ماذا فعلت السوشيال ميديا فى المجتمع؟.. دراسة تحليلية لـ«المساكنة والشذوذ والإلحاد والسنجل مازر»: تزعزع عقيدة المجتمع
فى ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية السريعة التى يشهدها المجتمع المصرى، برز العديد من الظواهر المستحدثة التى تعكس التغيرات العميقة فى بنية المجتمع وسلوكيات أفراده، من انتشار التكنولوجيا الرقمية وتأثيرها على الحياة اليومية، إلى التغيرات فى القيم الاجتماعية والعادات الثقافية، وهى الظواهر التى تتجلى كمرآة تعكس التحديات والفرص التى تواجه المجتمع المصرى فى القرن الحادى والعشرين.
ومن ضمن هذه الظواهر التى طفت على السطح، خلال الآونة الأخيرة «المساكنة والشذوذ الجنسى والإلحاد»، وهى كلها ظواهر يتردد صداها بقوة فى المجتمعات الغربية، لكنها تتنافى بشكل كبير مع طبيعة المجتمعات الشرقية.
وأصدر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية دراسة بعنوان: «الظواهر الاجتماعية الدخيلة ومدى قبولها فى المجتمع المصرى»، والتى تناقش تلك الظواهر من منظور علمى تحليلى لمعرفة مصادرها وأسبابها وتداعياتها ومخاطرها، وتستعرضها «الدستور» خلال السطور الآتية.
«المساكنة».. انهيار الأسرة.. إضعاف الموقف القانونى للمرأة وانتشار للأمراض الجنسية.. محرمة دينيًا
كشفت الدراسة عن أن ظهور مصطلح المساكنة كان خجولًا، يختبئ خلف مصطلحات منمقة مثل «التعايش» و«العلاقة قبل الزواج»، لكنها سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقى، لتواجه رفضًا مجتمعيًا واسعًا، فالمجتمع المصرى، بتقاليده وعاداته الراسخة، يرى فى الزواج المؤسسة الأساسية للحياة، ويرفض أى شكل من أشكال العلاقة خارج إطاره.
ولم تتوقف المسألة عند حدود الجدل النظرى، بل تعدت إلى الواقع المعاش، حيث يحذر الخبراء من تداعيات خطيرة قد تنتج عن انتشار هذه الظاهرة، منها: انهيار الأسرة، وانتشار الأمراض لأنها تزيد من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا، وضعف الموقف القانونى للمرأة، والتأثير النفسى السلبى على الأطفال الناتجين عن هذه العلاقات.
ولاقت المساكنة جدلًا واسعًا، ما دفع المؤسسات الدينية والقانونية للتدخل، فأصدر الأزهر فتوى تحرم المساكنة، وأحالت نقابة المحامين أحد أعضائها للتحقيق بسبب دعوته لها، كما انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض.
الدراسة التحليلية التى أجراها المركز، تضمنت تحليلًا لمسار هاشتاج #المساكنة، خلال يومى ٨ و٩ سبتمبر، وخلصت إلى انقسام المتفاعلين مع الهاشتاج إلى ٣ تيارات؛ الأول داعم للفكرة، بحجة خفض معدلات الطلاق التى زادت فى الفترة الأخيرة، لكن غالبية الآراء كانت رافضة بشكل قاطع، باعتبارها خرقًا للعادات والتقاليد الإسلامية والمسيحية المحافظة، وتم استنتاج أن المساكنة لم تصل إلى حد الظاهرة، ولكنها تخطت الحالات الفردية فى المجتمع، إلا أنها قضية تُعاد إثارتها بين الحين والآخر لاكتشاف مدى التقبل المجتمعى لتلك الفكرة.
الشذوذ الجنسى.. لا نص قانونى صريحًا يجرم الظاهرة.. ومرتكبوها يعاقبون تحت بند «مخالفة الآداب»
تستكمل الدراسة حديثها عن ظاهرة أخرى وهى تفاقم الشذوذ الجنسى فى المجتمع المصرى، مرجعة أسباب انتشارها إلى مجموعة من العوامل؛ منها: التغيرات الاجتماعية السريعة التى يشهدها المجتمع المصرى، وتأثير وسائل الإعلام الحديثة، وغياب الرقابة الأسرية، والضغوط النفسية التى يعانى منها الشباب.
