تصحيح مسار.. مكاسب الدولة والمواطنين من التحول إلى الدعم النقدى: زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية إلى 530 مليار جنيه
شهدت مصر، فى السنوات الأخيرة، تحولًا تدريجيًا من نظام الدعم العينى إلى نظام الدعم النقدى للمواطنين، وهذا التحول يأتى فى إطار جهود الحكومة لإصلاح منظومة الدعم وتحسين استهدافها للفئات الأكثر احتياجًا.
وتمت، فى السنوات الأخيرة، مناقشة عدد من الملفات المهمة، ومنها منظومة الدعم، وزيادة حوكمة منظومة الدعم بهدف تقليل الأعباء المالية التى تتحملها الدولة، وضمان وصول الدعم لمستحقيه، مع التزام الدولة بوجود الدعم خاصة فى السلع الأساسية التى تمس المواطنين.
وفى دراسة أعدها المركز المصرى للدراسات الاستراتيجية تم رصد المراحل التى مر بها الدعم حتى وقتنا الحالى وما هي المكاسب المتوقعة فى حالة تحوله من نقدى إلى عينى.
إعادة ترتيب أولويات الإنفاق وتخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة
يعد التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى خطوة إيجابية نحو تحسين منظومة الدعم فى مصر وضمان وصوله للفئات الأكثر احتياجًا، ويتطلب ذلك كيفية تحديد الفئات المستحقة للدعم والمعايير التى يمكن استخدامها لتحقيق هذا الهدف.
وبالتالى، وجب العمل على إعادة تعريف مستفيدى الدعم والوصول به إلى مستحقيه فقط.
وتطلب ذلك إعادة ترتيب أولويات وأدوات الدعم، بشكل يضمن وصوله للفقراء بفاعلية، ويتيح من ناحية أخرى توفير بديل عملى لتخفيف الضغوط المتزايدة على الموازنة العامة.
ويجب التركيز على ضرورة الاستثمار فى سياسة الدعم التى تظل تشكل ضرورة ملحة بالنسبة للفقراء، وبالتالى ينبغى العمل على استمرارها والعمل على تعظيم العائد منها، مع التوسع فى برامج الحماية الاجتماعية القائمة، مثل «تكافل وكرامة» ومعاشات الضمان الاجتماعى، والاستمرار فى البرامج الاجتماعية ذات المردود السريع على الفئات الفقيرة.
ارتفاع دعم السلع التموينية من 31.9 مليار إلى 127.7 مليار جنيه
أعلنت الحكومة عن قيامها، بالتنسيق مع عدد من الجهات، بالاتفاق حول آلية وصول الدعم إلى مستحقيه، والحديث يدور حول دعم السلع التموينية، خاصة أن الأنواع الأخرى قد تم تقليص دعمها بالفعل، سواء المنتجات البترولية أو الكهرباء والمياه.
وبرز الاهتمام بدعم السلع الغذائية خلال التسع سنوات الماضية، فى تحسين منظومة التموين القائمة منذ سنوات طويلة.
وجاء إصلاح منظومة دعم السلع التموينية كجزء من حزمة سياسات متكاملة فى سبيل زيادة حجم السلع المقدمة للمواطنين وضمان وصول الدعم لمستحقيه، مع اتخاذ إجراءات لترشيد الاستهلاك وتحسين كفاءة إنتاج واستخدام موارد الدولة. وعليه، فقد ارتفع دعم السلع التموينية بشكل مستمر من حوالى ٣١.٩ مليار جنيه فى عام ٢٠١٤ ليصل إلى ١٢٧.٧ مليار جنيه بالموازنة لعام ٢٠٢٣/٢٠٢٤.
وفى ظل تطبيق تلك المنظومة الجديدة للسلع التموينية، زاد الدعم الموجه للمواطن بقيمة ٣٥٠ جنيهًا بحد شراء السلع شهريًا وفقًا للاحتياجات.
