاه لم تكن لترى النور.
وترامب يمثل نهجًا عمليًا، وغالبًا ما ينحاز إلى إسرائيل وبعض دول الخليج. فهو يريد مواصلة فك الارتباط الأمريكى عن هذه المنطقة، الذى بدأ فى عهد سلفه باراك أوباما، وأكده خلال ولايته من أجل ترك الشرق الأوسط سلميًا و«مُدارًا» من قبل الدول الحليفة والعملاء للولايات المتحدة، حتى تتمكن الأخيرة من التوجه نحو آسيا ومواجهة صعود الصين والخطر الجيوسياسى الحقيقى على أمريكا، وعلى هيمنتها العالمية.
فى حين أن إدارة هاريس يمكن أن تفضل نهجًا لا يزال أيديولوجيًا ومنفصلًا عن الواقع. وقد رأينا النتيجة الكارثية خلال الـ٤ سنوات الماضية مع إدارة الرئيس الحالى جو بايدن!
وباختصار، بالنسبة للدول التى تسعى إلى الاستقرار الإقليمى، قد تبدو براجماتية ترامب أكثر ملاءمة.
■ هل ستؤثر الحرب فى غزة على أصوات العرب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
- يؤثر الوضع فى غزة على مشاعر الناخبين العرب فى الولايات المتحدة، الذين قد يتجهون نحو مرشح أكثر دعمًا لمبادرات السلام فى الشرق الأوسط. ومع ذلك، هناك عوامل داخلية واقتصادية أخرى يمكن أن تؤثر بشكل كبير على اختيارهم الانتخابى.
■ مَن المرجح أن يفوز فى السباق الانتخابى، هاريس أم ترامب، ولماذا؟
- «الدولة العميقة» والمؤسسة الأمريكية ستبذل كل ما فى وسعها لجعل ترامب يخسر. لأنه خطير جدًا على «النظام»، فهو يعتمد على «أمريكا الحقيقية» والشعب، ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيكون كافيًا.
كيف ترون مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب؟
- تواجه غزة مستقبلًا مظلمًا، يتسم بإعادة الإعمار وزيادة عدم الاستقرار، وبدون تغيير استراتيجى فى نهج الجهات الفاعلة الإقليمية، فإن غزة تخاطر بالبقاء كمنطقة توتر دائم، وتوفير أرض خصبة للتطرف، ودورة متواصلة من الأزمات الإنسانية. ومع ذلك، إذا تم تحرير غزة بشكل نهائى من تأثير الإسلام السياسى و«إرهاب حماس» وعودة السلطة الفلسطينية المتجددة إلى المنطقة، فمن الممكن التوصل إلى اتفاقيات لإحلال السلام لصالح كلا المعسكرين، بل يمكن أن تصبح غزة هونج كونج البحر المتوسط. وقد كانت هذه هى خطة الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، وهى لم تكن غير واقعية كما يصورها البعض، ومع أخذ ذلك فى الاعتبار، فمن المرجح أن تساعد مصر ودول الخليج هذه المنطقة فى إعادة بناء نفسها سياسيًا واقتصاديًا، وهذا أمر مؤكد.