رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية: اشتعال الصراع فى المنطقة يضغط على موارد الدولة ويعرقل جهود التنمية

الدكتور إكرام بدرالدين،
الدكتور إكرام بدرالدين، أستاذ العلوم السياسية

- قال إن سياسة الدولة المصرية مع الأزمات المحيطة تتسم بالتوازن والحكمة والمرونة

- إسرائيل تتهرب من التوصل لأى اتفاق لوقف الحرب فى غزة حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية

- الأزمة فى ليبيا تتمثل فى كثرة التدخلات الإقليمية والأجنبية.. ولا بد من اتفاق «سودانى- سودانى»

 

 

قال الدكتور إكرام بدرالدين، أستاذ العلوم السياسية، إن اشتعال الأزمات فى المنطقة يعرقل جهود التنمية فى مصر، لأن أمن مصر القومى مرتبط بالأمن العربى والأوضاع فى الإقليم ككل، مشيرًا إلى أن سياسة الدولة المصرية فى تعاملها مع الأزمات المحيطة تتسم بالتوازن والحكمة والمرونة، وتنادى بضرورة الحفاظ على سيادة مؤسسات الدولة، ووحدة أراضيها.

ورأى «بدرالدين»، فى حواره مع «الدستور»، أن إسرائيل تتهرب من التوصل لأى اتفاق لوقف الحرب الدائرة فى قطاع غزة حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة فى نوفمبر المقبل، لافتًا إلى أن الأزمة فى ليبيا تتمثل فى كثرة التدخلات الإقليمية والأجنبية، فيما يحتاج الأمر فى السودان إلى اتفاق «سودانى- سودانى»، لإيقاف الحرب التى وصل عدد ضحاياها إلى أكثر من ١٥٠ ألف شخص.

■ بداية.. كيف ترى ما يحدث على كل الحدود المصرية شرقًا وغربًا وجنوبًا؟

- المنطقة بأكملها تشهد حاليًا العديد من الأزمات، خصوصًا فى دول جوار مصر، والأزمات بالتأكيد لها تأثيراتها على الأمن القومى المصرى، لأن أمن مصر مرتبط بأمن الدول العربية، وتداعيات مشكلاتها.

وعلى سبيل المثال، ما يحدث فى ليبيا، الجار الغربى لمصر منذ سنوات، يشهد حاليًا احتمالية تجدد الصراع مرة أخرى، كما نشهد حاليًا ما يحدث فى السودان، الجار الجنوبى، من حرب أهلية مستمرة من أكثر من عام، وكذلك هناك أيضًا التطورات الخطيرة التى تحدث فى قطاع غزة، والتى استمرت لأكثر من ١١ شهرًا، وأيضًا التوترات فى المنطقة كلها، والحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران، والضربات المتبادلة بينهما، وبين الجماعات التى تؤيدها إيران وتوجد فى سوريا والعراق، والتى تقوم أيضًا ببعض الضربات ضد قواعد أمريكية.

■ ما التأثيرات والخسائر المباشرة وغير المباشرة لتداعيات تلك الأزمات على الأوضاع فى مصر؟

- كل تلك الأزمات التى ذكرتها تعنى أن الإقليم مشتعل، وهو ما يؤثر بالتأكيد على مصر، فاستمرار بؤرة الصراع فى دول الجوار نتج عنه الكثير من التأثيرات المباشرة على الأمن القومى المصرى، وتهديده، وكذلك شهدت مصر تدفقًا كبيرًا من أبناء هذه الدول العربية إليها، الأمر الذى أسهم فى زيادة الطلب بها، وضغط على كل مواردها.

