النجوم الصغار.. كيف بدأوا وإلام انتهوا؟
قدمت لنا السينما المصرية على مدار تاريخها الطويل، والذي يقترب من قرن كامل، عبر آلاف الأفلام مئات من الأطفال الذين عرفوا الأضواء وتعرضوا لبريق الشهرة مبكرا جدا، تبعتها في ذلك الإذاعة ثم التليفزيون. كما كانت هناك مساهمات محدودة للأطفال مسرحيا، ربما تسبب في ندرتها توقيت العروض المسرحية الساهرة والتي لم تكن تناسب الأطفال ولا مواعيد مدارسهم حين كان المجتمع يعتني كثيرا بأمور نسيناها كسيكولوجية الطفل مثلًا.
لكن هذه القائمة الطويلة من النجوم الصغار يمكن اختصارها إلى قائمة قصيرة من أولئك الذين عرفناهم عبر أكثر من عمل فني، أو حتى هؤلاء الذين رسّخوا نجوميتهم مبكرا ولو من خلال عمل فني واحد.
من منا يمكن أن ينسى مثلا نجوما كالطفلة فاتن حمامة في فيلم "يوم سعيد"، أو المعجزة فيروز في أعمالها التي صنعها لها أنور وجدي وجعلها بطلتها الأولى مستثمرا - ولا أقول مستغلا - موهبتها الطاغية؟ وهناك أيضا الطفلة ضحى أمير بطلة رائعة صلاح أبو سيف "حياة أو موت" والذي جعلها بطلة مطلقة للفيلم مع عماد حمدي ومديحة يسري. وعلى هذا المستوى لنا أن نتذكر أفلامًا شاركت فيها نجمات صغيرات مثل لبلبة، نيللي، دينا عبد الله بطلة فيلم الحفيد، وهناك أيضا شقيقتها الأكبر إيناس عبد الله التي شاركت في رائعة عاطف سالم "أم العروسة" مع مجموعة أخرى من الأطفال أمام عماد حمدي وتحية كاريوكا.
وتليفزيونيا تابعنا انطلاق النجمة الصغيرة ليزا شحاتة والتي هاجرت إلى الولايات المتحدة في عمر الثانية عشرة بعد بطولتها لمسلسل "هند والدكتور نعمان" أمام كمال الشناوي ومن بعده مشاركتها في ثلاثة أفلام أخرى، وإن لم تنل الفتاة نفس النجاح الذي حققته في المسلسل التليفزيوني. وفي مسلسل "أوراق الورد" قبل ذلك بسنوات كانت البطولة المطلقة للمطربة وردة ولكن حبكة العمل بنيت على مشاركة الطفل مدحت جمال الذي قام بدور ابنها، والذي توالت مساهماته في أعمال أخرى قبل تلك المشاركة كمسرحية "موسيقى في الحي الشرقي" و فيلم "الحفيد"، إلا أن مسيرته توقفت عام 1982 مع مسلسل "كان ياما كان" ليعمل بعد ذلك كاستشاري برمجيات في الكويت. وفي ذات المسلسل ظهرت بقوة موهبة طفل آخر هو محمود سهم الذي قام بدور ابن عمر الحريري، غير أنه ترك التمثيل مبكرا ليصبح مهندسا معماريا فيما بعد.
من الإذاعة كذلك انطلقت نجومية كثيرين نذكر منهم سعاد حسني، صفاء أبو السعود وليلى علوي. أما على مستوى النجوم الصغار من الذكور فليس لنا أن ننسى كيف صنعت الشاشة الكبيرة والصغيرة ومعهما ميكروفون الإذاعة من خلال برامج الأطفال مع أبله فضيلة وغيرها نجومية هاني شاكر مدحت صالح ومحمد ثروت.
كما لا يمكن أن ننسى أحمد يحيى الذي شارك العندليب فيلم "حكاية حب"، كما قدم غيره من الأفلام، ثم صار هو المخرج الكبير الذي أخرج عشرات الأفلام والمسلسلات الناجحة فنيا وجماهيريا. كما يعد سليمان الجندي، الذي وقف أمام فريد شوقي وزكي رستم وهدى سلطان ليقوم ببطولة فيلم "الأسطى حسن"، هو الآخر واحدا من النجوم الصغار، ولكن نجوميته لم تدم طويلا بسبب عدم استمراره في الوسط الفني حين تجاوز مرحلة الطفولة، رغم مشاركته في نحو 7 أفلام.