انطلاق منظومة البطاقات الذكية لدعم الخبز.. وتقليل هدر الدقيق بقيمة 12 مليار جنيه سنويًا
بذلت الدولة جهودًا حثيثة فى منظومة دعم الخبز، وبدأ انطلاق المنظومة من خلال البطاقات الذكية فى أغسطس عام ٢٠١٤، لتطبق فى جميع محافظات الجمهورية.
ونجحت منظومة دعم الخبز فى القضاء على الطوابير اليومية أمام المخابز، والقضاء على ظاهرة تسرب الدقيق المدعم، كما تم تسهيل عملية استخراج بطاقة صرف خبز دون قيد أو شرط للمواطن الذى ليست لديه بطاقة تموينية.
وترتب على ذلك تقليل كمية الدقيق المهدرة سنويًا والتى تتراوح قيمتها من ١١ إلى ١٢ مليار جنيه كانت تذهب لغير المستحقين، وانخفاض كمية القمح المستهلكة بنحو ١.٩ مليون طن منذ عام ٢٠١٣.
ونجح التحول للدعم النقدى المشروط أيضًا فى ضوء تطبيق برنامجى «تكافل وكرامة»، والذى بدأ تنفيذه فى يناير ٢٠١٥، حيث يقتضى تقديم دعم نقدى مشروط للفقراء، ويختص برنامج «تكافل» بالأسر التى تعانى الفقر الشديد على أن يكون لديها أطفال فى الفئة العمرية حتى ١٨ سنة، أما برنامج «كرامة» فيستهدف الفئات التى تعانى الفقر الشديد وغير قادرة على الكسب أو العمل، وكبار السن ٦٥ سنة فأكثر، أو من لديه عجز كلى أو إعاقة تمنعه من العمل.
خصصت موازنة ٢٠٢٣/٢٠٢٤ زيادة فى مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية بنحو ٥٢٩.٦٨٥ مليار جنيه بزيادة عن ٤٢٥.٩٩٣ مليار جنيه المخصصة فى الموازنة السابقة، إيمانًا من الدولة بأهمية مساندة القطاعات والفئات الأكثر تضررًا من الموجة التضخمية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى منذ عام ٢٠٢٢، على نحو يُساعِد فى الحد من آثارها السلبية.
ويستحوذ باب الدعم والحماية الاجتماعية على نحو ١٧.٧٪ من إجمالى مصروفات الموازنة الجديدة البالغة ٢.٩٩ تريليون جنيه، إذ يستحوذ دعم السلع التموينية على النصيب الأكبر من قيمة الدعم بنسبة ٣٨.٩٪ وقيمة تبلغ نحو ١٢٧.٧ مليار جنيه، فيما بلغت قيمة دعم المواد البترولية ١١٩.٤ مليار جنيه خلال موازنة العام المالى ٢٠٢٢/٢٠٢٣، وقدّرت الوزارة متوسط سعر برميل خام برنت عند ٨٠ دولارًا.
وبلغت اعتمادات الأمن الاجتماعى فى الموازنة العامة للدولة للعام المالى ٢٠٢٢/٢٠٢٣، بنحو ٣١.٢٧٣ مليار جنيه من أصل ٥٢٩ مليار جنيه للدعم والحماية الاجتماعية.
وتأتى هذه المخصصات فى ضوء خطة الحكومة للمضى قدمًا نحو التحول التدريجى إلى الدعم النقدى وشبه النقدى الذى يستهدف الفئات الأولى بالرعاية والمناطق الأكثر احتياجًا، إلى جانب جهود إصلاح منظومة الدعم لضمان وصوله إلى مستحقيه.
ووفقًا للإحصائيات، تنوعت هذه المخصصات بواقع ٣١ مليار جنيه كمعاش الضمان الاجتماعى، وبرنامج تكافل وكرامة، وبرنامج دعم التعليم المجتمعى، مقابل ٧٠ مليون جنيه مخصصات لبرنامج «معاش الطفل».