وعلى سبيل المثال، هناك أيضًا التداعيات التى حدثت نتيجة ما يقوم به الحوثيون فى البحر الأحمر، وتأثيره المباشر على الاقتصاد الوطنى، نتيجة لجوء العديد من شركات الشحن البحرى حول العالم إلى تحويل مسار رحلاتها بعيدًا عن البحر الأحمر وخليج عدن، ما ألقى بظلاله على حركة التجارة البحرية عبر قناة السويس، وهو ما يعنى أن الاقتصاد المصرى يتأثر بتراجع هذه الإيرادات.

وبالتأكيد كل هذه التحديات جميعها، والتداعيات التى تحدث فى المنطقة، تؤثر على كل شىء فيما يتعلق بالملف التنموى والأمنى فى مصر، فهى تؤثر على الاقتصاد والتجارة، وكذلك على الممرات البحرية فى المنطقة، وتأثيرها سلبى بالتأكيد، وهذا ليس على مصر فقط بل على جميع دول المنطقة، ومن هنا تظهر أهمية احتواء هذه الأزمات والتداعيات من أجل استكمال دعم مسيرة التنمية، ولذا تقوم مصر بمجهودات مستمرة من أجل احتواء تطورات الإقليم وإعلاء قيم السلام.

■ حذرت مصر من توسع رقعة الصراع فى المنطقة وكان هذا محور تصريحات الرئيس السيسى فى كل اللقاءات والاتصالات والمحافل الدولية.. فكيف ترى ذلك؟

- وجهة النظر المصرية فى كل هذه القضايا تنطلق من مبدأ أن أمن مصر القومى مرتبط بأمنها العربى، وما يحدث فى ليبيا والسودان والصومال وغزة كله يؤثر على الأمن القومى المصرى، وأيضًا ترى مصر، عبر كل جهودها المبذولة، ضرورة احتواء هذه الأزمات والوصول إلى حلول سياسية، من جانب الأطراف داخل كل دولة، مع الحفاظ على كيان كل دولة ومؤسساتها ووحدة جيشها، وأيضًا ضرورة وجود توافق ورغبة فى الحل السياسى، لأن هذا يمنع التدخلات الإقليمية والدولية التى تزيد من حدة الأزمات.

ولذا، فإن السياسة التى تتبعها مصر فى تعاملها مع الأزمات المحيطة تتسم بالتوازن والحكمة والمرونة.

■ ما تقييمك للتحركات المصرية فى ملف حرب غزة وجهودها المستمرة فى رعاية المفاوضات من أجل التوصل لوقف إطلاق النار فى القطاع؟

- مصر تواصل، على مختلف الأصعدة، تحركاتها الدبلوماسية لحل القضية وحشد الدعم العربى والعالمى لرفع المعاناة على كاهل الشعب الفلسطينى، خاصة المدنيين من الأطفال والنساء، مع وقف نزيف الوحشية والهمجية من قبل الكيان الصهيونى.

والتحركات المصرية مستمرة من أجل إنهاء الحرب فى قطاع غزة، ومواصلة مسيرة المفاوضات للتوصل لاتفاق أولًا بوقف إطلاق النار بشكل دائم، وكذلك الإفراج عن الأسرى والرهائن من قبل الطرفين، ثم بعد ذلك تبحث عن أن تواصل المفاوضات مسيرتها لإيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية.

■ ماذا عن التحركات الإسرائيلية فى ملف المفاوضات حاليًا؟

- إسرائيل حتى الآن تتبع أسلوب المراوغة والتهرب من أى اتفاق يجبرها على أن توقف جرائمها أو حربها، أو يشتتها عن مخططاتها الشيطانية الخبيثة بإبادة الشعب الفلسطينى وتصفية القضية الفلسطينية.

ودائمًا عند الاجتماع بين وفود الأطراف المعنية، تظهر إسرائيل بحجج مختلفة، منها أن المفاوض الإسرائيلى ليست لديه صلاحية البت فى نقاط التفاوض وأن عليه العودة لإسرائيل لعرض الأمر، وكذلك تقدم إسرائيل طلبات جديدة فى كل مرة تحدث فيها مفاوضات.

