الحرب الشاملة على الأبواب.. إلا إذا
على قمم المآذن فى طهران، ارتفعت الرايات الحُمر، تقليدًا إيرانيًا لإعلان أنها فى حال حرب.. وعلى الأرض، التقى مسئولوها ممثلى الحلفاء فى المنطقة، من لبنان والعراق واليمن، لبحث الرد المحتمل على إسرائيل، و«الرد حتمى»، كما قال رئيس برلمان إيران، محمد باقر قاليباف، و«واجب للانتقام لحادثة اغتيال هنية المريرة والصعبة»، كما أكد المرشد الأعلى فى إيران، على خامنئى، متوعدًا إسرائيل بأنها «ستدفع ثمنًا غاليًا لتعديها على الحدود الآمنة لإيران.. الثمن الذى لا يخطر على بالها ولا تستطيع تصوره»، ردًا على الاغتيالات التى نفذتها مؤخرًا، وأسفرت عن مقتل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنية فى طهران، فضلًا عن القيادى فى حزب الله، فؤاد شكر، والذى اغتيل فى الضاحية الجنوبية لبيروت، لتبقى منطقة الشرق الأوسط تحت خطر اتساع دائرة الصراع بين إسرائيل من ناحية، وإيران وحلفائها من ناحية أخرى، بعد أن اعتدت تل أبيب على كرامة إيران وهددت سلامة أراضيها، كما يصفه الرئيس الإيرانى، بزشكيان، بل اعتدت على أمنها القومى وأصابت شرفها، كما أعلن حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبنانى.. فيما يبقى الجيش الإسرائيلى «فى حالة تأهب كبيرة دفاعيًا وهجوميًا، والقوات منتشرة جوًا وبحرًا وبرًا، ومستعدة لكل السيناريوهات، وخصوصًا للتعامل مع خطط هجومية على مدى القريب»، كما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، الذى اتهم نصر الله، بجر لبنان والشرق الأوسط إلى تصعيد خطير.
لقد نالت إسرائيل حقًا من كرامة وشرف إيران، وهددت أمنها القومى، وقد تعمدت تل أبيب تسريب معلومات لصحيفة «نيويورك تايمز»، إمعانًا فى إضعاف صورة طهران، عندما نشرت الصحيفة، أن اغتيال إسماعيل هنية، جاء بعبوة ناسفة تم تهريبها سرًا إلى دار الضيافة فى طهران حيث كان يقيم.. وكانت القنبلة مخبأة قبل شهرين تقريبًا فى دار الضيافة، التى يديرها ويحميها فيلق الحرس الثورى الإسلامى، وهى جزء من مجمع كبير، يعرف باسم «نشأت»، فى حى راق فى شمال طهران، وانفجرت القنبلة عن بعد، بمجرد التأكد من دخول هنية إلى غرفته فى الدار الضيافة، فقتلته وحارسه الشخصى.. مثل هذا الخرق كان فشلًا كارثيًا للاستخبارات والأمن فى إيران، وإحراجًا هائلًا للحرس الثورى، الذى يستخدم المجمع للخلوات والاجتماعات السرية وإقامة الضيوف البارزين.. «هذه محاولة لإذلال الإيرانيين، من خلال إظهار أنهم لا يستطيعون حماية ضيوفهم»، فى رأى دانيال ليفى، مدير مشروع الولايات المتحدة ـ الشرق الأوسط، فى لندن ونيويورك، «أنه يدل على عبور آخر لخطوط متعددة من قِبل إسرائيل».
