رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيلادلفيا.. حقل ألغام اتفاق الأسرى

لا يزال رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ورئيس هيئة أركان الجيش، هرتسى هاليفى، ووزير الدفاع، يوآف جالانت، يذَّرون الرماد فى العيون، حول ضرورة البقاء فى محور فيلادلفيا، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلى يقول إنه لا جدوى لبقائه هناك، لأن نقل الأسلحة والذخائر من سيناء إلى القطاع توقف منذ زمن بعيد.. وقد تحول محور فيلادلفيا إلى حقل ألغام رئيسى، فى الاتفاق على صفقة الأسرى بين إسرائيل وحماس، مع أن «عدم تحريرهم قد يؤدى إلى مقتلهم كلهم، وإلى حرب إقليمية»، كما يؤكد اللواء السابق فى احتياط جيش الاحتلال، إسحاق بريك، فى مقالٍ بصحيفة «معاريف» الإسرائيلية.

قبل أيام قليلة من بدء الجيش الإسرائيلى عملياته فى قطاع غزة، اجتمع بريك مع نتنياهو وجهًا لوجه، وفهم أن نتنياهو يدرك تمامًا أنه ليس لدى الجيش الإسرائيلى حل لمسألة محور فيلادلفيا، دون إغلاق الأنفاق التى تمر تحت المحور، وأن تموضع الجيش الإسرائيلى فوق محور فيلادلفيا ليس له أى معنى، لأن قوات الجيش فى المحور «لا يملكون السيطرة المطلقة على الأنفاق التى تمر من تحتهم»، وأشار إلى ما ذكره المقاتلون الذين أكدوا أن «عشرات الأنفاق التى عرضها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى فى رفح، على أن الجيش ضربها، كانت فى معظمها أنفاق لا تعبر الحدود فى اتجاه سيناء، بل أنفاق تستخدمها حماس فى رفح نفسها.. تلك الأنفاق التى يزعم الجيش الإسرائيلى أنه دمرها، ليست سوى رأس جبل الجليد».

وكشف بريك عن أنه تحدث إلى قادة وجنود ميدانيين، خدموا لعدة أشهر فى محور فيلادلفيا، قالوا له «لا يوجد قتال وجهًا لوجه مع حماس»، حماس تمارس حرب عصابات، تقوم بزرع العبوات وتفخيخ المنازل التى تدخلها قواتنا، ومعظم الإصابات فى صفوفنا هى من دخول منازل مفخخة ونيران حماس المضادة للدروع، التى تخرج من فتحات الأنفاق وتطلق النار وتختفى مرة أخرى داخل الأنفاق.. كل ذلك، لم يمنع نتنياهو من طرح شرط لا مساومة فيه على مفاوضى وقف إطلاق النار، بإبقاء قواته على محور فيلادلفيا، وهو الشرط الذى سيمنع التوصل إلى اتفاق لتحرير الأسرى.. مع أن بقاء القوات الإسرائيلية فى محورى فيلادلفيا ونتساريم، الذى تمر تحته أيضًا أنفاق لم يسيطر عليها الجيش الإسرائيلى، لا معنى له، ولا يحل المشكلة كليًا.. إلا أن تمسك هاليفى بمحور فيلادلفيا «يعطى انطباعًا خاطئًا للمستوى السياسى عن أهمية المحور.. وبالتالى يعطى شرعية لنتنياهو وزمرته، للإصرار على البقاء فى محور فيلادلفيا، ويسهم بشكلٍ حاسم فى إفشال مفاوضات الاتفاق».. لماذا؟.

لأن رئيس الأركان، هرتسى هاليفى، كان قد قال، «إذا طُلب منا البقاء فى محور فيلادلفيا سنبقى، وإذا طُلب منا مغادرته سنغادر، وإذا لزم الأمر سنخرج ونقوم بتوغلات»، وهذا مجرد كلام لإطناب آذان نتنياهو.. فلو كان رئيس الأركان يؤمن بالأهمية الحاسمة للتمسك بمحور فيلادلفيا، لقال ذلك بكل حزم، وليس كلامًا يُحمل على وجهين.. فضلًا عن أن «هاليفى يدرك أنه لا جدوى من الوضع الحالى فى السيطرة على محور فيلادلفيا»، وحسب بريك فإن هاليفى يريد ببساطة تمجيد نجاحاته التى لم يُحقق فيها أى هدف من أهداف الحرب: لا تقويض لحماس ولا تحرير لجميع الأسرى.. وما كلام رئيس الأركان والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلى بشأن تسجيل ما يقرب من ألف قتيل من حماس فى معارك رفح، إلا «كذب صارخ».. وبهذه الحيلة، فإن نتنياهو يفجر محادثات القمة فى القاهرة والدوحة، ويعرض حياة الأسرى وإسرائيل للخطر!.

