رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلم الخلود

حلم الخلود
حلم الخلود

إلى من حلم بالخلود وحققه وهو لا يعلم، إلى من تتشابه أرواحنا رغم ابتعاد

القرون.

«سمعت صوتًا هاتفًا فى السحر 

نادى من الغيب غفاة البشر

هبوا املأوا كأس المنى 

قبل أن يملأ كأس العمر كف القدر».

عمر الخيام

سمعت ذلك الصوت لا أعلم من أين أتى سمعته فى أذنى، هل من داخل نفسى

أم خارجها؟ لا أدرى لكنه ربما أتى من بعيد من مكان غير معلوم لا يهم من

أين أتى ما يهم ما أخبرنى به، لقد قال كلمة واحدة فقط تتردد فى أذنى منذ أن

دخلتها، «الخلود»، فقط دون كلمات أخرى يبدو أنها التصقت بروحى قبل أن

تلتصق بأذنى لم أعلم مقصدها لكننى صرت أتبعها.

استيقظ ليجد نفسه بجوار البحر، منذ متى أصبح سريره مجاورًا للبحر؟ 

ربما أصبحت رمال الشاطئ هى سريره، أيقظه هواء البحر، رد فى جسده

الروح اتجه ناحيته أكثر وأكثر ذلك البحر الواسع الذى يتسع لكل شىء 

ربما لذلك يأتى له ويحدثه، ويشكو مما يضيق صدره يظن أن البحر 

سيبتلع تلك المشاكل مثلما يبتلع أشياء كثيرة أخرى، فى بعض الأوقات

كان يتمنى لو ابتلعه هو الآخر بكل ما فى داخله ليصبح جزءًا أصيلًا

من البحر متحدًا معه بلا عوائق أو خوف، يسأله أسئلته التى لا يجد لها

إجابة ولن يجد لها إجابة، هل يظن أن البحر سيجيبه؟ لا يدرى، ولكن

أكثر ما سأله للبحر من أنا؟ ولماذا أنا؟ وأين هو؟ 

فجأة سمع صوتًا بجواره، تلفت ليجد شخصًا يجلس أمام البحر كيف لم يره؟

هل ظهر من العدم؟ لا يعلم يبدو أنه هو أيضًا لا يراه سمعه وهو يتحدث 

ربما يشكو همه للبحر مثلى، هكذا قال حاول الاقتراب أكثر لكى يميز 

ما يقوله ذلك الرجل للبحر سمعه يقول: 

«بينى وبين نفسى حرب سجال 

وأنت يا رب شديد المحال

أنتظر العفو ولكننى خجلان

من علمك سوء الفعال». 

لم يصدق ما سمعته أذناه، هل من الممكن أن يكون هو؟! وفى هول 

التفكير التفت له فجأة ليقول له: «الخلود»، وبعدها خرج شىء منه 

طيفًا طار من جسده ليستقر فى جسدى مقتحم إياه، وفجأة اختفى

مرددًا الرباعية واختفى البحر واختفى السرير، واختفيت أنا أيضًا

خرج منى طيف أنا الآخر وطار إلى السماء. 

استيقظت من نومى أشعر بشىء مختلف لست أنا الذى نمت فى الليل،

بل أنا شخص آخر هنالك أمر ما فى عقلى وفى قلبى لا أشعر بأنهما 

لى، من أكون؟ منذ متى وأنا أعلم لأعلم الآن؟ نهضت من سريرى

وجدت فى كعبى أثر رمال، وظللت أسمع كلمة واحدة فقط كأن كل

الأصوات تحولت لشىء واحد ربما أصبحت اللغة كلمة واحدة «الخلود»

تقدمت باتجاه مرآتى المتكسرة لأنظر لوجهى لأجده ليس هو فقدت

وجهى الذى أعرفه وصار ما آراه فى المرآة الآن هو وجه ذلك الرجل

الذى يكلم البحر، عدت لسريرى الذى يغطيه الندى جلست عليه نفس

جلسة الرجل عند البحر، وروحت أردد: 

وكأنى آرى روحى هائمة بين الجنة والنار

مكبلة بالأفكار

تهوى الطيران

وتخشى عذاب الأقدار. 

ضحكت أو ربما هو الذى ضحك، لا أعلم، نهضت من مكانى مُقررًا الكتابة

عن أحد الخالدين الذى لا يعلم أنه أصبح كذلك، ومقررًا أيضًا الكتابة عنى

وعن الحلم الأكبر حلم الخلود، وسمعت نفس الصوت يقول «عبدالخلود».