إليزا فون يودن فورجى: تدمير %70 من البنية التحتية فى قطاع غزة
قالت الدكتورة إليزا فون يودن فورجى، المدير التنفيذى لمعهد «ليمكين الدولى لمنع الإبادة الجماعية والأمن البشرى»، إن سجل مصر فى التعايش السلمى يسمح لها بأن تلعب دورًا مهمًا للغاية فى المفاوضات الجارية لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لأنها يمكنها أن تجلب الاعتدال المطلوب للمناقشات، مؤكدة أنه على الولايات المتحدة أن تكون «الوسيط النزيه» لتحقيق السلام، بدلًا من بحثها عن ضمان الوصول العسكرى للشرق الأوسط.
وأوضحت، خلال حديثها إلى «الدستور»، أن جريمة الإبادة الجماعية فى قطاع غزة تعد تصعيدًا دراماتيكيًا لأنماط أقل وضوحًا داخل نظام «الفصل العنصرى» الإسرائيلى، مشيرة إلى أنه لم يصدر حتى الآن أى حكم دولى رسمى يقضى بأن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، كما أن التهجير القسرى لا يعد جريمة إبادة جماعية فى التفسيرات الحالية للقانون الدولى، بسبب بقايا عصر الاستعمار الأوروبى.
■ بداية.. ما الممارسات التى تم تصنيفها كأعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى؟
- باستثناء القرارات القضائية الصادرة عن المحاكم، لا توجد هيئات فى الوقت الحالى يمكنها رسميًا- نيابة عن سلطة أعلى- تصنيف الأفعال على أنها إبادة جماعية.
ومحكمة العدل الدولية، التى وافقت على النظر فى قضية رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، أصدرت قرارين مؤقتين فى تلك القضية يُلزمان إسرائيل باتخاذ تدابير فعالة لمنع الإبادة الجماعية، وتجاهلت إسرائيل هذه الأوامر، لكنهما لا يشكلان حكمًا رسميًا بالإبادة الجماعية.
وقد طلب مكتب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف جالانت، بتهمة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، والتسبب عمدًا فى معاناة شديدة، والقتل العمد، والهجمات المتعمدة ضد السكان المدنيين، والإبادة أو القتل، والاضطهاد، إلى جانب طلب إصدار مذكرات اعتقال بحق قياديى حركة «حماس» يحيى السنوار ومحمد ضيف وإسماعيل هنية، بتهمة الإبادة والقتل واحتجاز الرهائن والاغتصاب وغير ذلك من أعمال العنف الجنسى والتعذيب والمعاملة القاسية.
وقد اغتالت إسرائيل «ضيف» و«هنية» فى وقت لاحق، ولم تستجب الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية بعد لطلب مكتب المدعى العام.
وقد أصدر معهد «ليمكين لمنع الإبادة الجماعية والأمن البشرى»، وكذلك منظمة مراقبة الإبادة الجماعية، بيانات تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية فى غزة. وكلتا المؤسستين يقودهما ويديرهما علماء وطلاب فى دراسات الإبادة الجماعية ومنعها.
كما اتهم معهد «ليمكين» إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية فى الضفة الغربية، وأشار إلى أن إسرائيل، كدولة استعمارية استيطانية، ارتكبت إبادة جماعية فى عام ١٩٤٨ أثناء النكبة، وسعت إلى «الإبادة الجماعية البطيئة» منذ ذلك الحين. كما ذكر بعض العلماء أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية.
■ ماذا عن الجرائم التى تتعلق بحرب غزة؟
- فيما يتعلق بغزة، تنظر هذه الهيئات والأشخاص إلى الحقائق التالية: فهناك التصريحات التى أدلى بها القادة الإسرائيليون بعد ٧ أكتوبر، والتى تعبر عن نية الإبادة الجماعية، وأيضًا الاستجابة غير المتناسبة للجيش والحكومة الإسرائيلية لهجوم ٧ أكتوبر، وتجريم إسرائيل السكان الفلسطينيين بالكامل فى الأراضى المحتلة وغزة؛ وخطاب الكراهية المناهض للفلسطينيين على نطاق واسع فى المجتمع الإسرائيلى، وفى وسائل الإعلام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعى.
كما تنظر أيضًا إلى ظروف احتجاز الفلسطينيين دون تهمة، خاصة فى معسكرات خاصة مثل «سدى تيمان»، واستخدام الإذلال والتدنيس، خاصة من خلال العنف الجنسى، ضد الفلسطينيين- بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الوضع الاجتماعى- عند نقاط التفتيش فى غزة والضفة الغربية، وفى الاحتجاز، وعلى وسائل التواصل الاجتماعى «مثل الاستخدام الإباحى للملابس الداخلية النسائية من قبل الجنود الإسرائيليين، والتى يتم تصويرها بالفيديو ومشاركتها عبر الإنترنت».
وتنظر، كذلك، إلى تدمير إسرائيل للهياكل الثقافية والفكرية والدينية الفلسطينية، بما فى ذلك المساجد والكنائس والجامعات والمدارس والمكتبات والمقابر؛ وفرض إسرائيل ظروف المجاعة والمرض، وكذلك عرقلتها المساعدات الإنسانية.
