عملية بئر السبع.. هل تمهد "الرسالة الواضحة" إلى انتفاضة جديدة؟
وسط التوترات المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نفّذ فدائي فلسطيني عملية مزدوجة استهدفت جنودًا إسرائيليين في مدينة بئر السبع، ما أدى إلى مقتل مجندة إسرائيلية وإصابة أكثر من عشرة آخرين، وتأتي هذه العملية في خضم سلسلة من الهجمات التي زادت من تفاقم الأوضاع في الداخل المحتل بعد مرور عام على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في أكتوبر 2023.
ما حدث في "بئر السبع" هو فصل جديد في التصعيد المستمر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث أثارت هذه العملية الفردية موجةً من الرعب في الشارع الإسرائيلي وخلّفت تساؤلات حول احتمالية عودة الانتفاضة مجددًا، الهجوم جاء وسط أزمة سياسية وأمنية عميقة في إسرائيل، وفي وقت يعاني فيه الاقتصاد الإسرائيلي من أضرار جسيمة بسبب الحرب المتواصلة في قطاع غزة.
عملية مُخطط لها.. المهاجم "إسرائيلي" ويرتدي سترة واقية من الرصاص
وقعت العملية في محطة الحافلات المركزية في بئر السبع، حيث أعلن المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية أن منفذ العملية استولى على سلاح أحد الجنود بعد طعنه، ثم أطلق النار على المارة في المنطقة المكتظة، كما أكد شهود العيان أن المهاجم كان يرتدي سترة واقية من الرصاص، ما يوحي بأنه كان مستعدًا لمواجهة طويلة مع القوات الإسرائيلية.
في البداية، تمكن الفدائي الفلسطيني من إصابة 13 شخصًا، بينهم جنود ومارة، قبل أن يقتل على يد قوات الاحتلال المتواجدة في المكان، وسارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية بنقل تفاصيل العملية لحظة بلحظة، فيما أشارت التحقيقات الأولية إلى أن منفذ العملية هو شاب فلسطيني من سكان النقب ويحمل الجنسية الإسرائيلية، وهذا الشاب، حسبما أفادت المصادر، قرر الانتقام للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة ضد الفلسطينيين في غزة والقدس والضفة الغربية.
سياسي فلسطيني: عملية بئر السبع رد فعل طبيعي على جرائم الاحتلال
تعليقًا على العملية، وصف الدكتور تيسير أبو جمعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فلسطين، أن عملية الطعن وإطلاق النار الأخيرة في بئر السبع بأنها "رد فعل طبيعي" على جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتصاعدة بحق الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة ولبنان.
قال أبو جمعة في حديثه مع "الدستور"، إن العملية التي أسفرت عن مقتل شرطية إسرائيلية وإصابة 13 آخرين، تعكس حالة اليأس والإحباط التي يعيشها الفلسطينيون في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، مضيفًا: "إن سيطرة منفذ العملية على سلاح المجندة، ثم إطلاق النار على المارة، يؤكد أن هذه العملية كانت مدبرة، وأن منفذها كان يهدف إلى إيصال رسالة واضحة للاحتلال".
أكد أن هذه العملية لن تؤدي إلى اندلاع انتفاضة شاملة، ولكنها ستزيد من حدة التوتر في المنطقة، وستدفع الفلسطينيين إلى التصعيد في مواجهة الاحتلال، وأن المسؤولية الكاملة عن هذه العملية تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية، التي تمارس سياسة القمع والعنف ضد الشعب الفلسطيني.
أوضح أن ما يحدث في غزة من دمار وقتل وتشريد، هو جريمة حرب تستوجب محاسبة مرتكبيها، مختتمًا: "إن الفلسطينيين لن يستسلموا، وسوف يواصلون نضالهم حتى تحقيق الحرية والاستقلال".
أستاذ علوم سياسية: عملية بئر السبع استمرار للمقاومة الفلسطينية
في المقابل، يرى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، أن عملية الطعن وإطلاق النار التي نفذها شاب فلسطيني من أراضي الـ48 في منطقة النقب، تعكس حالة الاحتقان المتصاعدة في الأراضي المحتلة، موضحًا أن هذه العملية تأتي في سياق تاريخ طويل من العمليات الفردية التي ينفذها شبان فلسطينيون من أراضي الـ48، مشيرًا إلى أن تكرار مثل هذه العمليات يعكس حالة اليأس والإحباط التي يعيشها هؤلاء الشبان.
أضاف الرقب في حديثه مع "الدستور"، أنه على الرغم أن هذه العمليات قد تؤدي إلى تصعيد الأوضاع في المنطقة بشكل مؤقت، إلا أنها لا تشكل تهديدًا حقيقيًا للاحتلال الإسرائيلي، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن الاحتلال نجح في السنوات الأخيرة في تقويض النسيج الاجتماعي الفلسطيني في الداخل، عبر نشر العنف والجريمة بين أفراده، ما أدى إلى تشتيت جهودهم وتقليل قدرتهم على التحرك بشكل موحد.
تابع: "الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، والتي أدت إلى حرب عنيفة، استنزفت طاقات الفلسطينيين، ما قلل من احتمالية اندلاع انتفاضة جديدة في الوقت الحالي"، مؤكدًا أن مثل هذه العمليات الفردية تبقى بمثابة رسالة تحذير للاحتلال، وتؤكد على استمرار المقاومة الفلسطينية بأشكالها المختلفة.
الناطق العسكري لـ"حماس": نبارك عملية بئر السبع
بينما تتوالى ردود الأفعال، أعلن أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، عن مباركة العملية، فقال، في بيان مصور: "نبارك عملية بئر السبع النوعية التي نفذها أحد أبطالنا من الداخل المحتل.. شباب الداخل قادرون على إيلام المحتل بطرق متعددة، ونحن على ثقة تامة في وطنيتهم".
بعد عام من الحرب.. 41 ألف شهيد و97 ألف جريح
على الجانب الآخر من الحدود، يستمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من عام، حيث أفادت بيانات منظمة الأمم المتحدة أن الحرب تسببت في استشهاد أكثر من 41 ألف فلسطيني، وإصابة ما يزيد عن 97 ألف آخرين، كما نزح نحو 90% من سكان القطاع بفعل القصف الإسرائيلي المستمر.
ومع استمرار العمليات الفردية في الداخل، وتصاعد الضغط على غزة، تزداد المخاوف من أن تجد إسرائيل نفسها في دوامة جديدة من العنف المتواصل، حيث تبدو أي محاولات للتسوية بعيدة المنال، فعملية بئر السبع قد لا تكون الأخيرة، لكنها تمثل جرس إنذار جديد لإسرائيل بأن استمرارية الاحتلال والقمع سيؤديان حتما إلى مزيد من العمليات والانتفاضات.