ماكبث المصنع.. محاكمة لواقع مصطنع بأدوات الذكاء الاصطناعى
«ماكبث المصنع» هو العرض الفائز بجائزة أفضل عرض فى المهرجان القومى للمسرح وبجائزة أفضل إخراج وأفضل ديكور، وهو لفريق مسرح كلية طب أسنان جامعة القاهرة، ما جعل فوزه سببًا للحرج، وذلك بالنظر إلى العروض الاحترافية التى أنتجتها الهيئات المسرحية المحترفة، سواء فى مسرح الدولة أو المسرح المستقل أو مسرح القطاع الخاص وخلافه، وربما كان قرار لجنة التحكيم قرارًا جريئًا وقويًا، وربما كان فى أحد جوانبه منحازًا للشباب وللرؤى الحداثية والمغايرة التى انعكست فى العرض، فضلًا عن ذلك تم اختيار العرض لتمثيل مصر رسميًا فى المهرجان الدولى للمسرح التجريبى، وقد وضع هذا التقدير العرض فى بؤرة الضوء والمساءلة، فهل قدم العرض ما يجعله جديرًا بهذا التقدير؟
العرض معالجة حديثة وذكية لماكبث شكسبير، يدور حول القائد ماكبث الذى يعود منتصرًا على أعداء المملكة، مُحبِطًا انقلابًا على الملك وفى رحلة عودته تظهر له «الساحرات أو الجنيات»، وهن مقابل الشيطان فى النص، ويخبرنه بأنه سيصير الملك، ويحرضنه ضمنًا على قتل الملك، ويظل مترددًا كونه ملكًا طيبًا ينعم عليه بالعطايا والألقاب، إلا أن زوجته «ليدى ماكبث» وبدافع الطموح والتطلع لأن تصير ملكة تتهمه بالجبن والتخاذل وتشجعه على القتل، وبعد أن يقتل الملك ويصير ملكًا مكللًا بالدم تطارده أشباح قتلاه، وعلى رأسهم الملك دانكن، حتى يفقد صوابه، وكذلك الليدى ماكبث تدرك شناعة فعلتهما فتنتحر.
عالج المخرج محمود الحسينى القصة معالجة حديثة، حيث الأحداث تدور فى المصنع الذى يتطلع ماكبث ليكون هو مديره بدلًا من عمه، وتحرضه هذه المرة «مدركة»، وهى شخصية من العالم الافتراضى/ الذكاء الاصطناعى، التى يعود إليها طوال الوقت طلبًا للنصح، وهى فى تلك المعالجة الحديثة بديل الساحرات/ الشيطان فى النص الأصلى، وتكون نصائحها هى المحرض لأن يقتل ماكبث عمه ويدير المصنع على نحو يجعله ينحو إلى تخفيض العمالة واستبدالهم بالآلة مع عدد ساعات عمل غير منطقية حتى يهلك العمل وتخرب الآلات، وينشغل ماكبث بطموحه عن تدهور الحالة النفسية لزوجته التى أوشكت على الجنون، وفى لحظة غضب يفسر رفضها المستمر له أو هكذا تصور له «مدركة» بأنها ربما تعلقت بشخص آخر فيقتلها.
تلك المعالجة التى جعلت العالم مصنعًا كبيرًا يديره مخبولون باعوا أنفسهم للشيطان «أيًا كان هذا الشيطان» ولا يتورعون عن سفك الدماء لتحقيق طموحهم وأرباحهم ولا يتورعون عن المتاجرة بكل شىء، بينما البشر بالنسبة لهم مجرد أشياء أو أدوات موظفة لتحقيق طموحاتهم.
أثار العرض جدلًا مسرحيًا واسعًا لم يسبق أن أثاره عرض مسرحى من فترة طويلة، ليس بسبب طرحه الفنى والجمالى ولكن بسبب تصريح مخرج العرض بأنه استعان بالذكاء الاصطناعى فى كتابة مشاهد شخصية «مدركة».
فكأنما فجر العرض عبر موضوعه وأدواته مخاوفنا المتصاعدة من الصراع بين البشر والآلة وقدراتها على احتلال أماكننا واستلاب أدوارنا حتى الأدوار الإبداعية التى ظننا أنها ستكون أبعد ما يكون عنها، هذا فضلًا عن تساؤلات حول الاستعانة بالذكاء الاصطناعى فى التأليف، وعن حقوق الملكية الفكرية المترتبة على ذلك.
بدأ هذا الجدل الناقد الكبير محمد الروبى حين نشر نصًا بعنوان «ماكبث المصنع»، وذكر أن هذا النص صاغه الذكاء الاصطناعى بالكامل، استلهامًا لتراجيديا ماكبث بعد أن طلب من الذكاء الاصطناعى أن تدور أحداثه فى مصنع فى العصر الحديث، وكانت المفاجأة أن نص «الروبى» لم يكن بعيدًا عن نص «ماكبث المصنع» الذى صاغه محمود الحسينى فى مسرحيته الفائزة بجائزة أفضل عرض بالمهرجان القومى للمسرح، فهل استعان الحسينى بالذكاء الاصطناعى فى إعداد النص كاملًا، ولو كان الأمر على هذا النحو هل يعتبر هذا الفوز مؤشرًا على أن الذكاء الاصطناعى سيتفوق علينا نحن البشر؟، هل يستطيع الذكاء الاصطناعى إخراج عرض مسرحى وصياغة كل تفاصيله من ديكور وأزياء وحركة ممثل وأشعار وألحان.. إلخ؟، هل سنشهد قريبًا ممثلًا افتراضيًا على خشبة المسرح.
وماذا علينا فعله فى مواجهة ذلك؟ وهل ثمة ما يمكن فعله؟ هل لدينا خيارات سوى أن نبدع نحن ويبدع الذكاء الاصطناعى ونترك الحكم للجمهور، سواء ظل جمهورًا حيًا أم جمهورًا افتراضيًا؟.