وأوضحت الدراسة أن أضراره لا تقتصر على الفرد، بل يتعدى ذلك إلى التأثير السلبى على المجتمع ككل، حيث يؤدى إلى زعزعة الاستقرار الأسرى، وانتشار الأمراض المنقولة جنسيًا، وارتفاع معدلات الجريمة، وتغيير الهوية الثقافية للمجتمع.
وأكدت على أهمية دور الأسرة والمدرسة فى توعية الشباب بمخاطر الشذوذ الجنسى، وتعزيز القيم الأخلاقية والدينية لديهم، كما دعت إلى ضرورة تدخل الدولة لتشديد الرقابة على المحتوى الإعلامى، وتوفير برامج دعم نفسى للأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية.
وحذرت من خطورة تسييس هذه القضية، مؤكدة ضرورة التعامل معها بمنطقية وعقلانية، بعيدًا عن الأحكام المسبقة والتعميمات، داعية إلى الحوار المجتمعى البناء حول هذه القضية، بهدف الوصول إلى حلول واقعية وعملية، خاصة أن القانون المصرى لا يجرم المثلية بشكل مباشر، إلا أن الأفراد المنتمين لتلك الفئة يعاقبهم القانون تحت بند القوانين الخاصة المتعلقة بالآداب العامة، وهو ما يسهم بشكل كبير فى انتشار الظاهرة لعدم وجود نص صريح يجرم هذا الفعل.
السنجل مازر.. مصر تضم 12 مليون أم عزباء.. ومعظم الحالات فى القاهرة الكبرى.. وضحاياها يتعرضن للتهميش فى المجتمع
انتشرت ظاهرة «السنجل مازر» فى المجتمع المصرى بشكل كبير، بعدما أصبح لدينا نحو ١٢ مليون أم عزباء بحالات مختلفة، ما بين ولادة خارج إطار الزواج الرسمى، أو الطلاق أو وفاة الزوج، وهو ما يجعل الأم هى العائل الوحيد للأطفال، ويضيف عليها أعباءً كثيرة.
وفى تلك الحالة، تتحمل النساء فى مصر معظم اللوم لعدم إنشاء أسرة مستقرة لأطفالهن، وفى حالة الإنجاب خارج إطار الزواج تتحمل النساء المسئولية الكاملة عن الإنجاب حتى فى حالة الإنجاب نتيجة الاغتصاب.
وناقشت الدراسة ظاهرة «السنجل مازر» التى باتت منتشرة خلال الفترة الأخيرة، من حيث المفهوم والعوامل التى أدت إلى ظهورها وسياقها داخل المجتمع المصرى.
ويعد مفهوم الأم العزباء مستجدًا فى الدراسات العربية، خاصة فى الدراسات الاجتماعية، فهو مأخوذ من الثقافة الغربية، خاصة الأوروبية الفرنسية والإنجليزية تحديدًا، بما هو ترجمة لـ«les mères célibataires» و«single mother»، وهو ما يعنى الاسم الذى يطلق على المرأة التى تلد خارج مؤسسة الزواج، أيًا كانت أشكال هذه الولادة، سواء نتيجة الاغتصاب، أو تخلى الأب البيولوجى عنها بعد حملها، أو نتيجة قرار المرأة الحمل عبر تقنية التلقيح الاصطناعى، وهو ما يحدث فى البلدان الغربية.
ولو أن السياق العربى لم يشهد بعد حالات مشابهة لهذا التلقيح الاصطناعى والإرادى، ولكن فى مصر تم إدخال بعض التعديلات على مفهوم «السنجل مازر» أو الأم العزباء، حيث يشمل المفهوم بالإضافة إلى ما سبق، الأم المعيلة التى تركها زوجها أو وافته المنية، وعليه يتم إدراج الأم المعيلة جزئيًا إلى المصطلح.
وتعرف الأسرة التى تعولها «السنجل مازر» بالأسرة الأحادية، فى إشارة إلى أن عائلها هو طرف واحد، وأصبحت تنتشر فى المجتمع المصرى بشكل كبير، حيث قدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عام ٢٠١٨ عدد الأسر التى تترأسها سيدات حوالى ٣٫٣ مليون أسرة.
