الوزير "هنو".. واللقاء المنتظر
قبل نحو أسبوع كتب صديقي الكاتب والصحفي التليفزيوني هيثم الغيتاوي منشورًا على صفحته الشخصية مطالبًا بإغلاق قصور الثقافة، حيث لم يعد لها جدوى. دخلت لأبحث سبب موقفه المستغرب هذا، فهو كما أعرفه شخصية مستنيرة تعرف قدر الثقافة وقيمتها في بناء الإنسان. وبالمناسبة هذا المصطلح "بناء الإنسان" هو المصطلح الرائج هذه المرحلة للتعبير عن الاهتمام بثقافة المواطن وتعليمه وإعلامه ورياضته والترفيه عنه، أو بالأحرى هي ما يعنى عبارة تصف كل النواحي الروحية والمعنوية التي تخص المواطن.
المهم أن استغرابي مما كتبه الغيتاوي مرّده أنه مثقف من الأقاليم ويعرف لقصور الثقافة دورها، وربما استفاد منها في بداياته مشاركًا في أنشطتها، أو مشاهدًا لأحد عروضها، أو حتى مستعيرًا للكتب من مكتباتها، سألته عن سبب ما كتب، فأحالني لمناشدة كتبها مخرج مسرحي شاب من هواة المسرح تعامل مع قصر ثقافة دسوق، فواجه من العنت ووسائل "التطفيش" ما وصل إلى حد السب والتهديد بالضرب وفصل التيار الكهربي عنه وعن زملائه أثناء البروفات، وغيرها من ألوان المضايقات، التي يحترفها الموظف العام، بحيث يحقق ما يريد دون أن يؤاخذه القانون.
تحمل المخرج الشاب باسم إسماعيل، وفريق الهواة معه، الكثير إلى أن خرجت مسرحيته الشكسبيرية "هم" للنور. ثم عاد الشاب ومن معه اليوم يتشوقون لتكرار التجربة، رغم صعوبتها أملًا في مشاركة عرضهم الجديد ضمن مسابقة نوادي المسرح، التي تنظمها هيئة قصور الثقافة. المشكلة الجديدة هي ما قيل لهم إن المسرح في مرحلة صيانة! ولهذا أجد سؤال إسماعيل منطقيًا، إذ يقول: "لماذا الصيانة الآن في توقيت التقديم للمسابقة وإعداد العروض للمنافسة؟" وأسأل معه: "أليس في احتمالية فوز العرض المشارك فرصة لإثابة الموظفين بقصر الثقافة المذكور، سواء من وزارة الثقافة أو من مديرية ثقافة كفر الشيخ؟ ألا تعد تلك المشاركات بقعة ضوء في السيرة المهنية للموظف العام وأمرًا يحسب لمدير القصر على وجه التحديد؟".
أحزنني ما قرأت، ولكن الله أراد أن يبعث في نفسي شيئًا من الطمأنينة، إذ ما لبثت أن تابعت خبرًا في نشرة أخبار الإذاعة ينقل عن وزير الثقافة الدكتور أحمد هنّو تصريحات يعلن فيها اعتزامه عقد لقاءات مكثفة وموسعة مع مختلف أطياف العمل الثقافي والإبداعي والفني بما في ذلك الأدباء والشعراء والمثقفون والفنانون. صيغة الخبر وفحواه أنسياني بعض حزني من الموقف المذكور. وفي ذات الوقت أشفقت على كل مسئول حين يتعامل مع موظفين لا يعرفون رسالة وزارتهم ولا يقدرون المسئولية الملقاة على عاتق وزيرهم ولا التكليفات المنوط به تنفيذها أمام القيادة السياسية خلال فترة صارت محددة بحكم الاستحقاقات الدستورية القادمة وبوازع المطالب الشعبية الموضوعية المتزايدة.
