رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"العلمين": القدس عربية.. لآخر يوم فى الحياة

تتواصل فعاليات مهرجان العلمين لهذا العام بنجاح فني لافت وحضور جماهيري يعكس تحضر الشعب المصري وشغفه بالفن الراقي. فضلًا عما حققه المهرجان خاصةً ومدينة العلمين عامةً من قدرة على جذب أعداد كبيرة من السياح المصريين والعرب. وها هو المهرجان يتهيأ على مدار يومين متتاليين لاستقبال المطربين العربيين الكبيرين كاظم الساهر وماجدة الرومي يومي الخميس والجمعة القادمين.

ومع بالغ الفرحة بعودة هذين النجمين على وجه التحديد إلى مسارح مصر وأنشطتها الفنية، إلا أن سعادتي بلغت ذروتها حين تابعت حفل الكينج محمد منير. منير الذي سيبقى واحدًا من الأصوات المصرية الراقية والمعبرة والمثقفة، رغم ما قد يبدو على صوته من وهن ألم به مؤخرًا نتيجة ظرف صحي يمر به، وندعو الله أن يتعافى منه عاجلًا غير آجل ليظل يصدح بأغنياته الراقية التي نشأنا عليها فأطربتنا. ولأنني واحد من أولئك الذين يؤمنون أن للفن رسالة تفوق مجرد الإمتاع والتسلية، فمبلغ ظني أن منير ليس مجرد صوت جميل يطرب عشاق فنه، لكنه أيضًا مواطن يمتلك ثقافة وموقفًا ووعيًا بدور الفن في توعية الناس وفي تعريفهم بعدالة قضايانا. ولعل أغنيته "مدد" التي قدمها في حفله بالعلمين قبل أيام أكبر دليل على ما أقول وأبلغ تأكيد على ما أعتقد.

فمن من شبابنا اليوم لم يردد مع الكينج هذه الأغنية من أشعار كوثر مصطفى، وهي الأغنية التي تحمل رسالة سياسية قد تبدو مباشرة، لكنها قضية تحتاج هذه المباشرة لتصل واضحة جلية لجيل لم يعد يهتم بالقراءة ولم يعد يمتلك قدرًا من الثقافة التي تعرفه بأبعاد قضية العرب الأولى. فحين يسمع الشباب هذه الجملة من محبوبهم، فإنهم سيسعون بالتأكيد للسؤال والمعرفة ويزدادون ثباتًا على موقفنا العربي والإنساني الراسخ. إن شابًا أو فتاة يردد جملة منير "القدس عربية لآخر يوم في الحياة" سيعمل على الوفاء بهذا التعهد والقسم الذي أقسمه مع منير.

هذه الأغنية التي يحرص منير على أن تكون ضمن برنامج كل حفلاته تُذكرنا بالعندليب الأسمر حين جعل من أغنية "أحلف بسماها وبترابها" للخال الأبنودي شعرًا وللعملاق الطويل لحنًا ولمصر كلها هدفًا، جعلها قَسمًا ويمينًا وتعهُّدًا. ظل عبدالحليم يستهل حفلاته الغنائية بهذا القسم بعد نكسة 67، فكان بهذا النشيد يُنبه جمهوره بواجبهم وهدفهم الاستراتيجي حتى في لحظات سعادتهم بعمل فني جديد، وهو في هذا كان كالمسحراتي الذي يوقظ الناس من سباتهم حتى يتهيأوا لصوم الفريضة التي فرضها الله عليهم.

نحن في انتظار المزيد من القيم الفنية والرسائل الوطنية والعروبية التي ستتحفنا بها حفلات مهرجان العلمين، وخاصة في حفلي القيصر الساهر والعروبية المثقفة ماجدة الرومي، وهو ما قد يدعونا للعودة للكتابة من جديد عن هذا المهرجان الفني الراقي لرصد ما نلتقطه من ملاحظات في حفلاته وفعالياته المتميزة.