فى حالة استمرار حرب الاستنزاف التى تدور فى جنوب وشمال الأراضى المحتلة، فإن هذا سيؤدى إلى انهيار دولة إسرائيل خلال عام واحد فقط.. ووزير دفاع الاحتلال بدأ يدرك أنه فى حال اندلاع حرب إقليمية، بسبب عدم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، فستكون إسرائيل فى خطر، كما يجب أن يدرك جالانت، أن الحرب فقدت غايتها «فنحن نغرق فى مستنقع غزة، نفقد الجنود دون أى فرصة لتحقيق الهدف الرئيسى، وهو القضاء على الفصائل الفلسطينية».. هذه الحكومة، سواء على المستوى السياسى أو العسكرى، تقود إسرائيل نحو الهاوية، ولا بد من استبدال تلك الحكومة، التى وصفها بريك، بـ«المتطرفة»، قد ينقذ إسرائيل من أزمة وجودها فى المنطقة، حيث قد نصل قريبًا إلى نقطة اللا عودة.
وقد حذّر إسحاق بريك، من تبعات رفض رئيس حكومة الاحتلال، بنامين نتنياهو، إبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس والمقاومة فى غزة، مشبِّه تأثير ذلك بتأثير «قنبلة نووية أُسقطت على إسرائيل، لكن دون أثر إشعاعى»، لأن رفض الصفقة هذه المرة أيضًا سيؤدى إلى «فقدان إسرائيل الأسرى إلى الأبد، ووضعها على شفا حرب إقليمية ستخلف خسائر فادحة».. فالجيش الإسرائيلى يواصل القتال فى قطاع غزة، ويتوغّل «مرارًا وتكرارًا، وبلا هدف».. وعلى الرغم من أنه ينجح فى تدمير العقارات وقتل المدنيين بعشرات الآلاف فوق الأرض، فإنّه «لا يستطيع إيقاف حماس، التى توجد بالتأكيد فى مدينة الأنفاق، وعادت إلى حجمها قبل الحرب، وانضمّ إليها فتيان وشبان جدد».. وإزاء ذلك، أقرّ بريك بأن «إسرائيل لن تتمكّن من هزيمة حماس، بل عليها الاعتراف بأنّها سبق أن هُزمت.. ولا يمكنها تحقيق أى من أهدافها من الحرب».. وبعد مرور أكثر من عشرة أشهر على الحرب فى قطاع غزة، فإن استمرار القتال لن يُسهم فى شىء من شأنه أن يؤدى إلى تحقيق النصر، بل على العكس من ذلك، ستكون هزيمة إسرائيل أكثر إيلامًا.. وفى حين أن الجيش الإسرائيلى لن يتمكّن من هزيمة حماس، فإنه بالتأكيد لا يستطيع هزيمة حزب الله، المسلّح بمائة وخمسين ألف صاروخ وقذيفة صاروخية وطائرة مسيّرة.. ولا يفهم قادتنا ما هى الكارثة التى يمكن أن يجلبها هجوم على لبنان.. ومع كلّ ذلك، فإن المستوى السياسى المجنون، كما وصفه بريك، يستفزّ الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بعد هزيمته فى المواجهة مع دونالد ترامب، خلال المناظرة الرئاسية الأولى التى جمعتهما، فى وقت تحتاج فيه إسرائيل إلى الولايات المتحدة أكثر من أى وقت مضى.
إن استمرار الحرب فى قطاع غزة، الذى يؤدى إلى استمرار القتال فى الشمال مع حزب الله، لا يأتى بأى حل، بل يُفتّت جيش إسرائيل واقتصادها وعلاقاتها الدولية ومنعتها.. وعاجلًا أم آجلًا، قد يؤدى استمرار القتال أيضًا إلى حرب إقليمية، ستُخرّب إسرائيل.. حرب يتحمل مسئوليتها «الفرسان الثلاثة- وهذا اسم رواية فرنسية تاريخية- المغامرون، بنيامين نتنياهو ويوآف جالانت وهرتسى هاليفى، وأذنابهم فى المستويين السياسى والعسكرى»، لأن هذه الحرب تُعدُّ ضمانتهم الوحيدة لاستمرارهم فى مناصبهم.. وفى اعتباراتهم غير السليمة، فإنّهم يتركون الأسرى لحتفهم، ويرسلون مقاتلينا ليُقتلوا عبثًا.. لذا، فمن الضرورى إنهاء القتال فى قطاع غزة فورًا، وهذا سيؤدى أيضًا إلى وقف حزب الله لنيرانه، وسيُمكّن من إعادة الأسرى من خلال اتفاق.

