فخ الغلابة.. "الدستور" تخترق عصابات النصب باسم منحة العمالة غير المنتظمة
طفا على السطح خلال الفترة الأخيرة، العديد من وقائع النصب على العمالة غير المنتظمة، والتى ترتكبها عصابات تعمل على اصطياد ضحاياها من تلك الفئة، وخداعهم بالحصول على المنحة التى تقررها الدولة لتلك الشريحة، مقابل تحصيل أموال منهم نظير تسهيل وإنهاء الإجراءات.
ووقع ضحية هذه الجرائم عدد كبير من العمالة والذين يصنفون من الأساس ضمن الأكثر احتياجًا، والذين وجدوا أنفسهم متورطين مع عدد من النصابين، الذين حصلوا منهم على مبالغ مالية كبيرة جمعوها عبر الاقتراض والدين، من أجل توفير مصدر دخل ثابت متمثل فى المنحة.
فى هذا التحقيق، حاولت «الدستور» تتبع تلك العصابات التى تنتشر وتروج لنفسها وتمارس أعمال النصب والخداع، عبر «جروبات» على وسائل التواصل الاجتماعى، كما تحدثت مع عدد من الضحايا حول تفاصيل ما تعرضوا له من جرائم وتبعات ذلك على حياتهم وأسرهم.
«مينا»: النصاب طلب منى إيداع 18 ألف جنيه فى ماكينة «سوبر ماركت»
«راح اللى ورايا واللى قدامى.. أنا راجل فقير على باب الله ومش عارف أعمل إيه وحاجيب الفلوس دى منين»، هذه كلمات مينا عياد التى عبّر بها باختصار عما وقع عليه، من نصابى منحة العمالة غير المنتظمة الذين انتشروا عبر الإنترنت، لدرجة أنه أصبح مهددًا بالحبس.
الأمر بدأ بمنشور قرأه «مينا» فى وقت جائحة كورونا، لحساب باسم «ل. م. ع» داخل «جروب» على «فيسبوك» باسم «منحة العمالة غير المنتظمة»، يدّعى الوساطة بين وزارة القوى العاملة والعاملين، وكان نص المنشور: «اللى عايز يقدم على المنحة يدخل خاص والخدمة بقدمها لوجه الله من غير مقابل».
وبعدما قرأ «مينا» المنشور سرعان ما تواصل «على الخاص» مع صاحبه الذى تبين بعد ذلك أنه وسيط مزيف، لكى يقدم له على المنحة، كما ذكر، أملًا فى الحصول عليها بشكل منظم خاصة فى وقت الجائحة.
وطلب الوسيط المزيف من «مينا» إرسال العديد من البيانات الشخصية، بحجة التقديم، قائلًا: «ابعت لى بياناتك، الاسم ورقم التليفون ورقمك القومى»، الأمر الذى جعل العامل غير المنتظم الذى يحلم بالمنحة، يسارع فى إرسال البيانات المطلوبة إلى هذا الشخص المجهول دون تردد.
وما هى إلا أيام قليلة حتى تلقى «مينا» مكالمة هاتفية من شخص يخبره بكامل بياناته، مؤكدًا له أنه قد استحق صرف منحة العمالة غير المنتظمة وقيمتها ١٠٠٠ جنيه، ولكن عليه أولًا إيداع مبلغ ١٨٠٠٠ جنيه إلى الرقم الذى سيخبره به، من أى «سوبر ماركت» لديه ماكينة للتحويل، مشترطًا عليه ألا يخبر صاحب «السوبر ماركت» بتفاصيل التحويل.
«ماكنتش أعرف يعنى إيه إيداع» يقول «مينا»، مبينًا أنه ذهب بالفعل إلى «سوبر ماركت» وسأل صاحبه إن كان لديه ١٨٠٠٠ جنيه رصيد على الماكينة الخاصة به، وحين أجاب بالإيجاب، سلمه الرقم الذى أعطاه له ذلك الشخص المجهول، لإيداع المبلغ عليه.
وبعد أن تأكدت عملية الإيداع، فوجئ «مينا» أن الشخص الذى هاتفه لصرف المنحة قد أغلق هاتفه، ولم يتصل به ثانية ولم تصله رسائل بالمنحة.