منظومة دعم الخبز تقضى على أزمة الطوابير
زيادة مخصصات «تكافل وكرامة» إلى 240 مليار جنيه لصالح 27 مليون مواطن
بالتحول صوب برنامج «تكافل وكرامة»، شهد معاش البرنامج منذ إطلاقه أكثر من زيادة متتالية، حيث بدأ معاش «تكافل وكرامة» بمبلغ شهرى ٣٠٠ جنيه فى عام ٢٠١٥، وازداد ٣ مرات خلال عام، ووصل حاليًا إلى ٧٢٤ جنيهًا.
كما زادت أعداد المستفيدين من برامج الدعم النقدى من ١.٧٩ مليون أسرة فى العام المالى ٢٠١٤/٢٠١٥ إلى ٥.٢ مليون أسرة فى العام المالى ٢٠٢٣/٢٠٢٤، بنسبة زيادة قدرها ٢٠٠٪.
ومن المقرر زيادة مخصصات برنامج الدعم النقدى «تكافل وكرامة» إلى ٢٤٠ مليار جنيه، بإجمالى عدد مستفيدين بنحو ٢٧ مليون مواطن خلال الفترة ٢٠٢٤-٢٠٣٠.
وزادت تكلفة برنامج الدعم النقدى «تكافل وكرامة» لذوى الاحتياجات الخاصة إلى ٧٠ مليار جنيه، بإجمالى عدد مستفيدين بنحو ٣ ملايين مواطن خلال الفترة ٢٠٢٤-٢٠٣٠، مقارنة بنحو ١.٢ مليون مواطن خلال الفترة ٢٠١٤-٢٠٢٣.
كما يقوم التحالف الوطنى للعمل الأهلى بتقديم دعم شهرى لعدد ٤٠٠ ألف أسرة فقيرة.
رفع الحد الأدنى للأجور 7 مرات وصولًا إلى 6 آلاف جنيه وتخصيص 470 مليارًا بالموازنة.. وتحفيز الاستهلاك المحلى
سعت الحكومة المصرية منذ عام ٢٠١٦ لإصلاح هيكل الأجور والمعاشات وتطبيق زيادات فى كل منها، من أجل مساعدة المواطنين على مواجهة الأزمات الاقتصادية الطاحنة، كالتضخم أو البطالة، وقد تجلى هذا الاتجاه فى البيانات المنشورة بموازنة العام المالى ٢٠٢٣/٢٠٢٤ التى خصصت نحو ٤٧٠ مليار جنيه لباب الأجور وتعويضات العاملين من إجمالى المصروفات البالغة نحو ٢.٩٩ تريليون جنيه مقابل ٤١٠ مليار جنيه بموازنة العام السابق بزيادة ٦٠ مليار جنيه، أو نحو ١٤.٦٪ على أساس سنوى.
واتخذت مخصصات الأجور وتعويضات العاملين اتجاهًا عامًا موجبًا على مدار الخمس سنوات، فسجَّلت أعلى مستوياتها خلال العام المالى الجارى عند ٤٧٠ مليار جنيه مقابل ٢٨٨.٧٧٣ مليار جنيه، بنسبة زيادة قدرها ٦٢.٧٪. كما يُعتبر بند الأجور وتعويضات العاملين رابع أكبر بند فى باب مصروفات الموازنة العامة للدولة؛ حيث استحوذ على نحو ١٥.٧٪ من مصروفات الدولة خلال العام المالى ٢٠٢٣/٢٠٢٤، يسبقه فى الترتيب بند الفوائد، والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، وشراء الأصول غير المالية.
وفيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، فقد شهد سبع زيادات متتالية منذ فبراير ٢٠١٩؛ وآخرها فى مارس ٢٠٢٤، حيث وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى برفع الحد الأدنى لأجور العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة إلى ٦٠٠٠ جنيه، وذلك فى إطار حرص الحكومة على مساندة المواطن المصرى فى ظل الأزمات الاقتصادية.
وقررت الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور من ١٢٠٠ جنيه إلى ٢٠٠٠ جنيه خلال عام ٢٠١٩، وواصلت رفعه حتى جاءت الزيادة الأخيرة فى مارس ٢٠٢٤ عند ٦٠٠٠ جنيه، مع إقرار التعجيل فى التطبيق لتخفيف الأعباء على المواطنين، وهكذا بلغت الزيادة الصافية فى الحد الأدنى للأجور نحو ٤٨٠٠ على مدار السنوات الأربع الماضية.
