رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلا إذا.. فرضت واشنطن إرادتها على نتنياهو

إذا تصاعد الصراع المتبادل الحالى، بين إسرائيل وإيران ووكلائها، حماس وحزب الله والحوثيين، إلى حرب واسعة النطاق.. حرب لا يمكن لإسرائيل خوضها لفترة طويلة بمفردها.. فقد يواجه الرئيس الأمريكى، جو بايدن، القرار الأكثر مصيرية فى رئاسته: ما إذا كان سيذهب إلى الحرب مع إيران، إلى جانب إسرائيل، ويُخرِج برنامج طهران النووى عن مسيرته، وهو حجر الزاوية فى شبكة إيران الاستراتيجية فى المنطقة، التى بنتها لتحل محل أمريكا، كأقوى قوة فى الشرق الأوسط، ولاستنزاف إسرائيل حتى الموت، بألف جرح ألحقها بها وكلاؤها.. فهذه الحرب، التى يمكن أن تجر الولايات المتحدة قريبًا.. لا يمكن أن يكون أكثر وضوحًا الآن، أنه فى حين أن هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل فى السابع من أكتوبر، كان جزئيًا، بسبب التوسعات الاستيطانية الإسرائيلية المتهورة، والمعاملة الوحشية للسجناء الفلسطينيين، والتعديات على المواقع الدينية الإسلامية فى القدس، فإنه أيضًا جزء من حملة إيرانية أوسع، لإخراج أمريكا من الشرق الأوسط، ودفع حلفاء أمريكا إلى الزاوية، قبل أن يتمكنوا من محاصرة إيران.
هنا، يتعين على أمريكا أن تكون حذرة دومًا بشأن ما يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، القيام به.. وكما لاحظ الدبلوماسى الإسرائيلى السابق، ألون بينكاس، فى صحيفة «هآرتس»، أنه على المرء أن يتساءل: لماذا اختار نتنياهو الآن اغتيال رئيس المكتب السياسى لحماس، إسماعيل هنية، فى طهران، فى خضم محادثات رهائن حساسة؟.. هل كان ذلك فقط لأن الاغتيال كان ممكنًا؟، أم أن إسرائيل «تعمدت إثارة التصعيد، على أمل أن يؤدى اندلاع حريق مع إيران، إلى جر الولايات المتحدة إلى الصراع، مما يزيد من إبعاد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن كارثة السابع من أكتوبر، وهى كارثة لم يُحاسب عليها حتى يومنا هذا؟».
خلال ما يقرب من سبعة عشر عامًا له فى السلطة، ساعد نتنياهو على تقويض المصالح الأمريكية فى المنطقة.. أو كما يقول توماس فريدمان، فى نيويورك تايمز، «لا أصدق لثانية واحدة، أن نتنياهو يضع المصالح الأمريكية قبل احتياجاته السياسية للبقاء.. لأنه لن يضع حتى مصالح إسرائيل قبل ذلك».. لكن الصدق يتطلب الاعتراف، بأن بعض الأشياء صحيحة، حتى لو صدقها نتنياهو.. وأحد هذه الأشياء، هو أن إيران هى أكبر قوة إمبريالية محلية فى الشرق الأوسط، ومن خلال وكلائها كانت تهيمن على سياسات ملايين العرب، الذين يعيشون فى لبنان وسوريا وغزة والعراق واليمن.. تجر مواطنيها إلى حروب مع إسرائيل، لا يهتم بها سوى القليل منهم.. ولا يمكن لأى مسئول فى أى من هذه الدول اليوم، اتخاذ قرارات معادية لمصالح إيران، دون خشيته من شىء ما.. فمثلًا، لم يتمكن لبنان من تعيين رئيس منذ الثلاثين من أكتوبر 2022، ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى أن طهران لن تسمح لوطنى لبنانى مستقل، بأن يكون مسئولًا هناك.. اضطر لبنان وسوريا إلى الحداد لمدة ثلاثة أيام بعد وفاة الرئيس الإيرانى، إبراهيم رئيسى، فى حادث تحطم مروحية.. نعم، ثلاثة أيام من الحداد على رئيس دولة أخرى.
بعض الأشياء صحيحة أيضًا، حتى لو صدقتها إيران.. وأحد هذه العوامل، هو أن بايدن ووزير خارجيته، أنتونى بلينكن، ومستشار الأمن القومى، جيك سوليفان، كانوا يبنون بهدوء وفعالية شبكة من التحالفات الواسعة على مدى السنوات القليلة الماضية، لاحتواء الصين وعزل إيران.. الأول، هو التجمع الاقتصادى الجديد المسمى I2-U2، الذى يضم الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، والآخر الأكثر أهمية هو الممر الاقتصادى بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، المعروف باسم IMEC، الذى تم تصميمه لتعزيز روابط التجارة وإمدادات الطاقة، الأكثر إحكامًا، بين الاتحاد الأوروبى والهند، عبر حلفاء الولايات المتحدة فى الخليج العربى، بهدف مساعدة الهند على الهروب من جهود الصين لتطويق نيودلهى، من خلال مبادرة الحزام والطريق للبنية التحتية، وإنشاء تحالف جيو اقتصادى كبير مؤيد لأمريكا، يمتد من الاتحاد الأوروبى عبر إسرائيل إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وصولًا إلى الهند، والذى من شأنه أيضًا عزل إيران.. الشركاء المؤسسون لـIMEC هم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والمملكة العربية السعودية والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وبالطبع إسرائيل.