«أنا جالى ذهول»، يصف العامل اللحظة التى أدرك فيها أنه قد تم النصب عليه، وأصبح مدينًا فجأة لصاحب «السوبر ماركت» بمبلغ يفوق قدراته المادية وهو ١٨٠٠٠ جنيه، فهو رجل «بسيط على الله»، حسب تعبيره، وكان يسعى للحصول على منحة قدرها ١٠٠٠ جنيه لينفق من خلالها بالكاد على أسرته وأطفاله وزوجته التى تعانى من مرض نادر فى المخ.
«حاتحبس وأسيب العيال دى لمين؟» يسأل متحسرًا، وموضحًا أنه حرر بعد ذلك محضرًا بالواقعة، وينتظر نتائجه إلى الآن وقد حصلت «الدستور» على صورة منه.
وتابع «مينا» أنه أمام غضب صاحب «السوبر ماركت» وثورته، طالبه بإعطائه مهلة لكى يعيد له نقوده، وذلك بعد أن هدده الأخير بإرغامه على التوقيع له على «إيصالات أمانة» وحبسه حال عدم رد المبلغ، قائلًا: «الشارع اتلم عليا أنا وهو وقعدت أتوسل له يصبر عليا».
«محمد»: الحظ أنقذنى قبل تحويل 10 آلاف جنيه إلى الوسيط المزيف
أنقذ حُسن الحظ محمد عبدالله من ملاقاة نفس مصير «مينا» فى آخر لحظة، عندما تكررت معه نفس واقعة النصب، بل ومن صفحة الشخص ذاته.
يقول: «كنت مشتركًا فى جروب للعمالة غير المنتظمة، وكنت عايز أقدم، لقيت واحد بيعرض فى بوست منشور إنه بيقدم من غير فلوس مجانى، وتواصلت معاه، وأخد البيانات وصورة البطاقة (وش وضهر)، وقال لى فى خلال شهر هيتصلوا عليك».
وتابع أنه بعد نحو شهر ونص فوجئ باتصال من أحد الأشخاص يقول فيه إنه من وزارة القوى العاملة ومسئول عن العمالة غير المنتظمة، وأخبره بكامل بياناته بشكل صحيح، ثم أخبره بأنه يجب أن يحول إليه مبلغ ١٠٠٠٠ جنيه من ماكينة «فورى» ليحصل بعد ذلك على ألف جنيه شهريًا، كما أن عليه أن يذهب بعد ذلك إلى مكتب بريد ليسأل عن «الفيزا» التى سيستخدمها للسحب.
وأضاف أن الشخص المجهول أخبره بأن عليه الذهاب لأقرب محل بقالة به ماكينة «فورى»، واشترط أن يكون محل بقالة وليس محلًا للاتصالات، وطالبه بأن يسأل صاحب البقالة فى البداية عن مدى توافر مبالغ كبيرة كرصيد على الماكينة.
هذه المرة كلمة «إيداع» أثارت الشك فى نفس «محمد» الذى ذهب إلى أحد محلات بيع وصيانة «الموبايلات» وصرح لصاحبه بشكه فى الرجل الذى هاتفه بخصوص المنحة، حتى تأكد الاثنان بالفعل أن هذا الشخص نصاب، خاصة بعد أن ذهب لصاحب البقالة وأخبره بالأمر، فأكد له الأخير أن هذه الواقعة تكررت بحذافيرها مع أحد معارفه، وسُرق منه مبلغ كبير بهذه الطريقة، ولم يحصل على المنحة، ثم ذهب الاثنان إلى الشرطة لتحرير محضر.
وكشف «محمد» عن أنه من متابعته لـ«الجروبات» التى تدّعى التقديم على منحة العمالة غير المنتظمة، ومن تعليقات بعض الضحايا فيها، تأكد له أن الأشخاص الذين يدّعون ذلك يدخلون بأسماء وهمية حتى لا ينكشف أمرهم ثم يغيرون بعد فترة أسماء صفحاتهم بأخرى ويعيدون النصب من جديد، مؤكدًا أنه مستمر فى نشر رسالات تحذيرية لعدم تكرار وقائع للنصب مع مواطنين آخرين.
