عالم التكنولوجيا المضللة
وباء "الأكاذيب" يؤرق العالم.. ومصر تواجه بخطة الوعي وكشف الحقائق
باتت المعلومات المضللة والأخبار الزائفة، أشبه بـ"الوباء"، فهي تنتشر بشكل سريع، متسببة في كوارث كبرى على مستوى العالم، مع عدم القدرة على السيطرة عليها ومنع تسربها من مصادرها، التي أصبحت لا حصر لها، خاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي.
وهناك حرب شرسة في مختلف البلدان على مدار السنوات الأخيرة، ضد المعلومات غير الدقيقة والأخبار المغلوطة؛ لأن تأثيرها امتد بشكل كبير، وباتت فئات عمرية مختلفة تتداولها وتسلم بها - خاصة الشباب - دون التحقق من مدى صدقها.
الملياردير الأمريكي بيل جيتس، في حواره الأخير مع قناة "CNBC Make It"، إلى تسليم تلك المشكلة إلى جيل الشباب، لافتًا إلى أن "المعلومات المضللة أصبحت أكثر شيوعًا؛ حيث إن التقدم التكنولوجي مثل روبوتات الدردشة ذات الذكاء العام الاصطناعي يجعل من السهل توليد الأكاذيب ونشرها بسرعة".
وتابع:"سماع ابنتي تتحدث عن كيفية تعرضها للمضايقات عبر الإنترنت، وكيف عانى أصدقاؤها من ذلك كثيرًا، سلط الضوء على ذلك بطريقة لم أفكر فيها من قبل"، مؤكدًا لنجلته "أنه يشعر بالأسف لعدم وجود حل مفيد لإبطاء انتشار المعلومات المضللة".
التكنولوجيا المضللة تحارب العقول
وأشار خبير أمن المعلومات شاكر محمد الجمل، إلى أنّ العالم الآن أصبح في عصر الرقمنة والتحول الرقمي، ومصر غيرت على مدار السنوات الأخيرة جميع القطاعات الحكومية والقطاعات الخاصة وتحويلها من المرحلة الورقية إلى المراحل الرقمية الالكترونية، بجانب التغيير الذي يحدث في مختلف مناحي حياتنا.
ولفت "الجمل" في حديثه مع "الدستور" إلى أن "هذا التغيير الكبير الموجود في العالم ودخول الذكاء الاصطناعي، يقابله أيضًا انتشار واسع وضخم للمعلومة، وتوهج للجان الإلكترونية التي تكون من خلال أجهزة كثيرة من خارج الدولة، عن طريق ربط السيرفرات مع بعضهم البعض للتضليل ونشر المعلومات الخاطئة والأخبار الكاذبة لحدوث الفتن والبلبلة، وتضليل عقول المواطنين".
ونوه: بأنّ "الذكاء الاصطناعي جعل هناك العديد من الأدوات التي يستخدمها من يعملون على نشر المعلومة المغلوطة، لخلق نوع من أنواع التضليل الفكري، وهو ما نسميه الآن التكنولوجيا المضللة التي يتم استخدامها بغرض تشوية السمعة ونقل الأخبار الكاذبة".
تم إزالة أكثر من 12 مليون محتوى عبارة عن معلومات مضللة يمكن أن تؤدي إلى ضرر جسدي وشيك، على مدار شهور قليلة فقط في فيسبوك وإنستجرام.
المصدر: أرقام صادرة عن محمد عمر مدير شراكات الأخبار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة "فيسبوك" في 2021.
حصص البرمجة الحل
ونصح "الجمل" بضرورة "التأكد من أي معلومة منتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يتم إرجاعها لمصادر موثوقة مثل الجرايد الرسمية المتبعة قبل الاعتماد عليها ومواقع التواصل الاجتماعي الرسمية، بجانب تدريب الشباب والصغار على معرفة التحقق من المعلومة من خلال الذكاء الاصطناعي لمعرفة الحقائق، وضرب طريقتهم بنفس فكرهم وهو التدريب والتطوير وإضافة كل ذلك في حصص البرمجة التي ستتبعها الدولة في السنوات المقبلة في التعليم الأساسي".
وقال خبير أمن المعلومات والتحول الرقمي، إنّ:"كل حياتنا تتغير لـ(الديجيتال) وهذا من شأنه أن يحدث إنجازًا في العمل ويحقق السرعة المستمرة في تنفيذ المشاريع الجديدة، وهو ما ظهر جليًا بافتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي واهتمامه بمراكز الحوسبة السحابية، الذي نقل مصر نقلة كبيرة للغاية، وعمل علي تحليل للبيانات الضخمة وتخزينها بعد أن كانت مصر تعتمد على العامل الأوروبي وتقوم بتأجير السيرفرات الخارجية بالعملة الصعبة".
وأردف:"يجب أن يكون الجميع أكثر حذرًا عند التعامل مع المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي، لأن هناك من يقومون بوضع (Deepfake) وهو التزييف العميق ونقل صور وفيديوهات لشخص حقيقي من خلال بعض البرامج المساعدة في التضليل، وهو ما شاهدناه الفترة الماضية لأناس ليسوا حقيقيين بل مزيفين".
واستطرد "الجمل" في حديثه "الحذر الكامل مهم للغاية؛ لأنه من الممكن أن يتعرض أي شخص للمساءلة القانونية عند قيامه بنشر فيديو مفبرك أو خبر مزيف دون الرجوع للخبر الرسمي، بجانب التأثير الدائم على الأطفال والشباب، وهو ما يحدث بشكل مستمر من خلال التعليم الخاطئ أو الألعاب التي بها عنف أو التي تُحرّض على الإحائات الجنسية، ما يؤدي إلى التضليل المستمر والتأثير في فكرهم".
