رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاولات الإخوان هدم الدولة المصرية (1)

يتفق الخبراء والمختصون في الإسلام السياسي، على أنَّ جماعة الإخوان مثّلت المرجع الشرعي للإرهاب، وقامت بتغذية خطاب الكراهية والتطرف منذ نشأتها، وعلى مدار قرابة مائة عام، مؤكدين أنَّ الجماعة لا تؤمن بفكرة الدولة الوطنية، وعملت بشكل كبير على هدمها لدى الشعوب العربية.

إنَّ خطاب التطرف والإرهاب يُغذِّيه، على مدار السنوات الماضية، أربعون تيارًا متشددًا، في مقدمتها جماعة الإخوان وما تفرع عنها من جماعات إرهابية ومتطرفة.. وتدور التيارات المتطرفة حول خمسة وثلاثين مفهومًا، منها الحاكمية والجاهلية والتكفير، وغيرها.. وتحاول هذه التيارات إيجاد تفسيرات مغلوطة لهذه المفاهيم، دون أن يكون لها أي مرجعيات شرعية صحيحة.. ويُعد سيد قطب، أهم مُنظِّري التنظيم، فقد استند إلى (فكرة التكفير) في تكفير الجميع، كما روَّج لفكرة جاهلية المجتمعات المُسلمة، حتى إنَّه كررها في كتاباته أكثر من ألف مرة.. وتقوم فكرة الولاء والبراء لدى تيارات التطرف، على رفض فكرة الوطن، الذي تعتبره أحد مرتكزات التكفير.. فالإنسان لا يكون كامل الإيمان إلا إذا تبرأ من وطنه وعاداه.. كما أسهم مصطلح (الفرقة الناجية)، منذ انتشاره في أوساط جماعات التطرف، في بناء ثقافة الإقصاء والكراهية، وفي انتشار مصطلحات الفِسق والتكفير.. وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى صناعة الإرهاب والتطرف، من بينها الفهم الخاطئ للدين وعدم احترام الاختلاف ورفض الآخر، وقد أدى غياب العالِم الديني المُستنير المُنفتح على العلوم الإنسانية، الى ظهور نبتة جاهلة من مُدَّعي العِلم، تتسم بالجمود دون إدراك الفهم الصحيح للدين.

وهناك ملامح عديدة لخطاب التطرف، من بينها إثارة الفتن في المجتمعات، وانتقادها دائمًا، وفرض أفكار غريبة عليها، وترويع الآمنين، واختطاف النصوص الدينية.. حتى إنَّ تحولات الخطاب المتطرف وظَّف وباء كورونا ـ مثلًا ـ في التخويف والترويع والشماتة في المرضى، بزعم أن الوباء عقاب من الله للبشرية.. وما اتفق عليه أهل الاختصاص، أن تحقيق التنمية الشاملة في الدول والمجتمعات، إحدى أهم الأدوات في مواجهة التطرف وخطابه.. وقد ضربت مصر نموذجًا مهمًا في مواجهة التطرف والإرهاب، حين نجحت في بلورة استراتيجية شاملة ومتكاملة، تضمنت أبعادًا أمنية وفكرية وتنموية، وقد أخذت الدولة المصرية على عاتقها مسئولية مواجهة الإرهاب والتطرف في المنطقة، وكانت حائط صد قويا ضد المتطرفين والإرهابيين.