وكان معظم رؤساء الأسر من الأرامل بنسبة ٧٠٫٣٪ من إجمالى الإناث رؤساء الأسر على مستوى الجمهورية، تليها المتزوجات بنسبة ١٦.٦٪ ثم المطلقات ٧.١، ووفقًا لبيانات مرصد الإحصاء المصرى، هناك أكثر من ١٢ مليون أم عزباء فى مصر نتيجة الطلاق والانفصال والزواج العرفى والترمل.
وبصفة عامة، تعانى الأمهات العازبات فى مجتمعاتنا من تحديات مجتمعية تتمثل بتعرضهن للتهميش أو العزل، حيث يُصبح من الصعب عليهن التواصل مع المجتمع والتحدث عن مشاكلهن، كما يتعرضن كثيرًا لضغوط مختلفة فى سبيل الحصول على حقوقهن المشروعة مثل حقوق النفقة وحضانة الأطفال وغيرها.
ومن الضغوط التى يتعرضن لها التحديات الاجتماعية، التى تواجه الأمهات العازبات والضغوط المالية، وتكمن الصعوبة فى معاناتهن لتأمين احتياجاتهن واحتياجات أطفالهن المالية، وصعوبة تحمُّل تكاليف المعيشة الأساسية، مثل الإيجار، وتوفير الطعام والملابس، وهو ما يضطر كثيرات منهن للبحث عن عمل لتحسين أوضاعهن المادية.
وفى الوقت نفسه، يواجهن صعوبات فى إيجاد فرص فى سوق العمل، خاصة إذا كن من ذوات التحصيل التعليمى المنخفض، أو من تجارب العمل المحدودة، علاوة على رفض كثير من أرباب العمل تشغيل عاملة لديها ارتباطات مع صغارها، ما يعنى أنها تضطر للحصول على كثير من الإجازات الطارئة.
وتبنت دار الإفتاء موقفًا واضحًا تجاه ظاهرة الأم العزباء، عقب انتشار قصة «هدير. م»، أول «سنجل مازر» فى مصر، وعلقت قائلة: «يجب ألا نقبل بعض الأفكار الوافدة من بعض الثقافات، والتى أصبحت تهدد المجتمع مثل ظاهرة Single Mother أو الأم العزباء، التى تنجب أبناءً خارج إطار الزواج».
وتابعت: «هو أمر من الخطورة لأنه يزعزع الأمن المجتمعى، بل يجب أن يكون ذلك فى ظل عقد شرعى يولد المسئولية التى تحافظ على تماسك الأسرة وقوة المجتمع وبقاء النوع الإنسانى».
وتتركز تلك الظاهرة وفق المركز المصرى، فى أوساط تفاعلات فئات الإناث بصورة رئيسية بنسبة تقارب الـ١٠٠٪، إذ أسفر التحليل عن استخدام هذا المصطلح كنوع من أنواع التحايل أو تجنب نظرة المجتمع السلبية تجاه المرأة المطلقة بصورة أساسية.
وتتركز التفاعلات بين المتابعين فى الفئة العمرية من ٢١ إلى ٤١ عامًا بنسبة ٦٤.٥٩٪، وكذلك فى أوساط المقيمين فى منطقة القاهرة الكبرى بنسبة ٤٥.٤٧٪، ولا تتمتع تلك الظاهرة بترحيب المجتمع، حيث بلغت نسبة رفضها من عموم المتابعين بنسبة ٩٦.٣٥٪.
الإلحاد.. تراجع القيم والتقاليد الدينية والفراغ الروحى سببا انتشارها
الظاهرة الثالثة التى تناولتها الدراسة هى الإلحاد، حيث أرجعت أسباب انتشارها فى مصر إلى عدة عوامل، منها التغيرات الاجتماعية السريعة، ما أدى إلى تراجع القيم والتقاليد الدينية، وخلق فراغ روحى لدى البعض.
وبينت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام التقليدية أسهمتا فى نشر أفكار وأيديولوجيات متعارضة مع الدين، ما أثر على معتقدات الشباب، كما أدى أيضًا غياب الرقابة الأسرية الصحيحة إلى ترك الشباب عرضة للتأثيرات السلبية، كما أن العديد من الشباب يعانون من ضغوط نفسية كبيرة، ما يدفعهم للبحث عن تفسيرات بديلة للحياة، كذلك التناقض بين الدين والعلم، ما يدفعهم إلى التشكيك فى صحة المعتقدات الدينية.