كانت الخطة الأمريكية، هى إعطاء وزن عسكرى لهذه التحالفات المتشابكة، من خلال صياغة معاهدة دفاع مشترك مع المملكة العربية السعودية، من شأنها أن تشمل أيضًا تطبيع السعودية للعلاقات مع إسرائيل، شريطة أن توافق تل أبيب على إحراز تقدم نحو حل الدولتين مع الفلسطينيين.. وبمجرد تشكيلها، فإن هذا يعنى أن جميع حلفاء أمريكا فى الشرق الأوسط، سيعملون كفريق مضاد لإيران، وهم الأردن والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والبحرين على وجه الخصوص.
عرفت إيران أن عليها منع هذا الاتفاق السعودى الأمريكى الإسرائيلى، أو أن تكون معزولة استراتيجيًا.. عرفت حماس أن عليها منع هذه الصفقة، لأنها يمكن أن تُمكِّن إسرائيل من الاندماج فى العالم الإسلامى، بالشراكة مع المنافس الفلسطينى الرئيسى لحماس، السلطة الفلسطينية فى رام الله، ومع المملكة العربية السعودية.. كيف نعرف أن إيران صدَّقت ذلك؟.
لأن المرشد الأعلى الإيرانى أخبرنا بذلك قبل أربعة أيام من غزو حماس لإسرائيل، كما ذكرت «تايمز أوف إسرائيل» فى الثالث من أكتوبر 2023.. قال المرشد الأعلى الإيرانى، على خامنئى، إن الدول الإسلامية التى تطبع مع إسرائيل «تراهن على حصان خاسر».. فى الوقت الذى تتحرك فيه المملكة العربية السعودية، المنافسة الإقليمية، نحو إقامة علاقات مع تل أبيب.. وتوقع خامنئى أيضًا القضاء على إسرائيل قريبًا، فى خطاب ألقاه أمام مسئولين حكوميين وسفراء من دول إسلامية.. وقال «الموقف النهائى للجمهورية الإسلامية، هو أن الحكومات التى تعطى الأولوية لمقامرة التطبيع مع النظام الصهيونى ستتكبد خسائر.. واليوم، فإن حالة النظام الصهيونى ليست حالة ينبغى أن تحفز على التقارب معه؛ أو أن تكون أكثر تقاربًا معه.. لا ينبغى أن يرتكبوا هذا الخطأ».
وسواء كانت إيران على علم بالتوقيت الدقيق لهجوم السابع من أكتوبر مسبقًا أم لا، فمن المؤكد أن إيران رأت فى غزو حماس لغزة وسيلة لعزل إسرائيل وراعيتها أمريكا، من خلال إجبار إسرائيل على قتل الآلاف من الضحايا المدنيين، لهزيمة أنفاق حماس السرية، وتقويض أى تطبيع سعودى فلسطينى إسرائيلي.. ولكن كيف ستنتهى المأساة؟.
فى الشهر الماضى، اغتالت إسرائيل القائد البارز لحزب الله، فؤاد شكر، فى بيروت. ورئيس المكتب السياسى لحماس، إسماعيل هنية، وربما محمد ضيف، القائد العسكرى لحماس، لكن، كما قال جون أركويلا، مؤلف كتاب Bitskrieg: The New Challenge of Cyberwarfare، فإن الخلفاء يظهرون دائمًا، وغالبًا ما يكونوا أكثر صلابة من أسلافهم.. حتى محاولات عزل إيران إقليميًا، من خلال مساعد إسرائيل فى تمكين البديل الواضح والأكثر اعتدالًا: السلطة الفلسطينية، التى تبنت اتفاقات أوسلو وتتعاون مع إسرائيل يوميًا، فى محاولة للسيطرة على العنف فى الضفة الغربية، وهو ما يعرفه نتنياهو جيدًا.. ولكنه لن يعترف به، لأنه يريد نزع الشرعية عن أى بديل فلسطينى موثوق به لحماس، حتى يتمكن من إخبار العالم والإسرائيليين، أن إسرائيل ليس لديها شريك ولا مكان لحل الدولتين.. هذه واحدة، والثانية، أنه سيتعين على نتنياهو المخاطرة بائتلافه الحاكم للقيام بذلك، لأن شركاءه اليمينيين المتطرفين، يعارضون أى اتفاق مع أى فلسطيني.
■■ وبعد..
هذه هى المخاطر الحقيقية، واضحة وضوح الشمس.. وما هو غير واضح على الإطلاق، هو ما سيفعله نتنياهو.. أى مصالح سيخدم؟.. نفسه أم إسرائيل أم أمريكا أم إيران؟.. لأنه إذا اتخذ نتنياهو الخطوة الصحيحة الآن، فإنها ستترك إيران عارية سياسيًا.. لن تكون إيران قادرة بعد الآن على إخفاء هدفها المتمثل فى السيطرة على العالم العربى بأسره، من خلال إخفاء نفسها ووكلائها وراء القضية الفلسطينية.. لطالما كانت إيران سعيدة بترك الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والعراقيين والسوريين يموتون «من أجل فلسطين»، لكنها لم تخاطر أبدًا بالإيرانيين، إذا تمكنت من تجنب ذلك.. يمكن لنتنياهو الآن أن يسدل الستار على المسرحية الساخرة برمتها.. لكن هذا يتطلب منه أن يضع مصالح إسرائيل قبل بقائه السياسي.. فهل سيفعل؟.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.