وباء العصر.. كيف يمكن النجاة من تسونامى المعلومات المضللة؟
فى حواره الأخير مع قناة «CNBC Make It»، سلط الملياردير وعملاق التكنولوجيا الأمريكى، بيل جيتس، الضوء على «أزمة العصر»، المتمثلة فى انتشار المعلومات والأخبار الكاذبة على نطاق واسع، مستفيدة من التطور التكنولوجى الكبير لآليات وتقنيات الذكاء الاصطناعى، مُقرًا فى هذا الحوار بأن العالم «سلم هذه المشكلة إلى الشباب».
«إن سماع ابنتى تتحدث عن كيفية تعرضها للمضايقات عبر الإنترنت، وكيف عانى أصدقاؤها من ذلك كثيرًا، سلط الضوء على ذلك بطريقة لم أفكر فيها من قبل».. هذا كان الدافع وراء حديث وتحذير مؤسس «مايكروسوفت»، بعدما تحدثت ابنته «فيبى»، العام الماضى، عن تعرض أحد أصدقائها السابقين من ذوى البشرة السوداء إلى تعليق عنصرى عبر الإنترنت.
ولعل ذلك، أيضًا، ما دفع الملياردير الأمريكى لتناول المشكلة ذاتها، فى سلسلة أفلام وثائقية قادمة من ٥ أجزاء على «Netflix» بعنوان «ما التالى- المستقبل مع بيل جيتس»، المقرر عرضه لأول مرة فى ١٨ سبتمبر الجارى، ويقول فى عرض تمهيدى له: «لقد أخبرت ابنتى بأننى أشعر بالأسف لعدم وجود حل مفيد لإبطاء انتشار المعلومات المضللة».
وهنا فى مصر لا يختلف الأمر كثيرًا، بل يزداد سوءًا، خاصة مع وجود العديد من الجهات التى تتعمد نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة باستمرار لضرب استقرار الدولة، إلى جانب عدم إدراك كثير من المواطنين طرق التحقق من المعلومات.. فكيف يمكن النجاة من هذا الخطر؟
الاعتماد على المصادر الموثوقة.. وتدريب الشباب على «طرق التحقق»
قال محمد الجمل، خبير أمن المعلومات، إن العالم يعيش عصره الرقمى الآن، ما دفع الدولة إلى تغيير طريقة العمل فى جميع القطاعات الحكومية، وتحويلها من ورقية إلى رقمية، خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع ما أحدثه التقدم التكنولوجى الكبير من تغيير فى مختلف مناحى الحياة.
وأضاف «الجمل»، لـ«الدستور»: «هذا التغيير الكبير، ودخول الذكاء الاصطناعى فى كل المجالات، كان لا بد أن يقابله انتشار واسع وضخم للمعلومة، وتكوين لجان إلكترونية ترتبط مع بعضها البعض عن طريق سيرفرات، لنشر المعلومات الخاطئة والأخبار الكاذبة، بهدف تضليل عقول المواطنين، وإحداث الفتن والبلبلة فى المجتمع».
وواصل الخبير فى التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى: «دخول الذكاء الاصطناعى وفر الكثير من الأدوات أمام ناشرى المعلومة المغلوطة، لتحقيق هدفهم الرئيسى فى التضليل الفكرى، وهو ما نسميه الآن التكنولوجيا المضللة، التى تُستخدم بشكل كبير لتشويه السمعة ونقل الأخبار الكاذبة، وغيرها من الأمور السلبية».
وأكمل: «لذلك، يجب أن يكون الجميع أكثر حذرًا عند التعامل مع المحتوى الذى ينتجه الذكاء الاصطناعى، خاصة مع توفيره خاصية Deepfake أو التزييف العميق، وفيها يتم نقل وجه وملامح وجسد شخص معين إلى آخر، وإنتاج صور وفيديوهات مزيفة له من خلال برامج وتقنيات معينة، وهو ما شاهدناه فى الفترة الماضية لكثير من المشاهير».