وأشارت الدراسة إلى أن القانون المصرى لا يجرم الإلحاد بشكل مباشر، ولكنه يعاقب على ازدراء الأديان، ومع ذلك، فإن هناك قلقًا من أن بعض القوانين قد تستخدم بشكل تعسفى لملاحقة الملحدين.
هوس الشهرة.. تسيطر على 38.61% من تفاعلات «السوشيال».. الإناث الأكثر إصابة «كسب المال» مبرر المتورطين.. وتنتشر بين الفئة العمرية من ٢١-٤٠ عامًا
واحدة من الظواهر الاجتماعية المنتشرة حاليًا هى هوس الشهرة وتصدر «الترند»، إذ سيطرت تلك الظاهرة على نسبة ٣٨.٦١٪ من التفاعلات المرصودة عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، وتعتبر من الظواهر الممتدة على مدار العام خلال السنوات الأخيرة.
وحظيت الظاهرة برواج كبير بين المتابعين الذين تتراوح أعمارهم بين ٢١ و٤٠ عامًا، بنسبة ٦٧.١٩٪، وتتركز فى أوساط المتابعين المقيمين فى منطقة الدلتا والبحيرة والقاهرة الكبرى بنسبة تبلغ ٦٨.٣١٪.
كما تعتبر تلك الظاهرة من الظواهر الجدلية التى تتباين خلالها ردود أفعال المجتمع بين القبول والرفض لها، وهى نشطة بين فئات المتابعين من الإناث والذكور مع تفوق نسبى لصالح فئة الإناث.
وتعد أبرز الظواهر المتعلقة بهوس الشهرة محاولة تبرير الأمر بكسب المال، سواء عبر القمار الإلكترونى أو التحايل أو الابتزاز واستغلال الأزمات، وهى من الظواهر البارزة فى المجتمع مؤخرًا وفق المركز المصرى، إذ يعود السبب إلى شعور البعض بالضغوط المعيشية، ومحاولة كسب المال.
وسجلت التفاعلات مع تلك الظواهر نسبة ٢٢.٣٧٪ من إجمالى التفاعلات المرصودة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ويختلف حجم الزخم فى التفاعلات مع تلك الظواهر على مدار العام، مع رصد نشاطها بصورة أكبر خلال فصل الصيف.
وتنتشر التفاعلات مع تلك الظواهر بين أوساط الفئة العمرية من ٢١ إلى ٤٠ عامًا، بصورة رئيسية باستثناء ظاهرة استغلال الأزمات، التى تتركز بصورة أكبر بين الفئة العمرية من ٤١ إلى ٥٥ عامًا.
وتتركز تلك الظواهر بين أوساط المقيمين فى منطقة الدلتا والبحيرة بنسبة ٣٥٫٧٤٪، ورغم انتشارها فإنها تحظى برفض مجتمعى من قِبل مرتكبيها أو المروجين لها، وتنشط تلك التفاعلات بشكل ملحوظ بين فئات الذكور.
توصيات.. إجراء بحث ميدانى شامل لتلك الظواهر لإيجاد حلول لها
أوصى المركز، فى ختام تحليله للظواهر الاجتماعية الدخيلة، بضرورة فهم التغيرات الطارئة على المجتمع خلال السنوات الماضية، وقياس معدلات تلك الظواهر الاجتماعية وبيان أثرها القريب والمتوسط وطويل الأجل، ومن ثم استهداف تلك الظواهر بالاستراتيجيات المختلفة من الجهات المعنية. وأكد أن الأولوية فى الوقت الحالى لإجراء بحث ميدانى شامل لتلك الظواهر، يكون الهدف العام منه فهم أسباب ودوافع تلك الظواهر وآثارها النفسية والاجتماعية والقانونية على الأفراد والمجتمع، وإيجاد الحلول بما يتوافق مع نتائج البحث.
وأوصى أن تتكون عينة الدراسة من عينة عشوائية، واختيار المشاركين بشكل عشوائى لضمان تمثيلية العينة للسكان، إضافة إلى عينة غير عشوائية واختيار المشاركين بناءً على معايير محددة، مثل العمر والجنس والمنطقة الجغرافية.