■ هل تعد محاولات إجبار الفلسطينيين على الهجرة، سواء إلى الدول الأوروبية أو مصر، جريمة إبادة جماعية؟
- إجبار الناس على الهجرة لا يُفهم حاليًا على أنه يشكل إبادة جماعية من قبل معظم القضاة، ولكن عندما يتم الجمع بين الهجرة القسرية وأفعال مدرجة على وجه التحديد فى اتفاقية الإبادة الجماعية، وعندما تكون هناك نية لتدمير مجموعة على هذا النحو، يمكن محاكمة الهجرة القسرية باعتبارها إبادة جماعية.
وفى معهد «ليمكين» نعتقد أن الهجرة القسرية هى فى الغالب إبادة جماعية، لأن النية المعنية عادة ما تكون تدمير مظهر تاريخى للهوية على هذا النحو، وجريمة الهجرة القسرية تصاحبها دائمًا تقريبًا أفعال تغطيها اتفاقية الإبادة الجماعية. وعلاوة على ذلك، من الصعب جدًا الحفاظ على الهويات فى مجتمعات الشتات، حيث يتم تمزيق شبكات العلاقات الضرورية وتتم إزاحة القوة التوليدية للمجموعة من مصدرها. كما أن التهجير القسرى لمجموعات محددة هو أحد أكثر أشكال الإبادة الجماعية شيوعًا، وبالتالى أحد أكثر أشكال الإبادة الجماعية التى يتم تجاهلها، حيث ترغب الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية فى امتلاك هذا السلاح تحت تصرفها للحصول على ما تريد، أى الوصول إلى الأراضى الغنية بالمعادن، أو الوصول إلى الأراضى للاستيطان، أو إزالة مجموعة لا تحبها.
واستبعاد الهجرة القسرية من التفسيرات السائدة الحالية لاتفاقية الإبادة الجماعية هو من بقايا فترة الهيمنة الاستعمارية الأوروبية.
إننا نعتقد أن أى تهجير قسرى للفلسطينيين من ديارهم الأصلية كان وسيظل إبادة جماعية.
■ إلى أى مدى سيسهم وقف إطلاق النار والهدنة فى وقف الإبادة الجماعية فى غزة؟
- إن الإبادة الجماعية فى غزة هى تصعيد دراماتيكى لأنماط إبادة جماعية أقل وضوحًا داخل نظام الفصل العنصرى الإسرائيلى، والذى ينطوى على التآكل البطىء وسرقة الأراضى التى يسيطر عليها الفلسطينيون لصالح المستوطنين الإسرائيليين، والتدمير البطىء للهوية الفلسطينية من خلال إنكار الهوية والتدمير الثقافى والاستيلاء والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. وهذا يعنى أن عملية الإبادة الجماعية ستحتاج إلى أكثر من مجرد وقف إطلاق النار لوقفها.
ووقف إطلاق النار، أو الهدنة، من شأنه أن يوقف القتل فى غزة، وقد يسمح أيضًا بدخول الأدوية والغذاء والمياه وغيرها من الأساسيات الضرورية إلى المنطقة، لكن وقف إطلاق النار، أو الهدنة، إذا لم يكن دائمًا، فلن يكون له أى تأثير على وقف عملية الإبادة الجماعية، على الرغم من أنه قد يخفف من فتك هذه العملية.
■ كيف ترين الدور المصرى فى المفاوضات الحالية بشأن الحرب فى غزة؟
- تلعب مصر دورًا مهمًا للغاية فى المفاوضات، لأنها يمكن أن تجلب الاعتدال المطلوب للمناقشات، حيث تتمتع مصر بسجل من التعايش السلمى بين العديد من المجتمعات التاريخية المختلفة، ويمكنها أن تجلب التسامح والقبول والخبرة الكوزموبوليتانية إلى المفاوضات.
ومن المهم لمصر أن تسعى إلى السلام الدائم فى إسرائيل وفلسطين، من أجل القضايا الأخلاقية والأمن الإقليمى.
■ إلى أى مدى دُمر قطاع غزة، وكيف يمكن إعادة بنائه؟
- حتى يونيو ٢٠٢٤، دُمر ما يقدر بنحو ٧٠٪ من البنية التحتية المدنية فى غزة من قبل إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، واصلت إسرائيل تدميرها، وهى الآن تنتهج تكتيكات مماثلة فى الضفة الغربية.
وإعادة إعمار فلسطين سوف تتطلب جهدًا عالميًا، ففى شهر مايو الماضى قدرت الأمم المتحدة أن تكلفة إعادة الإعمار سوف تبلغ ٥٠ مليار دولار على الأقل، وينبغى أن يأتى معظم هذا المال من إسرائيل كشكل من أشكال التعويض عن الإبادة الجماعية.
وإعادة الإعمار لا بد أن تكون تحت السيطرة الفلسطينية، ولا بد أن يتم إنشاء لجنة دولية مستقلة لضمان سيطرة الفلسطينيين على البنية الأساسية المعاد بناؤها والوصول إليها، حتى لا يخسروا أراضيهم لصالح مصالح خاصة واسعة النطاق، نتيجة للإبادة الجماعية. وإعادة الإعمار سوف تكون بالغة الصعوبة، وسوف تستغرق وقتًا طويلًا للغاية، ولكنها قد تؤدى إلى ازدهار فلسطين إذا توافر الدعم العالمى والسيطرة الفلسطينية، لأن العالم، خاصة الولايات المتحدة مدينة للفلسطينيين بإعادة الإعمار، بعد أن تخلت عنهم بشكل مخزٍ وتركتهم لمصيرهم على أيدى إسرائيل.