الخيارات فى تحدى السد الإثيوبى
كان الله فى عون الدولة المصرية، التى تواجه، كما قلت مرارًا وتكرارًا، الكثير من التحديات الجسام والتى لا يتحملها إلا شعب أبى مثل المصريين. فرغم الحرب الإسرائيلية البشعة وتداعياتها المؤلمة، واشتعال المنطقة بأكملها من جراء هذه الحرب الغاشمة، فإن مصر تواجه تحديًا كبيرًا أيضًا فى ذات الوقت. يتمثل فى التصرفات الحمقاء التى تقوم بها إثيوبيا بشأن بناء السد. الحقيقة أن أديس أبابا تغافلت كل المواثيق وكل القرارات الدولية، وراحت تتصرف بأحادية فى بناء السد الإثيوبى. ومؤخرًا قامت مصر بتقديم مذكرة إلى مجلس الأمن تضمنت رفض السياسة الأحادية من جانب إثيوبيا ومخالفتها إعلان المبادئ الموقع عام ٢٠١٥. وبالتالى باتت هناك خيارات كثيرة أمام الدولة المصرية للرد على هذه التصرفات الحمقاء.
لقد تحدثت من قبل أننى مطمئن تمامًا للمفاوض المصرى الذى يقوم بمهمة وطنية بشأن السد الإثيوبى، وتأثيره على حصة مصر المائية. وقلت إن الذى يجعلنى مطمئنًا أن المفاوض المصرى يتمتع بذكاء شديد ويضع أمامه قاعدة راسخة ومتينة هى ضرورة عدم تأثير السد على حصة مصر المائية، كما أن المفاوض المصرى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يفرط فى حقوق مصر التاريخية من المياه.
كما أن اتفاق المبادئ الذى وقعته مصر، لا يوجد به على الإطلاق، أى تفريط فى حقوق البلاد التاريخية والقانونية، وبالتالى فإن المفاوض المصرى وهو يتمتع بقوة وعلم فى مواجهة الآثار السلبية التى حدثت منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ وأثناء فترة حكم الإخوان التى غارت إلى غير رجعة، هذه الفترة التى استغلت فيها إثيوبيا الموقف المضطرب فى مصر، وغيرت من تصاميم السد وزادت من السعة التخزينية له.
كل الآثار السلبية التى حدثت خلال فترة حكم الإخوان التى استمرت اثنى عشر شهرًا يأخذها فى الاعتبار المفاوض المصرى.. كما يأخذ فى الاعتبار أيضًا أحقية إثيوبيا فى النهضة، مقابل عدم وقوع أى ضرر على المصريين أو التأثير على حصة البلاد المائية.. فإذا كان من حق إثيوبيا أن تقيم نهضة، فإن من حق مصر أن تعيش ولا تتضرر أبدًا من بناء السد، وهذه هى الأمور التى يضعها المفاوض المصرى نصب عينيه.
وقلت كثيرًا إن الأخطار التى تحاك ما زالت قائمة، فلا تزال كل المخططات الإجرامية الشيطانية المدبرة للنيل من البلاد مستمرة، وهذا ما تؤكده كل المؤشرات والدلائل، فالذين يريدون النيل من مصر لا يستسلمون ولديهم مخططات بديلة، بهدف إضعاف مصر والمنطقة ولا بد من التصدى والمواجهة لهذه المخططات بقوة.. والدولة تدرك حجم هذه التحديات، ويجب على المصريين الآن مساندة الدولة وحمايتها حتى تتم إعادة البناء. مصر استمرت على مدار عدة عقود أشبه بالخرابة وزاد فيها عدد الفاسدين، وتكرشت بطون العملاء والخونة بشكل يدعو إلى الحسرة والألم.
وجاءت ثورة ٣٠ يونيو ليستعيد المصريون حريتهم ويتخلصوا من حكم الإخوان الذى كان أداة فى يد الغرب وأمريكا. ومخطئ كل من يظن أن المخططات الغربية- الأمريكية قد زالت أخطارها عن مصر، فالدول التى تريد تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد لا تزال تواصل ألاعيبها من أجل تفتيت الأمة العربية وتقسيم المنطقة، طبقًا لما يسمى اتفاقية سايكس بيكو الثانية، لصالح إسرائيل.. والمصريون يعرفون ذلك ويدركونه، وكانت أكبر صدمة للغرب وأمريكا هى الثورة التى أصابت أصحاب هذه المخططات بخيبة أمل كبرى لأنه طبقًا لما كان يخططون له يعتقدون أن جماعة الإخوان الإرهابية ومَن على شاكلتهم بوسعهم تحقيق الحلم الغربى- الأمريكى، ولأن الرئيس عبدالفتاح السيسى لديه رؤية نافذة وبُعد نظر، ويدرك تمامًا أن هذه المخططات وتلك الألاعيب من دول لا تريد الخير لمصر ولا للمنطقة العربية، فإنه دائم التحذير والتنبيه بأن الأخطار ما زالت تحاك ضد مصر والأمة العربية جمعاء، وإن الأمر يحتاج من المصريين إلى الإدراك جيدًا بأن هذه الأخطار مستمرة حتى ولو تظاهرت الدول المدبرة بأنها تراجعت. الدول الغربية تواصل مخططاتها الإجرامية، لكن بطرق بديلة عن المتعارف عليها، وبالتالى يجب ألا نأمن جانبها، وأعتقد أن الأجهزة المصرية تعلم ذلك وتواجهه بشكل عملى.
ولذلك يجب أن ندع الفرصة للدولة المصرية تقوم بواجبها الوطنى فى مسألة السد الإثيوبى، وهى قادرة على اجتياز هذا التحدى الكبير، كما اجتازت الكثير من التحديات.