لماذا لم يتمكنوا من الضغط على السنوار؟
أعتقد أن كثيرين- وأنا منهم- أصابهم اليأس من مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة، حتى أصبحنا كلما سمعنا أنباء «إيجابية» تتحدث عن «تطورات ملحوظة» لا نصدق، وربما لو رأينا توقيع الصفقة بأعيننا لن نصدق، ولو دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ سنظل منتظرين صواريخ وهجمات.
كثيرون يلومون بنيامين نتنياهو على تعثر المفاوضات، ولا أحد يمكنه أن ينفى كم هو «عنيد» ولا يخضع ولا يتنازل، وكم يراوغ، ويراوح فى المكان نفسه، حتى يتسبب بجنون كل من يتفاوض معه.
لكن للقصة جانب آخر، أو قائد آخر، لا يقل عندًا وثباتًا عن «أبويائير» وهو «السنوار».
فإذا كان نتنياهو يلاعبنا منذ أشهر ولم تفلح الضغوط عليه حتى الأمريكية، فلماذا لم يتمكن الوسطاء من الضغط على «السنوار» لقبول الصفقة وسط المؤشرات بأن حماس تريد وقف إطلاق النار أكثر من أى وقت.
من أجل الإجابة عن هذا السؤال، يجب دخول رأس «السنوار»، وهذه مهمة صعبة جدًا، إن لم تكن مستحيلة. ومن وجهة نظر علاجية ووفقًا لأطباء نفسيين يشخّصون حالته وطريقته فى اتخاذ القرارات تم وصفه بأن لديه أفكارًا عميقة «نرجسية أو ذُهانية»، إلا أن الافتراض الأساسى هو أنه يوجد قدر معيّن لديه من العقلانية فى اتخاذ القرارات، حتى لو كانت هذه العقلانية مختلفة عن العقلانية المعتادة.
رغم أن «السنوار» أبدى فى مراحل مختلفة، آخرها هذه المفاوضات، استعدادًا كبيرًا لتوقيع صفقة فى ضوء الوضع القتالى الصعب للحركة، لكنه يمكن أن يضع عراقيل فى اللحظة الأخيرة، ويغريه إمكان انضمام إيران وحزب الله إلى الحرب بصورة كاملة، منذ قرر ارتكاب هجوم ٧ أكتوبر لا يمكن استبعاد أنه كان يحلم بالحرب الشاملة التى ستطوق إسرائيل من كل جانب.
أحد الأسئلة المهمة، التى بدون إجابة حتى الآن، هو «كيف يمكن لحركة حماس، وهى تنظيم ليس بحجم كبير جدًا ولا قويًا جدًا، ألا تخضع أمام ضغط قوة عظمى عالمية كالولايات المتحدة ودولتَين كبريين فى الإقليم، هما مصر وقطر؟»، بالإضافة إلى جحيم النيران التى تواجهها على مدار ١٠ أشهر من قبل إسرائيل، تتلقّى فيها خسائر كبيرة، وخسرت بالفعل كثيرًا من معاقلها، ولا تزال ترفض مقترحات الوسطاء التى تبدو بمثابة هدية بالنسبة إلى الوضع الذى تعيشه الحركة؟ وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن اقتراح عدّة تفسيرات لعدم قدرة الوسطاء حتى الآن على فرض ما يريدونه للضغط على السنوار. التفسير الأول هو أنه لا توجد لدى أى واحد من الوسطاء أداة قوة كافية لتفعيلها على «حماس».
التفسير الثانى هو أن العقوبات على لاعبين فى النظام الدولى غير فعّالة عندما يكون وجودهم هو المستهدف، وبكلمات أخرى؛ الذى يعيش حالة خطر وجودى لا يرتدع من تهديدات الحلفاء أو الوسطاء، على اعتبار أن ظهره الآن للبحر، ولا يوجد لديه ما يخسره. لذلك، فإن كل مقترح لا يعنى ضمان وقف إطلاق النار المطلق للحرب سيُرفض حتى لو كان الثمن ضحايا إضافيين لا يتم أخذهم بعين الاعتبار حين يكون الحديث عن وقف الحرب أو استمرارها.
وفى نهاية المطاف، فإن الضغوط التى يتم تفعيلها على إسرائيل من طرف المجتمع الدولى والضغط العسكرى من طرف «حزب الله» فى الحدود الشمالية، وأيضًا ضغط المجتمع داخل إسرائيل للتوصل إلى صفقة، هى أمور تدفع «السنوار» إلى استنتاج فحواه أنه، وفى نهاية المطاف، سيتم تحقيق أهدافه، حتى لو طال الزمن.