دموع سراج منير في بلاط صاحبة الجلالة.. القصة الكاملة
سراج منير، من ينسي أدواره ــ وإن لم تكن بطولات مطلقة ــ في العشرات من الأفلام السينمائية المصرية والتي شكلت وجدان أكثر من جيل، وهل ينسي “عنتر” الذي انحزنا مع لبلب ضده، هل ننسي دوره في فيلم “بنات اليوم”، دكتور سليمان أبو البنات المتفتح العقلاني، وغيرها العشرات من الأدوار التي قدمها عبر مشواره الفني الطويل.
حكاية مجلة السمير ومتي بدأت مع سراج منير
على الجانب الآخرمن حياة ومسيرة سراج منير لا يعرف عنه الكثيرين شيئا، ألا وهو عمله كمحرر صحفي في مجلة “السمير”، وهو ما باح به في العدد 297 من مجلّة «الكواكب» والمنشور بتاريخ 9 أبريل 1957. بعنوان "كنت المحرر النحرير في مجلة السمير"، ويستهل حديثه مشيرا إلي: لا تعجبوا فقد كنت صحفيا وكنت المحرر النحرير في مجلة السمير ولي في ميدان صاحبة الجلالة ذكريات ومتاعب، وأشواق وصدقوني أنني إذا أعتزلت المسرح فسأعمل صحفيا.
كنا في المدرسة الخديوية يتوزع نشاطنا بين مختلف الرياضات ونقضي فترة الغداء في شقاوة لا مثيل لها، وكان لي زميل هادئ الطباع لين العريكة ينافسني في الحصول علي أعلي الدرجات في الانشاء، وكان هذا التنافس يبلغ في بعض الأحيان حدا عنيفا، وكان أستاذ اللغة العربية يتدخل ليفض ويحاول أن يقنعني بأن هذا الزميل أكثر براعة مني، وأنني لكي أفوز عليه يجب أن أقرأ وأقرأ حتي تزيد حصيلتي من لغة الضاد والفصحي.
ما محبة إلا بعد عداوة
ويتابع سراج منير: كنت أذهب إلي المكتبة لأقرأ، فإذا ما أقبلت الأجازة السنوية ذهبت إلي دار الكتب لأواصل القراءة. وحدث أن التقيت بزميلي هناك، فلما أحسسنا بأننا في مكان بعيد من فصل المدرسة وحصة الانشاء تصافحنا في شوق ونسينا الخصومة المستحكمة ورحنا نتجاذب أطراف الحديث. وكان في يدي مجلة قلبها زميلي بين يديه وقال: "أنني أستطيع أن أكتب أحسن من نصف الذين يكتبون فيها. أسمع يا سراج لماذا لا نتحد ونصدر مجلة في العام القادم؟"، وتعاهدنا وتصافحنا علي العهد. وكنا نلتقي كل يوم في دار الكتب لنرسم صفحات المجلة ونعد لها العناوين ونتخير المقالات. اخترنا أن تكون أسبوعية وأن تصدر كل ثلاثاء. وآثرنا أن نترجم لها من الكتب والمجلات الأجنبية لأننا كنا أكثر اطلاعا من سوانا من الطلبة. ولما بدأ العام الدراسي ألصقنا علي حائط المدرسة الخارجي إعلانا عن مجلتنا وكنا نسميها "السمير المصور".
سراج منير المحرر الأول لمجلة السمير
ويضيف “منير”: كنا نقصد بالسمير أنها تؤنس وحدة القارئ، أما كلمة المصور فقد جاءت من بصمة رسوم ركيكة تتخلل صفحاتها. وكانت المطبعة التي تطبع فيها مجلتنا غير بعيدة عنا، كانت في درب خلف دار الكتب، وكانت مدرستنا في درب الجماميز، وكنا ننتهز فرصة فسحة الغداء فنقفز من علي السور، أنا وزميلي الذي كنت قد سلمت له بأن يكون رئيسا للتحرير في حين أكون أنا المحرر الأول. ونذهب إلي المطبعة غير مكترثين للغداء الذي يستولي عليه زملاؤنا، وكانت المطبعة تكلفنا الكثير، تلتهم كل مصروفنا، فنضطر أحيانا لجمع ثمنها من زملائنا الذين ينتظرونها بلهفة حتي ندفع مؤخر أجر المطبعة. وكنا نمكث في المطبعة فسحة الغداء إلا أقل القليل، فنذهب إلي "عم بركات" الذي كان يبيع الطعمية في أول شارع السلطان حسن ونتناول طعام الغداء عنده، ونعود إلي المدرسة مع دقات جرس الحصة السادسة التي تلي الغداء.
خلال دراستة بالمدرسة الخديوية أصدر مجلة أسبوعية
وفي يوم الثلاثاء أخرج من المدرسة منتفخ الأوداج، فأنني أكون قد حملت المجلة إلي الباعة، وكنا نطبع ألف نسخة أسبوعيا، وأسمع الباعة يتصايحون: "السمير المصور..السمير المصور" فإذا ما رأوني فأنهم يجاملونني صائحين: "اقرا لـ سراج منير". وكانت مقالاتي في الصفحة الأولي تذيل بالتوقيع الذي اشتهر عني "بقلم الكاتب النحرير سراج منير". وكانت المجلة تلاقي رواجا عظيما، وكنا لا نكاد نجمع ثمنها حتي نطير به إلي المطبعة لندفع عربون العدد القادم، ثم نعكف علي المجلات الأجنبية والكتب الأدبية فنستخرج المقتطفات والمختارات من بطونها. ونكتب..نكتب بلا ملل ولا انقطاع، ونجد في الكتابة متعتنا الكبري، ونحلم بالمستقبل الذي نعيد به مجد عبد الله النديم ومصطفي كامل وغيرهما من الصحفيين الأوائل في تاريخ الصحافة المصرية.
ناظر المدرسة يغلق المجلة لهذه الأسباب
وظللنا نصدر المجلة ثلاثة أعوام كاملة، كان أستاتذتنا يشجعونها، وكان ناظر المدرسة يثني عليها، فلما تغير الناظر أقبل ناظرا ثان له عقلية من نوع آخر، فلما رأي المجلة خطرا عليه لأنها تتعرض إلي بعض شئون السياسة، وأنها قد تشتم حاكما أو تعرض بكبير، وفي هذا ما يهدد مركزه ويؤرجح المقعد من تحته.
أستدعانا ناظر المدرسة ذات يوم وصاح بنا: "أيه الكلام الفارغ اللي انتوا عاملينه ده.. أما ماسمحش في مدرستي بحاجة زي دي ففتحت فمي لأقول له: يا سعادة البيه احنا بنعمل المجلة دي من 3 سنين، فرد: وكمان بتعارضني، وكمان لك تعليقات علي كلامي"، وعدنا إلي الفصل وفي أعيننا دموع صاحبة الجلالة التي صفعها ناظرنا، وفي قلوبنا حسرة علي السمير المصور الذي كان مبعث الفخر، ومتنفس الرأي، وفرصة تعلم الكاتب النحرير سراج منير.ونسيت أن أقول لكم من كان منافسي في الانشاء، الذي أصبح رئيس التحرير، إنه الزميل عمر عبد العزيز أمين.