كما يظل اسم الفنان أحمد فرحات- والذي توفي رحمه الله قبل أيام قليلة عن 74 عاما - في مكانة فنية فريدة حفرها بأعمال متميزة بدأها وهو في عمر 9 سنوات. ورغم أنه لم يكن كالطفلة فيروز مثلا من حيث إجادة الرقص والغناء، إلا أنه ترك أثرا طيبا لدى جمهور السينما وخاصة في أفلام مثل "إشاعة حب" مع عمر الشريف، و"شارع الحب" مع العندليب، وفيلم "سر طاقية الإخفا" مع عبدالمنعم إبراهيم.
ظهر فرحات في عدد من البرامج الحوارية قبل سنوات من رحيله، وعبّر عن أمنيته في الرجوع للتمثيل خاصة بعد أن تقاعد من وظيفته الحكومية كمهندس في رئاسة الجمهورية. بالفعل شارك فرحات في مسلسلي أم الصابرين، وعائله في مهمة رسمية عام 2012، إلا أنها لم تكن أعمالا جديرة بإعادته لمربع الشهرة والنجومية التي كان عليها صغيرا.
الملاحظ أن النصف الثاني من القرن العشرين كان شديد الثراء على المستوى الفني فيما يخص الإنتاج للأطفال والدفع بهم في بطولات الأعمال فمن ينسى مثلا أعمال مثل مسرحية ثلاثي أضواء المسرح "موسيقى في الحي الشرقي"، أو فيلم "عالم عيال عيال" لرشدي أباظة وسميرة أحمد. أو مسلسل فاتن حمامة الإذاعي ثم الفيلم السينمائي "أفواه وأرانب" والذي قدم بعبقرية نجوما صغارا مثل محسن محيي الدين، أحمد سلامة، أمل رضا، هشام العشري، هالة أنور، عماد طه فكان من بينهم من استمر في طريق النجومية ومنهم من توقف ليبحث عن مسار مختلف. كما لا يمكن أن نغفل عملا بقيمة "إمبراطورية ميم" الذي قدم عددا غير قليل من الأطفال الذين صاروا نجوما فيما بعد.
أما على مستوى الأفلام التي ناقشت قضايا الأطفال فقد بدأها يوسف وهبي بفيلم "أولاد الشوارع" عام 1951. وكذلك ناقش فيلم "العفاريت" للراحلة مديحة كامل قضية استغلال الأطفال المشردين، كما تناول فيلم "بلية ودماغه العالية" لمحمد هنيدي قضية عمالة الأطفال من خلال الأطفال نادية هلا، كريم هاشم وصلاح مجاهد الذي قدم دور تفاهة. هناك أيضا فيلم "الغابة" إنتاج عام 2008 للمخرج أحمد عاطف والذي ناقش بجرأة قضية أطفال الشوارع ومسئولية المجتمع والدولة عن تلك الظاهرة.
في منتصف التسعينيات ظهر مسلسل "يوميات ونيس" وفيه جرأة تحسب لصناعه حيث قدموا عددا كبيرا من القيم المجتمعية التي نجحوا في إيصالها للأطفال بل للوالدين أيضا، ليستمر المسلسل لسبعة أجزاء كاملة. ولكنه حين عاد في 2013 لتقديم الجزء الثامن بعنوان "ونيس والعباد وأحوال البلاد" في ستين حلقة كاملة، لم يحقق ذات النجاح الذي حققته الأجزاء السابقة. والسؤال هنا: هل اختلاف طبيعة المتلقي كان هو السبب في عدم تحقيق ذات الذيوع والانتشار الجماهيري القديم؟ أم أن مستوى كتابة العمل وإخراجه وغياب عدد من نجوم الأجزاء الأولى بسبب الوفاة؟ أم أن ارتباطنا بالمسلسل كان بسبب الأطفال الذين عادوا إلينا كبارا وأرباب أسر لديهم مشكلاتهم وهمومهم الخاصة التي لم نتوقعهم فيها حين كنا نتابعهم أطفالا؟
ومؤخرا ظهرت على الساحة مواهب فنية متميزة من الأطفال أذكر منهم الطفلة جنى نصرت التي شاركت في أعمال سينمائية مع النجم هاني رمزي، وقبلها كانت هناك منّة عرفة التي قدمت مع أشرف عبد الباقي كل أجزاء مسلسل "راجل و6 ستات" وشاركت في أعمال أخرى كثيرة. ولا تزال عرفة تحظى باهتمام جماهيري منذ ظهورها الأول كطفلة عام 2005 من خلال مسلسل السندريلا وحتى اليوم.