وتابع: «الحذر الكامل مهم للغاية، لأنه من الممكن أن يتعرض أى شخص للمساءلة القانونية عند نشره فيديو مفبركًا أو خبرًا مزيفًا، دون الرجوع إلى المصدر الرسمى، بجانب التأثير السلبى لانتشار التقنيات الحديثة على الأطفال والشباب، من خلال التعليم الخاطئ، أو انتشار ألعاب مليئة بالعنف أو الإيحاءات الجنسية».
وطالب «الجمل» الجميع بالتأكد من أى معلومة منتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وإرجاعها إلى مصادر موثوقة، مثل الصفحات الرسمية على هذه المواقع، وبعض الصحف والمواقع الإخبارية الرسمية المعروفة، بجانب تدريب الشباب الصغار على طرق التحقق من المعلومات عبر «الذكاء الاصطناعى» نفسه، وبالتالى ضربهم بنفس طريقتهم، مع تنفيذ ذلك فى حصص مادة «البرمجة»، التى قررت الدولة إضافتها إلى التعليم الأساسى، بدءًا من العام الدراسى المقبل.
فى المقابل، أشار خبير أمن المعلومات والتحول الرقمى إلى إيجابيات التقدم الكنولوجى، وعدم اقتصاره على السلبيات فحسب، قائلًا: «كل حياتنا تتغير إلى الديجيتال، وهذا من شأنه أن يحدث إنجازًا فى العمل، ويحقق السرعة المطلوبة فى تنفيذ المشاريع الجديدة».
واختتم بقوله: «هذا ظهر جليًا فى افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى مراكز الحوسبة السحابية، المتوقع أن تنقل مصر نقلة كبيرة للغاية، من خلال دورها فى تخزين وتحليل البيانات الضخمة، بعد أن كانت مصر تعتمد على أوروبا فى تأجير السيرفرات اللازمة لذلك بمبالغ ضخمة من العملة الصعبة».
الحكومة تتيح موقعًا وبريدًا ورقمى «واتس آب» للتأكد من أى خبر
يواجه المركز الإعلامى لمجلس الوزراء الأخبار الكاذبة والمضللة على مدار الساعة، مع مطالبته مرتادى مواقع التواصل الاجتماعى بتحرى الدقة والموضوعية فى تداول أى أخبار مغلوطة من الممكن أن تؤدى إلى إثارة البلبلة، بجانب استيفاء المعلومات من مصادرها الرسمية. وكشف المركز عن أن هناك أكثر من طريقة للإبلاغ عن وجود شائعة، أو التأكد من خبر، من بينها الدخول على الموقع الإلكترونى لبوابة الحكومة المصرية egypt.gov.eg، أو من خلال التواصل عن طريق «واتس آب» على رقمى «٠١١٥٥٥٠٨٦٨٨» و«٠١١٥٥٥٠٨٨٥١»، وذلك على مدى ٢٤ ساعة طوال أيام الأسبوع، فضلًا عن إمكانية إرسال الشكوى أو الاستفسار عبر البريد الإلكترونى «[email protected]».
توعية المستخدمين.. وإجراءات رسمية لمواجهة منصات الكذب
حذر الدكتور محمد سعيد، خبير تكنولوجيا المعلومات، من خطورة المعلومات المضللة والكاذبة، خاصة على الأطفال الصغار، على رأسها تلك المولدة بالذكاء الاصطناعى، فى ظل ما تتمتع به من انتشار واسع، دون أى تحقق وتثبت.
وقال «سعيد»: «مثلما هناك إيجابيات للوسائل التكنولوجية المختلفة، على رأسها مواقع التواصل الاجتماعى والذكاء الاصطناعى، هناك سلبيات عديدة لها، خاصة على الأطفال، فمن الخطر جدًا وجودهم أمام أجهزة الكمبيوتر والهواتف المتصلة بالإنترنت، لأنهم لم يصلوا إلى مرحلة النضج العقلى والاجتماعى اللازم لمعرفة المعلومات الصحيحة من الخاطئة».
