يا أولاد النيل.. احذروا تفخيخ العلاقات
تاريخ مصر على مر العصور.. عابر للقارات، هذا التاريخ هو المعلم الأول للأشقاء، ومحتضن لكل الأجناس من جميع البلاد.. لا تفرق بين أحد، وتقدم كل ما لديها من إمكانيات ومساعدات وتعقد الاتفاقيات لحماية ضيوفها الكرام أصحاب الآلام والفارين من الحروب والنزاعات. والرسالة الإنسانية المستدامة لكل من أجبر على ترك أرضه ووطنه "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".
أتابع ملف ضيوف مصر الكرام. أعلم أننا أمام تحديات كبيرة فيما يخص هذا الملف.
يطرح السؤال نفسه الآن بعد ما رأيت فيديوهات لتصرفات ومواقف حياتية حقيقية من الشارع، والتى جعلت من يسأل: هل أصبحنا ضيوفًا فى منازلنا أو بالأحرى فى وطننا؟ وهو السؤال المكرر والمنقول والمنحول على الـ«فيسبوك» الآن.
لا شك أن كل شعب يحمل فى طباعه الخير والشر، وفيه من أهل المروءة وأهل المكر والبطش، وأحيانًا الغدر وأحيانًا أخرى أهل التفرقة والتمييز والإقصاء لإحداث شغب وانقسام. لا أستبعد نظرية المؤامرة على إسقاط الدول وتفتيت شعوبها فى سبيل الحصول على الصيد الثمين، ولكن أعلم علم اليقين أن مصر دائمًا وأبدًا هى مقبرة للغزاة، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
ولا شك أيضًا أن تكون هناك بعض التجاوزات الفردية من الضيوف على أرضنا الغالية والعزيزة والأبية.
تعرضت صديقة لى منذ عدة أيام لموقف صعب مع ابنها الشاب صاحب الستة عشر عامًا،
حيث شجعته على خوض تجربة البحث عن عمل خلال شهور الصيف بجانب المنزل، لكى
يكتسب خبرة العمل والحياة والتعاملات الإنسانية المعقدة.
ذهب ابنها إلى الأماكن ذات الكثافة من المحلات والخدمات فى نفس المحيط داخل منطقتهم السكنية. وفوجئ ابنها الشاب أن صاحب أحد المحلات، وهو مصرى، يقول له «لا عمل إلا لسودانى». ذهب الشاب صاحب الستة عشر عامًا وهو يتساءل: هل هذا حقيقى؟ لم ينتظر أن يحكى لأمه ما حدث، واتصل بها ليحكى لها ما حدث، فقالت له: اركب عربية صغيرة من المكان وارجع إلى المنزل. وكانت المفاجأة التالية هى أنه بعد أن ذهب يبحث عن السيارة المخصصة للتنقل داخل محيط المجمع السكنى، قال له صاحب السيارة، وهو مصرى أيضًا: «للسودانيين فقط». وبالفعل، انتظر حتى جاء واحد آخر سودانى ليقله ويتحرك، وترك الشاب، الذى تأخر على عودته للمنزل لما يقرب من ساعة رغم أن المسافة المقررة للوصول إلى المنزل لا تتعدى 15 دقيقة بالسيارة.
فماذا حدث؟
اكتملت التجربة بأن اصطحبت صديقتى ابنها لشراء بعض الاحتياجات المنزلية، فوجئت أنه فى نفس الشارع الذى تسكن فيه بأن جميع المحلات تقريبًا قد تم تأجيرها أو بيعها للمنتجات السودانية فقط. وبعيدًا عن كل التحديات السابقة، أصبحت صديقتى مهددة فى الحفاظ على استقرار أسرتها والبقاء بمنزلها بعد أن رفعت مالكة شقتها الإيجار بشكل مبالغ فيه، وهو ما حدث بسبب الطلب السودانى الكبير على الشقق سواء للشراء أو الإيجار، مما استغله بعضهم لتحقيق أكبر مكاسب مالية تحت مقولة السوق تحت أمر العرض والطلب.
ما سبق، حقيقة شاهدت تفاصيلها، ولكن يبقى مشهد لا يمكن تجاهله، وهو وجود تأجيج غير طبيعى لإحداث حالة من التوتر والانقسام والبلبلة بين شعبى النيل وأبنائه. وما زال هناك سؤال مزعج حول ما يجرى فى المجتمع من إثارة الشعب المصرى ضد أبناء الشعب السودانى الفارين من شبح الموت إلى مصر، وفى المقابل تعميم التصرفات الفردية الشاذة لبعض السودانيين باعتبارها حالة عامة، بالإضافة إلى ترسيخ وتأكيد فكرة أنهم المسئولون عن الأزمات الاقتصادية التى نعانى منها جميعًا.. رغم أنها تسبق ما أصابهم، وبعض أسبابها أزمة عالمية.
الذى يدفع ثمن كل ما سبق هنا هم الطبقة المتوسطة بعد ازدياد الطلب على المنتجات الغذائية حتى تحولت حياتهم إلى سلسلة من المعاناة والاحتياج، وهو واقع مخيف ومؤلم ومرعب، بسبب جشع محتكرى السلع الغذائية ومرتزقة الحروب أو كما أحب أن أطلق عليهم "أغنياء الحروب".
نقطة ومن أول الصبر..
دولة 30 يونيو دولة قوية قادرة على إدارة الأزمات، وتحمل ملفات معقدة وخطيرة تخص الأمن القومى. وما يحدث الآن هو ملف أمن قومى يحتاج إلى سيناريو سريع للحل حتى لا ينفخ البعض فى النار معلنًا إطلاق نفير الحرب تحت شعار «حتى لا نتحول إلى ضيوف فى بلدنا». نحتاج إلى ضبط الأسعار، وإطلاق حملات ودوريات لمتابعة ما يحدث فى الشارع ورصد التجاوزات واحترام الدولة وسيادة القانون.