رسائل الأوكتاجون.. والنصر
من الكلمة اليونانية القديمة «بنتا» التى تعنى الرقم خمسة، حصل مبنى وزارة الدفاع الأمريكية، ذو الشكل خماسى الأضلاع، على اسم الـ«بنتاجون». وبالمثل، واشتقاقًا من كلمة «أوكتا»، ومعناها ثمانية فى اللغة نفسها، عدد إدارات قواتنا المسلحة، صار الـ«أوكتاجون» هو اسم مبنى وزارة الدفاع المصرية، ثُمانى الأضلاع، الذى كان الهدف من بنائه، هو جمع كل إدارات الجيش فى منطقة واحدة من أجل تيسير عمله ومهامه، بتصميم يجمع بين الحضارتين المصرية القديمة والإسلامية.
يقع الـ«أوكتاجون» فى قلب العاصمة الإدارية الجديدة، ويضم مبنيين مركزيين، أحدهما لإدارة شئون قواتنا المسلحة، والآخر هو مركز القيادة الاستراتيجية للدولة. وفى هذا المكان، جرى الاحتفال، أمس الأول، الخميس، لأول مرة، بتخريج دفعات جديدة من الكليات العسكرية، تزامنًا مع الذكرى الحادية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، الذى نتفق تمامًا مع الرئيس فى أن احتفالنا بذكراه، هذا العام، يأتى فى ظرف بالغ الدقة فى تاريخ منطقتنا، التى تموج بأحداث دامية متصاعدة، تعصف بمقدرات شعوبها، وتهدد أمن وسلامة بلدانها، وسط أجواء من الترقب على المستوى الدولى، يذكرنا بما حققناه، بالتماسك وتحمل الصعاب، من أجل بناء قوتنا المسلحة، للحفاظ على سلامة هذا الوطن، وتبديد أى أوهام لدى أى طرف.
رسائل أخرى عديدة، ومهمة، تضمنتها كلمة الرئيس السيسى، خلال الاحتفال، أولاها أن هذا الوطن، بتلاحم شعبه وقيادته وجيشه، قادر على فعل المستحيل، مهما عظم، وأن روح أكتوبر ليست شعارات إنشائية تُقال، بل هى كامنة فى جوهر هذا الشعب ومعدنه الأصيل، تظهر جلية عند الشدائد، معبرة عن قوة الحق، وعزة النفس، وصلابة الإرادة. وثانيتها، أن سلامة هذا الوطن، ما كان لها أن تتحقق، فى مواجهة تلك التحديات التى مررنا بها، على مدار السنوات الماضية، لولا صمود هذا الشعب الأمين ووحدته.
فى كتابه «١٩٩٩ نصر بلا حرب»، الذى ترجمه المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، وزير الدفاع الأسبق، فور صدوره، سنة ١٩٨٨، أكد الرئيس الأمريكى الأسبق، ريتشارد نيكسون، أن بلاده يمكنها أن تنتصر على أى دولة، دون أن تدخل حربًا فعلية، بوسيلتين، أولاهما إطلاق حملة إعلامية مكثفة لتشويه سمعة هذه الدولة، وتأليب الرأى العام المحلى والدولى ضدها، بهدف هزيمتها نفسيًا. وكانت الوسيلة الثانية هى حشد أكبر قدر ممكن من القوة العسكرية، لإيهام العدو بأن الحرب واقعة لا محالة، وتحذيره من أن انتصاره فيها مستحيل، وبالتالى لا يكون أمامه إلا الاستسلام والانصياع لكل المطالب أو الشروط.
من هذا المنطلق، كانت ثالثة الرسائل، وليست الأخيرة، هى أن اللحظة التاريخية الفارقة، التى تمر بها منطقتنا الآن، تدعونا للتأكيد، مجددًا، أن السلام العادل هو الحل الوحيد، لضمان التعايش الآمن والمستدام، بين شعوب المنطقة، وأن التصعيد والعنف والدمار، تؤدى إلى دفع المنطقة نحو حافة الهاوية، وزيادة المخاطر، إقليميًا ودوليًا، بما لا يحقق مصالح أى شعب، يرغب فى الأمن والسلام والتنمية.
أكدت مصر، أيضًا ومجددًا، بلسان رئيسها، موقفها الثابت، المدعوم بالتوافق الدولى، ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كسبيل وحيد لإرساء السلام والأمن والاستقرار للجميع. ولعلك تعرف أننا «جاهزون لطى الأرض»، بتعبير قائد الجيش الثالث الميدانى، خلال قيام الرئيس السيسى، صباح ٢٥ أكتوبر الماضى، بتفقد إجراءات تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة، التى هى واحدة من سبع فرق، يتكون منها الجيش الثالث الميدانى، جيش «الإيمان والصمود والتحدى»، الحامى لحدود مصر الشرقية، الذى كبّد الأعداء خسائر كبيرة، فى الأرواح والمعدات، خلال حرب الاستنزاف، ثم فى حرب أكتوبر، ودافع ببسالة عن مدينة السويس، ومنع القوات الإسرائيلية، أو الأمريكية، من دخولها.
.. أخيرًا، وفى مواجهة هذا المشهد الضبابى، الذى تعيشه المنطقة، نرى أن ما قد ينقصنا فقط، هو إدراك أن دور القوة الناعمة، خلال التحديات الوطنية الاستراتيجية، الحالية أو المستقبلية، يعادل فعليًا دور القوة الخشنة، أو العسكرية، التى باتت قادرة على حسم أى معركة فى أى جبهة ومع أى طرف.