ولم تقتصر تلك الزيادات على القطاع العام فقط؛ إذ أعلن المجلس القومى للأجور فى مصر عن رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص إلى ٦٠٠٠ جنيه اعتبارًا من مايو ٢٠٢٤، حرصًا من الحكومة على تحقيق التوازن فى مصالح طرفى الإنتاج من صاحب العمل والعامل، خاصة فى ظل التحديات الراهنة، بالإضافة إلى سعيها للحفاظ على حقوق العمال ومكتسباتهم، وتوفير حياة كريمة لهم، واستقرار المنشآت وتحقيق أعلى إنتاجية لخدمة عملية التنمية فى الدولة. ويعد تحسين الأجور أمرًا أساسيًا لتحسين مستوى المعيشة وتعزيز القدرة الشرائية للعمال، كما يشير التوجيه الرئاسى إلى أهمية زيادة الأجور بشكل عادل ومستدام وفقًا لظروف الاقتصاد الوطنى، كما تؤدى هذه الخطوة إلى تحفيز الاستهلاك المحلى وتعزيز النمو الاقتصادى.
6.347 مليار جنيه دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.. وترسيخ ثقافة العمل الحر
ينظر إلى المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر على أنها إحدى الركائز الأساسية فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبناءً على ذلك، عملت الدولة على دعم ريادة الأعمال وإطلاق مبادرات تهدف لتوفير الدعم المالى، وتقديم الخدمات التسويقية واللوجستية والتكنولوجية لهذه المشروعات، وتدريب وتأهيل الكوادر البشرية، بالإضافة إلى ترسيخ ثقافة العمل الحر، وسن التشريعات اللازمة لتذليل العقبات التى تواجه هذا القطاع، ما يسهم فى تحقيق العديد من الميزات، فى مقدمتها الحد من البطالة وتعزيز الصناعات الكبرى وتوفير مدخلاتها، وتحسين القوة التنافسية للمنتج المصرى، وزيادة حجم الصادرات، وتوفير العملة الأجنبية والحد من فاتورة الاستيراد، ويمكن رصد جهود الدولة لدعم المشروعات الصغيرة فى العديد من النقاط.
فقد تمكن جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، فى الفترة من يناير ٢٠٢٣ حتى شهر فبراير من عام ٢٠٢٤، من توفير ٣١٩ ألف فرصة عمل، وتسهيل وتقديم الخدمات لـ١٧٣ ألف مشروع صغير ومتناهى الصغر، فضلًا عن تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بإجمالى مبلغ وصل إلى ٦.٣٤٧ مليار جنيه.
كما جرى إبرام تعاقد مع شركة «إى أسواق» لإدارة منصة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، أيضًا يتم التعاون مع شركاء التنمية مثل عدد من شركات الاتصالات لإنشاء منصة قومية لتفاعلية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وزيادة الأعمال لرؤية احتياجات المشروعات من الخدمات المالية وغير المالية، فضلًا عن تضمين عدد كبير من الجهات مقدمى الخدمات بالمنصة.
كما جرى إصدار قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر رقم ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠ ولائحته التنفيذية، الذى يقدم عدة حوافز مالية لقطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، ومنها إعفاء من ضريبة الدمغة ورسوم التوثيق والشهر بالنسبة لعقود تأسيس الشركات والمنشآت وعقود التسهيلات الائتمانية والرهن وعقود تسجيل الأراضى.
وتم السماح للبنوك بتمويل الشركات والمنشآت والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة، «بحد أقصى حجم مبيعات أقل من ٢٠ مليون جنيه مصرى»، دون الحصول على قوائم مالية معتمدة من مراقب الحسابات، فى ظل عمل معظمها فى القطاع غير الرسمى، مع مراعاة أن تضمن السياسة الائتمانية للبنك الضوابط المناسبة التى تتماشى مع تمويل هذه النوعية من الشركات.