تداعيات طوفان الأقصى
لنتفق، أولًا، على أن المقاومة شىء والإرهاب شىء آخر تمامًا؛ فالمقاوم صاحب حق مراده استعادة حقه، ومن الطبيعى أن يحمى الأرض والنفس بالسلاح، وأن يستخدم كل الأساليب التى تحقق له هدفه المشروع، وأن يكون مدعومًا من القريبين والبعداء «أهله والعالم»، أما الإرهابى فشخص يروّع الآخرين بلا حق يذكر، غايته فرض رأيه أو فكرته بالقوة، والواجب أن يتحد الجميع لكسره وتشتيت طاقته.
فى السابع من أكتوبر من العام الفائت قام الفلسطينيون، فى إطار المقاومة لا الإرهاب، بعمليتهم التى سموها «طوفان الأقصى»، تلك التى باغتت الإسرائيليين تمامًا، وأربكت حساباتهم، وكشفت هشاشتهم الأمنية.
بناء على ذلك قام الإسرائيليون بالرد، الرد الذى كان يجب أن يكون مساويًا فى المقدار «تبعًا لنظرية الفعل ورد الفعل» إلا أنهم بالغوا فى ردهم عامدين، استغلوا الأمر فى الحقيقة لتحقيق أحلام «طماعة» قديمة لا تفارق أخيلتهم؛ فأشعلوا حربًا طويلة ما زالت مستمرة، بل تتسع يومًا بعد يوم لتشمل مناطق جديدة وبلدان جديدة، وتهدد بحرب عالمية شاملة، لا تبقى ولا تذر!
العملية الفلسطينية كانت، بالأساس، كما أوضحت حركة حماس، التى تبنتها فى حينه قائلة: «كانت عملية طوفان الأقصى، فى 7 أكتوبر 2023، خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما يحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة، وخطوة طبيعية فى إطار التخلص من الاحتلال، واستعادة الحقوق الوطنية، وإنجاز الاستقلال والحرية كباقى شعوب العالم، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس».
المبالغة الإسرائيلية فى الرد على الرد الفلسطينى وضعت إسرائيل نفسها فى مآزق لا سبيل إلى الخروج منها طوال الوقت: مآزق اقتصادية لم تواجهها من قبل، ومآزق قانونية مهما أفلتت منها مؤقتًا فإنها ستلاحقها وتنال منها فى المستقبل، ومآزق سياسية داخلية، بعضها ينذر بخطر التفكك والاضمحلال.
لا ريب فى أن غزة أصبحت أثرًا بعد عين، والدنيا تتفرج عليها ولا تعينها قيد أنملة، مخافة اللوبى الصهيونى طبعًا، إلا أنها أيقظت قضيتها التى كادت أن تموت، أيقظتها إلى الأبد، ولو توصل العالم إلى حل فالإعمار سهل، وإن كان تعويض البشر الذين ذهبوا هو المستحيل!
ظلت بلادى المصرية على موقفها الأول الرافض لتهجير الفلسطينيين عن أراضيهم إلى سيناء أو غيرها، عارفة بما يترتب على ذلك من الأخطار، ولا تزال تنادى بوقف عاجل للحرب الرهيبة الدائرة على الأراضى الفلسطينية المحتلة، ولا تزال ضلعًا رئيسيًا فى المفاوضات التى تأمل من ورائها أن يتوصل الطرفان إلى سلام عادل وشامل، عن طريق حل الدولتين الشهير المقتول، أو طريق آخر يرتضيانه أيًا كان.
الحرب معناها الموت، وكل أطرافه خاسرة مهما كانت الأرباح، والأمان معناه الحياة، ولا خاسر فيه إلا الأغبياء المصرون على الخسارة!