التسعيرة من 100 إلى 300 جنيه.. و«باعملها لوجه الله» حيلتهم للخداع
خاضت «الدستور» تجربة التواصل مع بعض المسئولين على تلك الصفحات الوهمية، فى محاولة لكشف جرائمهم وتوثيقها بالصوت والصورة.
البداية كانت تصفح واستكشاف مجموعة على «فيسبوك» تحمل اسم منحة العمالة غير المنتظمة، وتبين أن الأدمن هو حساب يحمل اسم سيدة، وتدّعى الوساطة بين وزارة القوى العاملة والعاملين غير المنتظمين، ونشرت «بوست» ادعت فيه إتاحتها التقديم على صرف المنحة، على أن يصرفها العامل فى غضون ثلاثة أيام فقط.
وتواصلت محررة «الدستور» مع تلك السيدة، مدعية رغبتها فى التقديم لصرف هذه المنحة، لتجيبها الأخيرة بأنها يمكنها بالفعل ذلك، بل ويمكنها كذلك التقديم لأى شخص، سواء كان رجلًا أو امرأة أو كان من الطلاب، حتى لو لم يكونوا من فئة العمالة من الأساس، شريطة أن يكون مع المتقدم بطاقة شخصية، وألا يكون مؤمنًا عليه فى أى مكان.
وطلبت السيدة من المحررة إحضار صورة شخصية للشخص الذى تريد التقديم له فى المنحة وصورة بطاقته، ومبلغ ٣٠٠ جنيه، مؤكدة أنها لا تقدم بنفسها على تلك المنح، بل تجمع من المواطنين البيانات والنقود وتذهب بها إلى إحدى جاراتها المتخصصة فى هذا الأمر. وفى «جروب» آخر، تواصلت المحررة مع الأدمن الخاص به ويدعى «م. ج»، وأبلغته برغبتها فى التقديم للمنحة لأحد أقربائها، واستخدم الأخير نفس طريقة الخداع وطلب مبلغ ١٠٠ جنيه فقط مقابل التقديم على المنحة.
وزعم الوسيط المزيف أنه فور إرسال البيانات الخاصة بالمتقدم، لن يمر سوى ٣ أيام على الأكثر، إلا وسيتصل به مسئولو وزارة القوى العاملة ليصرفوا المنحة له.
ورصدت المحررة أن نفس الوسيط المزيف قد نشر «بوست» على نفس المجموعة، مدعيًا التقديم لصرف منحة المولد النبوى للعمالة غير المنتظمة، قائلًا إن من يرغب فى الحصول عليها عليه التواصل معه «على الخاص».
كما تواصلت «الدستور» أيضًا مع أحد الوسطاء الوهميين، وتبين أنه تسبب فى وقائع نصب كثيرة على المواطنين، وأنه كان يخدع البسطاء بأنه يفعل ذلك لوجه الله ولا يريد أى أموال.
«القوى العاملة»: التسجيل فى المنحة يتم من خلال المديريات فقط
كشف الدكتور عبدالوهاب خضر، المستشار الإعلامى لوزارة القوى العاملة، عن أن الوزارة لا ترسل أى رسائل ولا تتصل تليفونيًا بأى من أفراد العمالة غير المنتظمة، بل يتم التواصل معهم من خلال فروع مديريات العمل المنتشرة فى كل محافظات مصر.
وأشار إلى أنه لا يتم صرف منح العمالة غير المنتظمة إلا للمسجلين فيها فقط، لافتًا إلى أن التسجيل يتم من خلال المقاول الذى يعمل لديه العامل، مضيفًا: «هناك مندوبون من وزارة القوى العاملة يجرون جولات بأنفسهم على مقار وأماكن العمالة غير المنتظمة ويسجلون أسماءهم مجانًا دون مقابل، وكذلك يبلغونهم بآلية صرف المنح».
ونصح المواطنين بعدم الاستجابة أو متابعة هذه «الجروبات» والاتصالات الوهمية، مضيفًا أنه على العامل غير المنتظم أن يبحث عن أقرب مديرية عمل لديه ويتأكد بنفسه، إذا كان مسجلًا فيها أم لا، وإذا كان قد حُدد له صرف المنحة أم لا، لافتًا إلى ضرورة التصدى لهذه المجموعات الوهمية التى تهدف إلى النصب على العمال البسطاء.