الدستور تكشف أسرار النصب على الشباب من شركات «إلحاق العمالة بالخارج»
فى ضربة قاضية لتجار الأحلام ومستغلى طموحات الشباب، تواصل وزارة العمل إغلاق شركات إلحاق العمالة المخالفة، التى طالما تاجرت بآمال الباحثين عن فرص أفضل خارج حدود الوطن، وكانت بمثابة سراب فى صحراء البطالة، تلوح بواحات وهمية من الوظائف المغرية، لكن تختبئ خلف واجهتها البراقة ممارسات من الاستغلال والتلاعب بمصائر الآلاف.
وقرر محمد جبران، وزير العمل، الأربعاء الماضى، وقف نشاط اثنتين من شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج، لمخالفتهما أحكام قانون العمل رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣، والقرارات الوزارية المُنفذة له، وذلك بعد أيام من إيقاف ٨ شركات مماثلة.
على مدى سنوات طويلة، تركت هذه الشركات المخالفة قصصًا مؤلمة لعمال وجدوا أنفسهم فى غربة مضاعفة، غربة الوطن وما أقساها من غربة، وغربة الحقوق الضائعة، ليكون إغلاق هذه الشركات إيذانًا بفتح صفحة جديدة لحماية حقوق العمالة المصرية فى الخارج، ومنع التلاعب بأحلامهم والنصب عليهم، وضمان كرامتهم فى سبيل بحثهم عن واقع أفضل.
«الدستور» ترصد فى السطور التالية قصص عدد من الشباب الذين وقعوا ضحية لشركات إلحاق العمالة المخالفة؛ ما تسبب فى ضياع أموالهم وحقوقهم، بعد أن وجدوا الواقع مخالفًا كل الوعود المغرية البراقة التى تلقوها قبل السفر، إلى جانب التواصل مع عدد من المسئولين والمتخصصين، لمعرفة ما وصلت إليه هذه الظاهرة، وكيف يمكن مواجهتها ومنع حدوثها مرة أخرى.
«العمل» تنشر أسماء الشركات المحظورة على موقعها
كشفت وزارة العمل عن قائمة لعدد من شركات إلحاق العمالة فى الخارج، حذرت المواطنين من التعامل معها، لحين زوال سبب الحظر، وذلك على موقعها الإلكترونى الرسمى على شبكة الإنترنت.
وضمت القائمة المنشورة: شركة مصر الشرق الأوسط لإلحاق العمالة المصرية بالخارج «ترخيص رقم ٦٠٧»، وشركة مودّة لإلحاق العمالة المصرية بالخارج «ترخيص رقم ١٠٥٥»، وشركة همبور لإلحاق العمالة المصرية بالخارج «ترخيص رقم ١٠٨٦»، وشركة النوبة لإلحاق العمالة المصرية بالخارج «ترخيص رقم ٥٥٨».
وتضمنت كذلك: شركة نيو كايرو الخليج لإلحاق العمالة المصرية بالخارج «ترخيص رقم ٩٢٢»، وشركة الوفاق لإلحاق العمالة المصرية بالخارج «ترخيص رقم ٥٧٨»، وشركة أى إن أى إيجيبت لإلحاق العمالة المصرية بالخارج «ترخيص رقم ٥٣٢»، وشركة روافد الخليج لإلحاق العمالة بالخارج «ترخيص رقم ٩٦٤»، وشركة زهور النيل للعمالة بالخارج «ترخيص رقم ١١٣٠».
ونبهت وزارة العمل، فى بيان، إلى أن الطريق الآمن للعمل فى الخارج يمر عبر قنواتها الرسمية، داعية الراغبين فى السفر للعمل إلى التسجيل عبر موقعها الإلكترونى، أو التوجه مباشرة لإدارة التشغيل فى الوزارة، إلى جانب توثيق العقود والتأشيرات قبل السفر، مع استعدادها لمراجعة كل الإجراءات والتأكد من ضمان سلامتها قانونيًا.
وأضافت أنه فى حالة مواجهة أى مشكلات فى الخارج، يمكن للعمال التواصل مع مكاتب التمثيل العمالى، عبر صفحاتها الرسمية على «فيسبوك»، من خلال إرسال رسالة نصية بالشكوى أو الاستفسار المطلوب، على أن يتم الرد عليها من خلال المركز الإعلامى للوزارة، أو عن طريق التواصل المباشر مع مكاتب التمثيل فى الخارج.
