العدالة الغائبة فى المهرجان القومى للمسرح
بعد أيام يبدأ المهرجان القومى للمسرح، الحدث الذى ينتظره سنويًا كل المسرحيين بمصر، حيث يقدم، على مدار أسبوعين، نتاج الموسم المسرحى على كل مسارح القاهرة عروضًا تكون متاحة للجمهور مجانًا، لكن تظل بعض الأسئلة معلقة وبلا إجابة منذ سنوات عدة، وهى أسئلة ليست موجهة بالمناسبة لإدارة المهرجان، لأنها تبذل الجهد اللازم فى إطار الرؤية المتوارثة للمهرجان، لكنها أسئلة يليق بها أن توجه إلى المسئولين عن رسم السياسات الثقافية ذات الصلة بالثقافة عمومًا والمسرح المصرى على وجه الخصوص.
هل يعكس المهرجان القومى للمسرح صورة الموسم المسرحى بحق؟ وهل نستطيع الحسم بأن العروض المختارة هى الأفضل؟ وهل تمثل تلك العروض بحق وبنسبة عادلة كل أطياف المسرح المصرى؟
الحقيقة هناك فجوة كبيرة بين المهرجان وفنانى المسرح الشباب الذين لديهم فرقهم الخاصة، خاصة هؤلاء الذين لا يعيشون فى القاهرة، فقنوات الاتصال معهم ليست على ما يرام، إذ إنه، وللأسف، لا تتوافر بيانات الاتصال بهم فى أى إدارة مسرحية، وهو ما يحيلنا إلى أزمة عدم توافر قاعدة بيانات/ معلومات لتلك الفرق يمكن الاستناد إليها فى حدث قومى بهذا الحجم، فكثيرًا ما أشاهد عروضًا لشباب على قدر عالٍ من الاحترافية والجمال تقدم فى ساحة روابط أو الهوسابير أو مسرح نهاد صليحة، لكن أيًا منها لا يتقدم للمشاركة فى المهرجان القومى، ربما لدى تلك الفرق شعور بأن المهرجان القومى لا يستهدفها، وأنه حتى حين يمنحها جوائز، فإنها لا تجنى سوى الجائزة المالية، أما ما يترتب على الجوائز من تمكين يهيئ لها الفرص للحصول على منح للسفر أو تمثيل مصر فى مهرجانات دولية، أو أن يتواصل معها مدير مسرح طالبًا مشروع عرض جديدًا «إلا فيما ندر»، فهذا غير متاح، ولا تفتح لعروضها الفائزة أبواب المسارح لتتاح للجمهور. وما زلت أتذكر اقتراحًا مهمًا للمخرج الكبير ناصر عبدالمنعم فى اجتماع عقدته لجنة المسرح منذ سنتين أو أكثر لتطوير رؤية المهرجان، هو استبدال الجوائز المالية للشباب بجائزة إنتاج عرض، أو منحة سفر لمهرجان مسرحى مهم كـ«أفينيون» أو بعثة دراسية، كما كان يحدث فيما مضى ونتجت عنه نهضة المسرح المصرى فى الستينيات.
فى سياق الحديث عن العدالة الثقافية فإن الفجوة تصير أكثر اتساعًا حين نتحدث عن فنانى المسرح بالأقاليم الذين يجابهون الآن أزمات ضخمة فى العمل فى مسارح قصور الثقافة، بسبب الفاتورة الإلكترونية وإتاحة مسارح القصور لعروضهم، لكنهم يعانون من تهيئة ظروف مناسبة للعرض فى القاهرة، فلا إقامة ولا وسائل انتقال مريحة ولا وقت كافيًا لعمل بروفات على مسارح القاهرة، ولو أن فرقة خاصة أنتجت عرضها إنتاجًا ذاتيًا بالاكتتاب بين أعضائها وقدر لها قبول عرضها فى المهرجان، فإنه لن تتوافر لها بالأساس إقامة أو انتقالات، وبالكاد سيقدمون مسرحًا مطالبين فيه بدفع ترضيات لعمالة، مع شحن الديكور على حسابهم الشخصى.
تلك المركزية التى تعارض مبدأ العدالة الثقافية، ليس الفنان هو الطرف الوحيد المتضرر منها، بل هناك الخاسر الأكبر وهو الجمهور، فالمهرجان القومى للمسرح هو حدث سنوى كرنفالى يليق به أن يجعل المسرح متاحًا للجمهور فى كل أنحاء مصر لا فى القاهرة فقط، فهل جمهور القاهرة فقط هو المستحق مشاهدة أفضل عروض الموسم المسرحى؟
إن علينا أن نجد وسيلة وأن نضمن للمهرجان ميزانية لتجوال العروض، ولتكن بعض أفضل العروض المقدمة، على تنوعها بالمهرجان، حتى يصير مهرجانًا قوميًا يحقق نهضة مسرحية وحراكًا مسرحيًا فى مختلف أنحاء مصر.
فيما مضى كنا نقيم مؤتمرًا قوميًا للمسرح يصدر عنه تقرير للحالة المسرحية وبعض التوصيات التى ربما لم يعمل بمعظمها، إلا أن هذا المؤتمر كان يعمل حقيقة على تقليل الفجوة بين روافد المسرح المختلفة والأجيال المتعاقبة، وقد مضى تقريبًا ١٠ سنوات على آخر مؤتمر تم عقده، فلماذا لا تدعو لجنة المسرح الحالية لمؤتمر قومى للمسرح ربما تسنح الفرصة عبره للتعرف على تجارب شباب المسرح واحتياجاتهم الحقيقية ومراعاتها فى خططنا المستقبلية للمسرح المصرى؟
وأخيرًا أؤكد أن الأمر يتعلق برؤية شاملة لا تتعلق بإدارة المهرجان الحالية التى تبذل أقصى ما فى وسعها وكانت لها إضافات مهمة خاصة فى التسويق والمواكبة التكنولوجية، بل يتعلق الأمر فى حقيقته برؤية قطاع المسرح بكل روافده، بل إن شئنا الدقة قطاع الثقافة بكامله.