والآن، فى أعقاب اغتيال هنية، سيسعى الإيرانيون إلى رد فعل أكثر حدة ضد إسرائيل، لإعادة تأكيد ردعهم واستعادة شرفهم الوطنى.. والسؤال: ما الشكل الذى سيتخذه هذا الرد؟.. وماذا، إذا أدى ذلك إلى مواجهة واسعة النطاق، تشمل إسرائيل وإيران وحزب الله، تجد عندها الجمهورية الإسلامية، الأقرب من أى وقت مضى إلى القدرة النووية، أن مشروعها النووى قد يتحمل وطأة التداعيات.. ربما، ربما، ستجعل هذه الفكرة الإيرانيين يعيدون النظر فى طبيعة ردهم على إسرائيل عدة مرات.. كما يشكل الاغتيال ضربة معنوية كبيرة لحماس، لا سيما بالنظر إلى سلسلة عمليات التصفية الأخيرة ضد قيادة المنظمة.. واحدًا تلو الآخر، يتم القضاء بشكل منهجى على كبار المسئولين من الجناح العسكري، بعمليات إسرائيلية.. ويعتبر حزب الله اغتيال فؤاد شكر، بالضاحية الجنوبية لبيروت، تجاوزًا إسرائيليًا لكل الخطوط الحمراء.. فإلى أين يتجه الصراع؟، وعند أى حدود يتوقف؟.
ربما تكتفى إيران برد شكلى على إسرائيل، يحفظ ماء وجهها، ولكنه لا يحقق لها الردع فى مواجهة إسرائيل، وتترك مهمة الرد الفاعل لحزب الله، ومن حوله من ميليشيات، فى سوريا والعراق، وكذلك الحوثيين فى اليمن، مستفيدة من القرب المكانى، بين لبنان وإسرائيل فى إحداث ضربات موجعة لإسرائيل، ولا تكون طهران طرفًا فى حرب شاملة، قد تقع بين لحظة وأخرى.
وإذا اتسع نطاق الصراع، فإن ترسانة حزب الله الضخمة من الصواريخ وقواته العسكرية المُحصنة، ستشكل تهديدًا كبيرًا لإسرائيل.. ومن المرجح أن يكون الاضطراب أكبر بكثير مما شهدته إسرائيل منذ عقود، حتى بما فى ذلك هجوم السابع من أكتوبر.. ومع ذلك، فقد استعد الجيش الإسرائيلى منذ فترة طويلة لهذه الحرب، ومن المرجح أن تهدف حملته لتدمير لبنان وكذلك حزب الله.. وقد تمتد الحرب أيضًا إلى سوريا والعراق المجاورتين، ولكل منهما قوات شريكة لإيران متحالفة مع حزب الله، ولديها قدرات كبيرة فى مجال الصواريخ والقذائف والطائرات دون طيار، يمكنها الوصول إلى إسرائيل.. ويمكن للحوثيين فى اليمن دعم حزب الله فى الصراع ومواصلة حربهم ضد إسرائيل، حتى لو توقف القتال فى غزة.
على الرغم من أن حربًا كبرى ستكون مُدمرة، إلا أنها قد تأتى على أى حال.. من الصعب معايرة العنف، والضربات الانتقامية يمكن أن تخلق دائرة خطيرة من الصراع.. الحكومة الإسرائيلية وسكانها بعد السابع من أكتوبر، ليسوا فى مزاج لتقبل التهديدات المحتملة على طول حدودهم.. وبسبب خطر الحرب، يجب على الولايات المتحدة مواصلة الجهود للتوسط فى وقف إطلاق النار، وأيضًا الاستعداد للفشل.. فحزب الله، وهو أحد أكثر الجماعات غير الحكومية تسليحًا فى العالم، يشكل تهديدًا جويًا أكثر خطورة على إسرائيل من حماس.. وبفضل المساعدات الإيرانية والتقنية جزئيًا، يمتلك حزب الله ترسانة أكبر بكثير تتراوح بين مائة وعشرين ألفًا وألفى صاروخ وقذيفة.. ومن المرجح أن تكون معظمها طائرات دون طيار وصواريخ غير موجهة قصيرة وطويلة المدى، كما يمتلك الحزب صواريخ بالستية غير موجهة، قصيرة ومتوسطة المدى أكثر فتكًا.. والأخطر من ذلك، هو الصواريخ البالستية الموجهة قصيرة المدى، وهى ذخائر موجهة بدقة.. تستخدمها روسيا فى حربها على أوكرانيا.. وهى قادرة على الوصول إلى جميع المناطق المأهولة بالسكان فى إسرائيل.. بالإضافة إلى هذه الترسانة الهائلة من الصواريخ والقذائف، يمتلك حزب الله بعضًا من أمهر المقاتلين فى الشرق الأوسط.. منذ نشأته فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى، حارب حزب الله الجيش الإسرائيلى، وطرده فى النهاية من لبنان عام ألفين بقوة السلاح، وبعد ست سنوات، خاضت إسرائيل وحزب الله حربًا استمرت أربعة وعشرين يومًا انتهت بالتعادل، ولم تترك أى من الطرفين حريصًا على تكرار التجربة.