أحمد خالد: مكتب وهمى نصب علىّ فى 10 آلاف جنيه بـ«خدعة الكفيل»
قصتنا الأولى صاحبها أحمد خالد، المهندس الزراعى الثلاثينى، الذى وجد فى السفر إلى الخارج طوق نجاة للهرب من ضيق الحال، وهو ما بدأ بقراءته إعلانًا على إحدى صفحات «فيسبوك»، فى يناير الماضى، يطلب مهندسًا زراعيًا للعمل فى إحدى شركات المبيدات الحشرية فى المملكة العربية السعودية.
وجد «أحمد» فى الإعلان ضالته، فعقد العزم على السفر من الدقهلية إلى القاهرة، وتحديدًا إلى المكتب الذى أعلن عن الوظيفة المنتظرة، الموجود فى حى الدقى، هناك التقى أحد العاملين فى المكتب، الذى طلب منه الانتظار لحين وصول «الكفيل السعودى»، الذى سيتحدث معه فى كل التفاصيل التى يريدها.
لم تمر دقائق حتى ظهر شخص ادعى أنه «الكفيل السعودى»، وبعد وقت قصير من الحديث حول طبيعة العمل، زفّ «الكفيل» إلى المهندس الزراعى الشاب خبر قبوله، طالبًا منه الاستعداد للسفر وتجهيز الأوراق اللازمة لذلك.
هنا تسلمه أحد العاملين فى المكتب، وأخبره بأنهم على استعداد لإنهاء كل أوراق السفر، دون الحاجة لزيارة السفارة السعودية، أو توقيع الكشف الطبى، وكل ما عليه دفع ٥٠٠٠ جنيه، قبل تسليمه كل الأوراق المطلوبة خلال أسبوع واحد.
استنزاف «أحمد» ماديًا لم يقف عند هذه المرحلة، بل طالبه المكتب أيضًا بدفع ٥٠٠٠ جنيه أخرى، نظير ملء استمارة العمل، وبعد تحصيل هذه المبالغ، طُلب منه انتظار تأشيرة العمل، ليعود إلى محافظته من جديد، فى انتظار الأمل الزائف.
لكن مر شهران دون أى اتصال من المكتب كما اتفقوا معه، فتواصل معهم هو، طالبًا استرجاع أمواله أو الحصول على تأشيرة العمل، لكن لم يجد منهم سوى المماطلة، وزعم أن «التأشيرة تحتاج وقتًا أطول».
ومع استمرار المماطلة، دخل المهندس الشاب فى مشادة مع أحد مسئولى المكتب هاتفيًا، وهنا قرر مواجهتهم واتهامهم بالنصب فى مكانهم، فتوجه مرة أخرى إلى المكتب فى الدقى، ليفاجأ لدى وصوله إلى المقر بأن المكان مغلق، فسأل الجيران المحيطين به، ليؤكدوا له أنه مكتب وهمى، ونصب عليه فى ١٠ آلاف جنيه.
شادى عباس: لم أجمع المبلغ فقالوا «هات اللى معاك»
القصة الثانية يرويها شادى عباس، المراقب الصحى الأربعينى، وبدأت بالطريقة ذاتها، من خلال قراءة إعلان على «فيسبوك» عن وظيفة «مراقب صحى فى سلطنة عمان براتب شهرى يبلغ ٣٥٠ ريالًا عمانيًا».
لمعت عينا «شادى»، وقرر عقد مقابلة مع مسئولى المكتب المُعلِن للحصول على الوظيفة والسفر، لتحسين أوضاعه المادية، فى ظل كثرة المصروفات المطلوبة منه، لوجود ابنين له فى المرحلتين الإعدادية والثانوية العامة، وغيرها من متطلبات المعيشة.
انتقل من محافظته المنيا إلى القاهرة، حاملًا معه ٢٠٠٠ جنيه وجواز سفره، وتوجه إلى شارع «فيصل» حيث المكتب المعلن، وهناك طلبوا منه صورة من جواز سفره و٣٠٠٠ جنيه، لملء استمارة التوظيف وتحديد مقابلة مع «الكفيل».