تم تصنيف المعلومات الخاطئة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي كأكبر خطر عالمي خلال العامين المقبلين.
المصدر: استطلاع أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير 2024.
عالم مزيف وخيال خصب
وحذر الدكتور محمد سعيد خبير التكنولوجيا، من خطورة المعلومات المضللة والكاذبة، وخاصة على الأطفال الصغار، ومن انتشار برامج الذكاء الاصطناعي، دون التحقق والتريث من المعلومات الصادرة عنها.
وتابع "سعيد" في حديثه مع "الدستور" "مثلما هناك من إيجابيات للتكنولوجيا والسوشيال ميديا هناك أيضًا السلبيات، وتحديدًا على الأطفال وكثرة تواجدهم أمام أجهزة الكمبيوتر والهواتف المتصلة بالإنترنت، خاصة وأنهم لم يصلوا لمرحلة النضج العقلي والاجتماعي اللازم لمعرفة المعلومات الصحيحة من الخاطئة".
وحول تأثير المعلومات المغلوطة، قال الخبير التكنولوجي، إن "لها تأثير كبير على المجتمع؛ حيث يتأثر الطفل أو الشاب بالعالم الخيال المزيف والمعلومات المغلوطة الموجودة فيه، ويبدأ ينخرط فيه وينعزل عن العالم الحقيقي، وهو بالتاكيد يؤثر كثيرًا على مناحي حياته المختلفة العقلية والعاطفية".
أكثر من نصف الأمريكيين يرون أن الحكومة الأمريكية وشركات التكنولوجيا يجب أن تعمل على تقييد المعلومات الكاذبة عبر الإنترنت.
المصدر: استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2023.
وباء معلوماتي خطير
الدكتور محمد عزام، خبير أمن المعلومات، وصف توليد المعلومات عبر الذكاء الاصطناعي بأنه "وباء العصر، وانتشر بصورة كبيرة منذ أربع سنوات تحديدًا وتضاعفت الأزمة، مبينًا أنه يمكن كتابة نص مفبرك وتركيبه على فيديو له وهو يتحدث عن شيء آخر".
وأوضح لـ"الدستور"، أن "أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت متطورة بشكل كبير ويمكن الفبركة بها، واستخدام الصور الثابتة وتحريكها وتحويلها للفيديوهات كاملة بأصوات".
وأشار إلى أن هناك واقعة شهيرة للرئيس جو بايدن كان يتحدث فيه عن مقتل قوات أمريكية في أوكرانيا وفي آخر الفيديو كان هناك تنبيه أنه مخلوق بالذكاء الاصطناعي ورغم ذلك تمت مشاركته 550 ألف مرة إلى منصات التواصل الاجتماعي.
وذكر أن حجم الوعي على السوشيال ميديا يتضاعف كل فترة، لأن كل شيء يمكن أن يتم فبركته بعمق والأدوات أصبحت متاحة للجميع وغير مكلفة على الإطلاق.
وعن كيفية السيطرة عليه، قال إنه “لا بد من التوعية لأن وجود 4 مليار إنسان على الإنترنت كل يوم صعب السيطرة عليه”، مبينًا أن "البرازيل أوقفت منصة إكس بسبب نشر الأخبار الكاذبة".
واختتم:"ووقتها اعترض الشعب بسبب كبت الحريات لكن الدول تقلق الآن من التأثير المرعب للأخبار الكاذبة بدون رقابة وأصبحت تأخذ إجراءات مثل الاتحاد الأوروبي الذي وقع ١.٢ مليار جنيه على منصة ميتا بسبب نشر الشائعات، فالعالم كله يواجه وباء معلوماتي".
الحبس والغرامة في القانون المصري
وعن الرأي القانوني وخطورة نشر الأخبار الكاذبة وتأثيرها، قال المحامي بالنقض محمد بركات، إن الأخبار الكاذبة والمغلوطة، حذر منها قانون العقوبات المصري بشكل واضح، وأنها تعتبر من الجرائم التي تهدد الأمن القومي.
وتابع "بركات" في حديثه مع "الدستور" أنّ "القانون في مادته 188 يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة".
وواصل "المادة رقم 80 (د) من قانون العقوبات نصت على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى العقوبتين كل مصرى أذاع عمدا في الخارج أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد".
وتحدث "بركات" عن مادة آخرى في القانون وهي 102 مكرر والتي تنص على، "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تجاوز مائتي جنيه كل من أذاع عمدا أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه إذا وقعت الجريمة فى زمن الحرب".
جميع الصور المستخدمة تم إنشاءها عن طريق مواقع الذكاء الاصطناعي حول عالم الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة.
مجلس الوزراء يواجه الأزمة
ويواجه المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري الأخبار الكاذبة والمضللة على مدار الساعة، وطالب من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي تحري الدقة والموضوعية في تداول أي أخبار مغلوطة من الممكن أن تؤدي إلى إثارة البلبلة، مشددًا على ضرورة استيفاء المعلومات من مصادرها الرسمية.
وأعلنت الصفحات الرسمية لمجلس الوزراء على كافة منصات مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك أكثر من طريقة للإبلاغ عن وجود شائعة أو التأكد من خبر وهي "الدخول على الموقع الإلكتروني لبوابة الحكومة المصرية egypt.gov.eg، أو من خلال التواصل عن طريق الواتس آب طوال أيام الأسبوع على مدى 24 ساعة على 01155508688 –01155508851".
وأكد المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري أنه من الممكن إرسال الشكوى أو الاستفسار عن عبر البريد الالكتروني :([email protected]).