تدخَّل حزب الله، منذ البداية تقريبًا، فى الحرب الأهلية السورية عام 2011، وعمل مع إيران والحكومة السورية لإبقاء نظام الأسد فى السلطة.. بالإضافة إلى أن قوات حزب الله أصبحت أكثر صلابة فى القتال، نسَّقت مع القوات الجوية الروسية بعد تدخل موسكو عام 2015، وعملت بشكل وثيق مع فيلق القدس الإيرانى، الذى لعب دورًا حاسمًا فى دعم الحكومة السورية.. هذه القوات المتشددة ماهرة، تتمتع بمستوى عالٍ من الروح المعنوية؛ قادرة على القيام بعمليات معقدة، مثل دمج المناورة الأرضية مع الحرائق القمعية؛ ويمكنهم الاستمرار فى القتال، حتى فى مواجهة الصراع الوحشى.. إذا اندلعت الحرب، فإن حزب الله سيكون مستعدًا.. سيقاتل مقاتلوه بشكل دفاعى، من مواقع مُعدة على أرض يعرفونها جيدًا.. كما يمتلك مقاتلو حزب الله صواريخ موجهة مضادة للدبابات، وأنظمة دفاع جوى محمولة، وأنظمة صواريخ أرض ـ جو.. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك حزب الله أجهزة متفجرة مرتجلة متطورة، بما فى ذلك العبوات الناسفة التى استخدمتها الجماعات المدعومة من إيران فى العراق ضد القوات الأمريكية، والقادرة على اختراق ناقلات الجنود المدرعة والدبابات.
فى حرب عام 2006، كشف حزب الله أنه احتفظ بأسلحة متطورة، مثل صواريخ كروز المضادة للسفن، واستخدمها لضرب سفينة حربية إسرائيلية بنجاح.. ومنذ ذلك الحين، وسَّع الحزب ترسانته الصاروخية المضادة للسفن بمساعدة روسية.. وفى عام 2006، أظهر حزب الله أن لديه شبكة أنفاق ضخمة، واستمر هذا فى السنوات التى تلت ذلك.. فى عام 2019، عثرت إسرائيل على نفق واحد يبلغ عمقه 22 طابقًا.. وكما تعلمت إسرائيل فى لبنان عام 2006 ومرة أخرى فى غزة منذ عام 2022، فإن الأنفاق هى كابوس للعمليات العسكرية، حيث تتطلب أفرادًا مهرة لتطهيرها، وهى تُمكن المدافعين من القيام بالكمائن ومحاولة عمليات الاستيلاء المفاجئة.
ومع ذلك، تمتلك إسرائيل جيشًا متمرسًا فى المعارك، وميزة كبيرة فى القدرات التكنولوجية، من الجيل الخامس من طائرات الشبح، إلى واحدة من أكثر مخزونات الصواريخ البالستية وصواريخ كروز تطورًا فى الشرق الأوسط.. كما سيدخل الجيش الإسرائيلى لبنان بقوة نيران ساحقة، محاولًا، وبسرعة، تحطيم أى مقاومة واسعة النطاق لحزب الله، مما يجبر الجماعة على القتال إلى حد كبير كوحدات صغيرة ومقاتلين، وهو ما استعد له الحزب على الأرجح.. كما تدربت إسرائيل بانتظام على محاربة حزب الله، على عكس حماس، التى قللت إسرائيل من تقديرها بشدة قبل السابع من أكتوبر، إذ يقدر الجيش الإسرائيلى، وباحترام مستحق، قدرات حزب الله.
ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلى فى حالة حرب، قبل بداية هذا العام فى غزة، مع عدم وجود نهاية مرتقبة فى الأفق.. وتعتمد إسرائيل على احتياطياتها فى عملياتها، كما هو الحال فى غزة، وقد قام جنود الاحتياط بجولات متعددة، مما أدى إلى إجهاد المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين.. ويعانى الجيش الإسرائيلى من نقص فى الذخيرة وقطع الغيار، وسيجد صعوبة فى تحديد الموارد اللازمة للمطالب الهائلة لصراع شامل مع حزب الله، مع أنه استورد من الولايات المتحدة، منذ اندلاع الحرب فى غزة، أسلحة بقيمة إحدى عشر مليار دولار.
أحد الأسئلة المهمة، هو كيف يستخدم كل جانب حرب الطائرات دون طيار؟.
أظهرت الحرب الروسية ـ الأوكرانية، كيفية استخدام الطائرات دون طيار خلال الحرب ـ خصوصًا عند استخدامها فى عمليات الأسلحة المشتركة ـ فى الإنذار المبكر، والوعى فى ساحة المعركة، واستهداف هجمات المواجهة، والإضراب، والحرب الإلكترونية، وعمليات جمع المعلومات، فضلًا عن دمجها مع المشاة، والنيران المباشرة وغير المباشرة، والطيران، والقدرات المشتركة الأخرى.. أسفرت الحرب فى أوكرانيا أيضًا، عن ابتكارات كبيرة فى الحرب المضادة للطائرات بدون طيار، بما فى ذلك الحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعى وأنظمة الدفاع الجوى والصاروخي.. وتستخدمها إسرائيل، فى جميع جوانب عملياتها الجوية تقريبًا، فى حين استخدم حزب الله طائرات دون طيار للاستطلاع ومهاجمة إسرائيل.. وربما يمتلك الحزب نحو ألفى طائرة بدون طيار، قدمت إيران معظمها.. وعلى نطاق أوسع، فقد تعلَّم كل من حزب الله والجيش الإسرائيلى من دروس الماضى.. فبينما تستعد إسرائيل لهذا الصراع منذ عام 2006، ومن المرجح أن يكون جيشها قد جمع معلومات استخباراتية كبيرة، وطور مفاهيم للعمليات المناسبة لجنوب لبنان، وأصبح مستعدًا لتجنب تكرار الصراع الأخير.. لكن حزب الله ليس لاعبًا هينًا، وبمساعدة إيرانية وربما روسية، فإنه استعد أيضًا لجولة أخرى مع إسرائيل.
■■ وبعد..
الحمقى فقط من المحللين، هم الذين يسعون إلى التنبؤ بطبيعة الحروب ونتائجها.. فقليلون توقعوا أن يقاوم الجيش الأوكرانى العدوان الروسى بشكل فعَّال.. ولا يزال من غير المعروف، ما إذا كان حزب الله قادرًا على مقاومة الهجوم الإسرائيلي، ومقدار المعاناة التى هو مستعد لتحملها، وكذلك إسرائيل وكيفية مواجهتها لحزب لا تعرف كل ما يمتلكه من أسلحة.. وبالمثل، فإن معرفة من سيبتكر ويتكيف بشكل أكثر فعالية، لن تتم إلا عندما يبدأ الصراع، أو إذا بدأ.. وفى كل الأحوال، فإنه على الولايات المتحدة أن تحاول تعزيز السلام، إن كانت تريده حقًا، بينما تستعد لصراع موسع.. يجب على واشنطن أن تستعد لمواجهة أى تورط إيرانى أكبر، وتورط وكلائها فى العراق وسوريا، خصوصًا بعد إعلانها بأنها ستدعم إسرائيل بقوة، وقد حركت قطعها البحرية بالفعل، إلى قبالة سواحل إسرائيل، للمساعدة فى الدفاع عنها، أو خوض الحرب إلى جانبها، إذا رجحت كفة حزب الله عليها، فى حرب حتمية، وموعدها لم يتم تحديده.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.