ما يحدث فى قطاع غزة «وصمة عار كبيرة بالنسبة لإسرائيل.. نحن نخسر على نطاقٍ كبير»، لفت بريك إلى أن الجيش الإسرائيلى يعرف أنه «يستحيل هزيمة حركة حماس»، بينما الجنود الإسرائيليون يُقتلون فى القطاع، وأن القول بالاستمرار فى الحرب «حتى نقوّض حماس هى مجرد شعارات». وهنا، دعا بريك الإسرائيليين إلى الاستيقاظ قبل أن يورط نتنياهو وجالانت وهاليفى إسرائيل فى حربٍ إقليمية شاملة، فإذا «تمّ الخروج الآن إلى معركة ضد حزب الله، فستكون هذه هزيمة استراتيجية».. وقد سبق أن وجّه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود أولمرت، مجموعة اتهامات لرئيس الحكومة الحالى، بنيامين نتنياهو، مؤكدًا أنه يريد تدمير إسرائيل، وحاثًا على طرده من منصبه كونه تعمّد تعريض حياة الجنود والمستوطنين للخطر.
بريك، الذى التقى نتنياهو ست مرات. أكد أن نتنياهو وافقه فى معظم ما قاله، ولكنه كان يخشى من تداعيات انهيار التحالف الحكومى، وأبلغه بعدم وجود حل لمشكلة الأنفاق، مما جعله يتساءل عن القيمة الاستراتيجية فى الاحتفاظ بالقوات على محور فيلادلفيا.. نتنياهو كان يواجه ضغوطًا كبيرة من قبل شركائه فى التحالف، حيث تم تهديده بفقدان السلطة، إذا قام بوقف القتال، حتى ولو لفترة قصيرة.. هذا الخوف من انهيار التحالف، كان دافعًا لنتنياهو لتغيير مواقفه والابتعاد عن اتخاذ قرارات استراتيجية صحيحة.. لذلك، فإنه- أى نتنياهو- يتحمل كامل المسئولية عن إفشال جهود الوسطاء، وتعطيل التوصل إلى اتفاق، والمسئولية الكاملة عن حياة أسراه الذين يتعرضون لنفس الخطر الذى يتعرض له الشعب الفلسطينى، من جراء مواصلة عدوانه واستهدافه الممنهج لكل مظاهر الحياة فى قطاع غزة. 
وفى الوقت الذى تتجه فيه نيّة نتنياهو إلى الالتفاف على أى اتفاق لوقف إطلاق النار، من خلال إفراغه من مضمونه بعد تحصيل المكاسب المتوقّعة منه، وهى تتقاطع أيضًا مع اتهامات خصومه له بتقديم بقاء حكومته على أى اعتبارات أخرى، فقد أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو، يجرى مشاورات سياسية لضمان عدم تأثير إبرام صفقة التبادل على ائتلافه الحكومى، وقال موقع هيئة البثّ العامة الإسرائيلية «كان»، إن نتنياهو ينوى إرسال رسائل إلى الوزيرين المعارضَين للصفقة، وزير الأمن القومى، إيتمار بن جفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ليطلب منهما عدم تفكيك الحكومة.. ويتلخّص طلب نتنياهو من سموتريتش وبن جفير فى عدم تفكيك الحكومة خلال عطلة الكنيست، فى حال إبرام الصفقة، وانتظار استئناف الحرب بعد اثنين وأربعين يومًا، فى نهاية المرحلة الأولى من الصفقة، على أن يتخذا بعدها قرارهما بشأن الصفقة.. لتبقى الآمال على الاتفاق، محض تضليل للجميع، بمن فيهم الجمهور الإسرائيلى.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.