وعندما أخبرهم بأنه لا يملك المبلغ كاملًا، لم يعترضوا على الأمر، وأخبروه بأنه يمكنه سداد باقى المبلغ بعد تحديد المقابلة، فتهللت أساريره ودفع المبلغ الذى يحمله، وهو ٢٠٠٠ جنيه، وبعد أسبوع، حاول التواصل معهم، لمعرفة ما إذا تم تحديد موعد لـ«لقاء الكفيل» أم لا، لكنه فوجئ بالصدمة المعتادة والمتكررة فى مثل هذه الوقائع، إذ فوجئ بإغلاق كل هواتف المكتب، فانتابه القلق، ما دفعه للسفر إلى القاهرة لمعرفة ما يحدث، ليجد ما توقعه بالفعل، شقة المكتب مغلقة. وعندما وجده أحد الجيران يطرق الباب بشدة دون إجابة، أخبره بأن المكتب أُغلق لثبوت محاضر نصب ضده.
عامر ناجى: اتحبست شهرين بسبب إعلان «مطلوب سائق»
القصة الأخيرة يرويها عامر ناجى، وهو شاب ثلاثينى حاصل على دبلوم فنى، ومثل سابقيه سعى للسفر إلى الخارج؛ لتحسين الأوضاع المادية له ولأسرته، ووجد ضالته فى إعلان على «فيسبوك» يطلب سائقين للعمل فى المملكة العربية السعودية، مقابل ٢٥٠٠ ريال سعودى، إلى جانب «سكن وطعام وإنترنت».
كان العرض أشبه بـ«تذكرة ذهبية إلى عالم الرخاء»، وفق تعبير «عامر»؛ لذا سارع للقاء أحد المسئولين عنه وهو «الأستاذ على»، كما أطلق عليه، خاصة أنه «شخص ذو سمعة طيبة» فى قريته «طوة» بمحافظة المنيا، ما جعله لا يشك فيه أبدًا.
طلب «الأستاذ على» من «عامر» دفع ٣٠ ألف جنيه «تكلفة تأشيرة السفر»، إضافة إلى تحمله تكلفة تذكرة الطيران، ومصاريف الكشف الطبى، وفى سبيل ذلك اضطر الشاب الثلاثينى للاستدانة من أجل الحصول على هذا المبلغ. وعندما عاد إليه بالمبلغ المطلوب، أخبر «الأستاذ على» الشاب بأنه سيعمل كموظف فى إحدى الشركات السعودية، ولن يدفع أى مبالغ أخرى، فأى تكلفة أخرى ستتحملها الشركة السعودية.
بعد أيام تسلم «عامر» تأشيرة السفر بالفعل، وفى اليوم الموعود، سافر إلى السعودية، لكن عندما وصل لم يكن أحد فى انتظاره، وحين سأل عن اسم الشركة المفترض أن يعمل لديها، اكتشف أنه اسم وهمى لا وجود له، حاول الاتصال بـ«على» لفهم ما يحدث، باعتبار أن كل الأوراق سليمة، لكنه لم يجب على اتصالاته.
ظل «عامر» محبوسًا فى السعودية لمدة شهرين، حتى تعرف على عدد من الأصدقاء المصريين هناك، الذين دبروا له تكلفة تذكرة العودة، لتنضم إلى قائمة الديون التى تنتظره فى مصر بسبب هذه «السفرية».
برلمانى: على الشباب التعامل مع مكاتب التوظيف الرسمية
حذر عبدالفتاح محمد، أمين سر لجنة «القوى العاملة» بمجلس النواب، الشباب من الوقوع ضحية للإعلانات المغرية لشركات التوظيف الوهمية، داعيًا إياه إلى اللجوء لمكاتب القوى العاملة وملتقيات التوظيف الرسمية، للحصول على فرص عمل موثوقة.
ودعا أمين سر لجنة «القوى العاملة» الشباب إلى «تثقيف أنفسهم حول سوق العمل»، وعدم الانسياق وراء وعود شركات التوظيف المشبوهة، وهو ما يحتاج كذلك إلى تعزيز دور مكاتب القوى العاملة، وتنظيم عمل شركات التوظيف.
قانونى: الحل فى تكثيف الرقابة وتغليظ العقوبات
قال حمدى مرزوق، المستشار القانونى، إن «النصب» الذى يُعاقب صاحبه بالحبس، وفقًا لنص المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات، هو إيهام الضحية بوجود مشروع كاذب، أو حصوله على ربح وهمى، تمامًا كما يحدث من قبل مكاتب إلحاق العمالة «النصابة».
وأضاف «مرزوق»: «هذه المكاتب تستغل طموحات الشباب وحاجتهم للعمل، لذا لا بد من تكثيف الرقابة عليها، لحماية الشباب الساعين لتحسين أوضاعهم المعيشية، إلى جانب تغليط العقوبات على أصحاب هذه المكاتب الوهمية».