وأضاف «سعيد»: «المعلومات المغلوطة لها تأثير كبير على المجتمع، على ضوء خطورة تأثر الطفل أو الشاب بعالم خيالى مزيف، بكل ما فيه من معلومات مغلوطة وغير صحيحة، ما يدفعه إلى الانخراط فيه بقوة، والابتعاد تمامًا عن العالم الحقيقى، ما يؤثر بالتأكيد على كل مناحى حياته المختلفة العقلية والعاطفية». أما الدكتور محمد عزام، خبير أمن المعلومات، فوصف توليد المعلومات عبر الذكاء الاصطناعى بأنه «وباء العصر»، خاصة مع انتشاره بصورة كبيرة للغاية منذ ٤ سنوات حتى الآن، لدرجة ظهور أى شخص فى فيديو، على غير الحقيقة.
وأضاف «عزام»: «أدوات الذكاء الاصطناعى أصبحت متطورة بشكل كبير، وتستخدم فى التزييف والفبركة، مع استخدام الصور الثابتة وتحريكها وتحويلها إلى فيديوهات كاملة بأصوات»، مشددًا على أن «كل شىء أصبح من الممكن فبركته بعمق، والأدوات اللازمة لذلك أصبحت متاحة للجميع وغير مكلفة على الإطلاق». وأشار إلى أن هناك فيديو شهيرًا للرئيس الأمريكى جو بايدن كان يتحدث فيه عن مقتل قوات أمريكية فى أوكرانيا، وفى آخر المقطع هناك تنبيه بأنه مولد بالذكاء الاصطناعى، ورغم ذلك جرت مشاركته ٥٥٠ ألف مرة على منصات التواصل الاجتماعى.
وعن كيفية السيطرة على «وباء العصر»، كما وصفه، قال خبير أمن المعلومات: «لا بد من توعية الجميع بهذا الخطر، فى ظل وجود ٤ مليارات مستخدم على شبكة الإنترنت، ما يجعل السيطرة على الأمر فى غاية الصعوبة».
ونبه إلى أن الكثير من الدول أصبحت تقلق من التأثير المرعب للأخبار الكاذبة دون رقابة، ما دفعها لاتخاذ إجراءات لمواجهة ذلك، مثل البرازيل التى أوقفت منصة «X» فى البلاد بسبب نشر الأخبار الكاذبة، والاتحاد الأوروبى الذى وقّع غرامة بـ١٫٢ مليار جنيه على منصة «ميتا» بسبب نشر الشائعات، فى إطار مواجهة العالم «الوباء المعلوماتى» الذى نعيشه.
محامٍ: الحبس عقوبة نشر الشائعات والأخبار الكاذبة
وصف المحامى بالنقض، محمد بركات، نشر الأخبار الكاذبة والمغلوطة بأنها من الجرائم التى تهدد الأمن القومى المصرى، مشددًا على أن المجتمع عانى كثيرًا من هذه الظاهرة، لذا تحدث عنها قانون العقوبات بشكل واضح.
وأوضح «بركات» أن المادة «١٨٨» من قانون العقوبات تنص على «الحبس مدة لا تجاوز سنة، وغرامة لا تقل عن ٥ آلاف جنيه ولا تزيد على ٢٠ ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد، وبإحدى الطرق المتقدم ذكرها، أخبارًا أو بيانات أو شائعات كاذبة، أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام، أو إثارة الفزع بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة».
وأضاف المحامى بالنقض أن المادة رقم «٨٠ (د)» من قانون العقوبات، أيضًا، نصت على أنه «يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ٦ أشهر ولا تزيد على ٥ سنوات، وبغرامة لا تقل عن ١٠٠ جنيه ولا تجاوز ٥٠٠ جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل مصرى أذاع عمدًا فى الخارج أخبارًا أو بيانات أو شائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية فى الدولة أو هيبتها واعتبارها، أو باشر بأى طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد».
ونبه «بركات» إلى مادة أخرى فى قانون العقوبات، وهى «١٠٢ مكرر»، التى تنص على أن «يُعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ٥٠ جنيهًا ولا تجاوز ٢٠٠ جنيه، كل من أذاع عمدًا أخبارًا أو بيانات أو شائعات كاذبة، إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام، أو إلقاء الرعب بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن ١٠٠ جنيه ولا تجاوز ٥٠٠ جنيه، إذا وقعت الجريمة فى زمن الحرب».