حكاية أحمد فرحات وغيره مع النجومية - بريقا ثم خفوتا - تقودنا لمناقشة سلوكيات هؤلاء الأطفال الذين يبدأون رحلتهم مع النجومية في سن صغيرة، متسائلين: من منهم استطاع المحافظة على شخصياتهم وحياتهم الاجتماعية وهم يمرون بالمراهقة ثم الشباب وفي رصيدهم كثير من الشهرة وقدر كبير من النجومية؟ ولماذا خفتت عنهم الأضواء؟ وكيف استقبلهم الجمهور حين حاولوا الرجوع؟
إنتاجيا، لا ترهق أجور الصغار ميزانيات الأعمال الفنية، لكن إدارة الأطفال في اللوكيشن أمر يحتاج نوعية خاصة من المخرجين، والكتابة لهم أو عنهم تحتاج كاتبا واعيا بالأبعاد النفسية للطفل. ورغم الاجتهادات التي بذلها صناع الدراما في مصر، إلا أننا لم نر فيلما عربيا أو بالأحرى مصريا وصل لمستوى "Home Alone" أو سلسلة أفلام "Harry Potter" مثلا. كما أن غالبية مشاركات الأطفال تكون هامشية فنادرا ما نرى أن أدوار الأطفال تكون محورية تدور حولهم حبكة العمل فيؤثرون في الحدث الدرامي.
وعلى الجانب النفسي، لم ينج من فخ النجومية للأسف إلا قليل من هؤلاء الصغار الذين عرفوا طريقها صغارا وتعرضوا لبريقها الذي يكاد يذهب بعقول الكبار وليس فقط بأبصارهم، فما بالكم بصغار لم يخبروا الحياة ولم ينضجوا بقدر يجعلهم قادرين على استيعاب حيل أهل الشر في الوسط الفني وفي الحياة عموما. هذا مثلا شريف صلاح الدين الذي قام ببطولة مسلسل "الأيام" في دور طه حسين طفلا، حقق نجاحا كبيرا وقام بالمشاركة في عدد قليل من الأعمال بعد ذلك ولكنها لم تحقق نجاحا يذكر اللهم إلا فيلم "السقا مات"، ما دفعه للاكتئاب وتعاطي المخدرات. تعافى شريف وكتب تجربته في قصة فيلم سماه "الغيبوبة" ظهر للنور منتصف عام 1998، غير أن الفيلم لم يحقق نجاحا يذكر فانتكس شريف وعاد للإدمان، إلى أن توفي على إثر هذا مطلع عام 2011. ومن النجوم الصغار من خطفهم الموت في مطلع شبابهم كالفنان ماهر عصام، والفنان عمرو سمير. وهناك من توفوا أطفالا كالطفل المطرب متولي هلال الذي تألق في سن صغيرة جدا قبل أن يتوفى إثر إصابته بعيار ناري خلال غنائه في أحد الأفراح الشعبية.
لا يخفى أن وراء كل نجم صغير عائلة مثقفة طموحة فيها أم تحب الفن وتعشق أولادها وتبقى على استعداد للسعي بهم وخلفهم إلى مواقع التصوير والسهر لساعات طويلة سعيا إلى إشباع هواية طفلها وتنمية موهبته الفنية. هذه مثلا أسرة مواطن قاهري اسمه حسن محمود قدمت للساحة الفنية ثلاثة من أبنائها، أولهم نبيلة حسن التي أصبحت عميدة لمعهد الفنون المسرحية في الإسكندرية، وشقيقاها مؤمن ونادر اللذان قدما أعمالا كثيرة، غير أن موهبة وحضور مؤمن كانت أكبر من شقيقه وشارك في أفلام كثيرة مع كبار النجوم أبرزها "غريب في بيتي"، "محاكمة علي بابا"، وغيرها. عاد مؤمن ليقدم كشاب دور خُضير في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"، ولكنه لم يُطلب في أعمال أخرى فهاجر للعمل في سلطنة عمان واستمر هناك ليعود بعد 15 عاما ويعمل في العقارات.
على الجانب الأكاديمي لم أجد للأسف اهتماما- كبيرا- بدراسة سيكولوجية الأطفال عندما يحققون الشهرة صغارا، وكيف تكون تعاملاتهم مع أقرانهم في المحيط الأسري والمدرسي؟ وما هي دوافع أولياء أمورهم للزج بهم في عالم الأضواء صغارا؟ وما هي أسباب اتزان بعضهم النفسي وانكسار آخرين إزاء تقلبات الوسط الفني صعودا وهبوطا؟ ولماذا لا يواصل معظمهم الصعود على سلم النجومية بعد تجاوز سن المراهقة؟ وما هي دوافع عدد كبير من النجوم لإبعاد أطفالهم عن الوسط الفني؟ ثم لماذا يملأ أبناء الفنانين الساحة الفنية بعد أن يتجاوزوا سن الطفولة، ليصبحوا حاليا هم نجوم الوسط الفني في معظم الأحوال؟ أسئلة نطرحها ونعجز عن الإجابة عليها لأنها تحتاج ردودا من متخصصين في أكاديمية الفنون، وفي أقسام علم نفس الطفولة، فهل من إجابات أكاديمية؟.