فكرة غير مبتكرة، لكنها بدت جديدة؛ لأننا نسينا الأخذ بها منذ حين، إذ صار جل اجتهاد بعض المسئولين هو إقصاء من ينافس وإبعاد من يناقش والاستئثار بالأمر تحت مبرر أنه الوحيد الذي يفهم خفايا وزارته، أو بحجة أنه الوحيد الذي ستحاسبه القيادة حال الفشل أو التقصير. وواقع الأمر أن هذه النوعية من المسئولين تنسى أو تجهل أن سياسة الإقصاء والإهمال هي أول خطوة في طريق الفشل المحتوم، وأن فتح الأبواب هي السياسة التي تضمن وجود هيئة مقدرة من الداعمين، وأن أهل الخبرة هم الأولى بالاستماع لا أهل الثقة.
مبلغ ظني أن هناك سياسة جديدة تتبعها حكومة د.مدبولي الحالية، فهي اليوم أكثر قربًا من المواطن وأكثر استعدادًا لفتح كل الملفات دون أولويات مسبقة، وبلا أي حسابات سوى حساب المصلحة الوطنية العليا وإرضاء القاعدة الشعبية، سواء كانت من المؤيدين أو من المعارضة، فللجميع حقوق التزمت الحكومة بتلبيتها بمجرد أداء اليمين الدستورية، ثم نيل ثقة البرلمان. كلي ثقة أن أكثر الناس استفادة من مبادرة وزير الثقافة بعقد لقاءات مع المثقفين هو وزير الثقافة نفسه. إذ إن الوسط الثقافي هو وسط إبداعي بطبيعته، وبالتأكيد ستكون هناك أفكار كثيرة بناءة يطرحها المثقفون خلال تلك اللقاءات بما يضيف للساحة الإبداعية. ولا شك أن أدرى الناس بمشكلات الثقافة هم أهل الثقافة وصناع الإبداع أنفسهم.
المهم في الأمر أن يأخذ الجميع تلك المبادرة مأخذ الجد، وأن يتجرد الكل من فكرة تحقيق مصالح شخصية أو فئوية، وأن يعلي كل المجتمعين بالوزير من شأن المصلحة العليا للوطن، وأن يدركوا أن للإبداع بكل ألوانه دور في بناء الوطن، بل والدفاع عنه أيضا شأنه شأن جيشنا العظيم. ويقيني أن لقصور وبيوت الثقافة دور مهم في الوفاء بالكثير من الخطط والاستراتيجيات المستهدفة. نعم، فقصور الثقافة هي المورد الأول للمبدعين في كل المجالات: شعرًا وسردًا ومسرحًا ورسمًا وغناء وموسيقى. ليس جديدًا أن أذكر بدور الفن والثقافة في بناء الإنسان السوي صاحب القضية، إنه المثقف القادر على التصدي لأعداء الوطن بأسلحة لم يصل لها هؤلاء الأعداء في الداخل وإن سمعوا عنها فهم لا يقدرون قيمتها، وإلا ما كانوا وصلوا لهذا المستوى من التخلف والعناد. إن ما ننفقه في كل أوجه الإبداع وإن زاد فهو أقل كثيرًا مما يمكن أن نتكبده إن نحن تركنا شبابنا في العاصمة والأقاليم فريسة سهلة للمتطرفين أو المنحلين وكلاهما عدو للوطن.
لقاءات وزير الثقافة المنتظرة مع أهل الثقافة تجربة نتمنى أن تتكرر في قطاعات كثيرة كالتعليم والإعلام والشباب والرياضة والزراعة والصحة وغيرها من الوزارات والهيئات والمؤسسات الخدمية ونجاح تجربة لقاءات الوسط الثقافي ستدفع غيره من الوزراء لتكرار التجربة كل في وزارته، فافتحوا أبوابكم أيها الوزراء واذهبوا إلى منسوبيكم حيث يكونون في كل المواقع وكل المحافظات واستقبلوا منهم الأفكار البناءة واسعوا بإخلاص لتطبيقها، فصلاح الحال مفتاحه المشاركة وقبول الآخر.