فضلًا عن ذلك، تقوم إسرائيل بأعمال استفزازية، ليس فقط بالنسبة لقطاع غزة ولكن لمصر أيضًا، والدليل على هذا هو تمسكها بالسيطرة على محور صلاح الدين «فيلادلفيا»، الذى لا يهم الفلسطينيين فقط، بل هو ذو أهمية كبرى بالنسبة لمصر، ويمثل نوعًا من المخالفة والخرق لمعاهدة السلام.

وكل هذه المراوغات تسببت فى مظاهرات قوية داخل إسرائيل ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لأنه هو من يعوق التوصل إلى اتفاق للإفراج عن كل المحتجزين لدى حركة حماس فى القطاع، وفقًا لرأى الإسرائيليين أنفسهم.

■ هل تتوقع إتمام صفقة لوقف إطلاق النار فى غزة قريبًا؟

- هناك وجهات نظر متعددة فى هذا الأمر، ولا يمكن لأحد أن يتوقع أى موعد لإبرام اتفاق بوقف إطلاق النار، وذلك نتيجة مراوغة الجانب الإسرائيلى، واستمرار عرقلته التوصل إلى اتفاق، فى محاولة لإطالة أمد الحرب التى يجب أن تستمر فى تقديرهم لحين إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر المقبل.

ورغم تصريحات الجانب الأمريكى بقرب الوصول إلى حل، لكننا دائمًا ما نجد نوعًا من المراوغة من جانب إسرائيل، كما شهدنا فى الوساطة التى حدثت فى قطر، وبعدها ما حدث من مفاوضات متتالية فى القاهرة، ومع ذلك لم يتم التوصل إلى حلول.

■ بالانتقال إلى الحدود الغربية.. كيف ترى المشهد فى ليبيا والتحركات المصرية من أجل لم شمل الأطراف الليبية؟

- الأزمة فى ليبيا تتمثل فى كثرة التدخلات الإقليمية والأجنبية فى شئونها الداخلية، مما ساهم فى زيادة رقعة الصراع بالداخل بين الأطراف، ولكن من المصلحة الليبية والمصرية والعربية أن يتم التوصل لحلول نهائية لتجاوز الأزمة القائمة، بما يحافظ على وحدة الجيش الليبى ووحدة مؤسسات الدولة الليبية.

ووجهة النظر المصرية فى محاولاتها لتهدئة الأوضاع فى ليبيا تقوم على نفس المبادئ المعلنة، وتنادى بالحفاظ على كيان الدولة ووحدة الجيش الليبى ومؤسساتها، مع ضرورة التوصل لحل من قبل كل الأطراف الداخلية، وليس عبر تدخلات أجنبية من أى طرف، مع منع أى تدخلات إقليمية.

■ ماذا عن الوضع فى السودان؟

- يتعرض السودان لحرب أهلية، مما نتج عنها أزمات متعددة، ولعل أكبرها نزوح كثير من السودانيين نحو مصر، فضلًا عن تبديد ثروات ومقدرات الشعب السودانى بين الأطراف محل النزاع. والحرب فى السودان دفعت إلى نزوح أكثر من ١٫٢ مليون شخص خارج البلاد، كما أن التقديرات الدولية حول عدد ضحايا هذه الحرب تتحدث عن أنها تصل إلى ١٥٠ ألف شخص، وقد تزايدت حدة التصعيد العسكرى الداخلى فى السودان بعد محاولة اغتيال الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السودانى. ومصر تبذل جهودًا كبيرًا فى احتواء الأزمة فى السودان، وتقود جهودًا مكثفة، بالتعاون مع الأطراف المعنية، من أجل إنهاء الحرب الدائرة عبر اتفاق «سودانى- سودانى»، يحترم سيادة الدولة الشقيقة، ويلبى احتياجات وتطلعات شعبها الذى يسعى للتخلص من ويلات الحرب المستمرة.