لقد أثبتت الأيام صواب الرؤية المصرية فيما يتعلق باستراتيجية القاهرة في مكافحة الإرهاب، ولم يُخطئ الرئيس عبدالفتاح السيسي حينما أعلن، بعد توليه المسئولية، عن أن مصر تُحارب الإرهاب نيابة عن العالم.. وبرغم الموقف العدائي من  بعض الدول الأوروبية، وقتها، من تلك الإجراءات التي اتخذتها مصر في سبيل مكافحة الإرهاب، خصوصًا في سيناء، إلا أنها أصبحت فيما بعد محل إشادة من تلك الدول نفسها، بعد أن ذاقت هذه الدول مرارة الإرهاب، واعترفت بنجاح جهود مصر في التصدي للإرهاب العابر للحدود، بتوقيع اتفاقيات ثنائية مع دول أوروبا لتوحيد قاعدة البيانات وتداول المعلومات بشأن تنقلات المقاتلين الأجانب، وقطع خطوط الدعم والتمويل للإرهاب، ورصد الاتصالات واللقاءات التنظيمية، التي كانت تعقد في بعض الدول الأوروبية، للتخطيط لاستهداف أمن الدول، خصوصًا بعض الدول الإفريقية، كمصر والسودان وليبيا، وكان التنسيق الأمني بين مصر ودول أوروبا عالي المستوى.

واجهت مصر التطرف وحدها بعد الثلاثين من يونيو 2013، وحذرت من استمرار احتضان بعض الدول الجماعات الإرهابية، وطالبت بتجديد الخطاب الديني لمجابهة الفكر المتطرف، وتنبأت بمخاطر الإرهاب العابر للحدود وتأثيره على الاستقرار الإقليمي والدولي، إذ أدى نمو الإرهاب العابر للحدود، في السنوات الأخيرة، إلى ظهور سلسلة من الهجمات في أوروبا، وأدى صعود تنظيم داعش في سوريا والعراق إلى وقوع هجمات كبيرة في العديد من المدن الأوروبية، فضلًا عن انضمام الآلاف من المواطنين الأوروبيين إلى هذا التنظيم.

خاضت الجمهورية المصرية الجديدة معارك غير مسبوقة.. الأولى، أمام أخطر التنظيمات الإرهابية التي عرفها العالم، وفي مقدمتها تنظيم الإخوان الدولي، وواجهت، مع المصريين، حربًا ضروسًا لاستئصال ورم جماعة الإخوان السرطاني.. والثانية، خاضتها القيادة السياسية أمام المحافل الدولية، لتثبت للعالم صحة الرؤية المصرية في ملف الإرهاب، وخطورة جماعة الإخوان على جميع الدول، وليس مصر وحسب.. وفي كلمة مهمة  ألقاها الرئيس السيسي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عقدت عام 2014، أكد ضرورة مكافحة التطرف والإرهاب، من خلال تعاون دولي مشترك ومتكامل، لمواجهة مخاطره في كل العالم، وليس في سوريا والعراق.. وأخطر ما نوه إليه الرئيس، وقتها، هو أن الإرهاب ليس فقط، تنظيم داعش، بل هو أيضًا جماعة الإخوان وكل التنظيمات التي على شاكلتها، وشدد على أن الإرهاب سيطول الدول التي تظن أنها بمنأى عنه. 

تحركت الدولة المصرية على عدة مسارات متوازية لمواجهة الإرهاب، بدأتها من الداخل.. المسار الأول، كان التصدي الاحترافي للعمليات الإرهابية القذرة، وإبعادها عن المدنيين بكل السبل المُمكنة.. فكان تصدى رجال القوات المسلحة والشرطة للإرهاب، ملحميًا وبطوليًا، قدموا أرواحهم لحماية المصريين، وضربوا نموذجًا لعقيدة عسكرية نادرة.. المسار الثاني، نشر الوعى ومكافحة الشائعات والأكاذيب، وبناء الثقة بين المواطن المصرى والدولة، وكان دور الرئيس فيها ملهمًا وفاصلًا، فالتزم بالصدق والصبر في حل المشكلات الداخلية، وخرج بنفسه للدفاع عن عمل الدولة في مواجهة ماكينات الشائعات الإخوانية في الداخل والخارج.. والمسار الثالث، كان في البناء والتنمية بلا توقف، أيًا كانت الظروف الراهنة التي يمر بها العالم، وفق منهج وضعه الرئيس السيسي لمواجهة حملات التشويه والتطاول، على الدولة المصرية، وعلى الرئيس ذاته، سواء في الداخل أو الخارج، وهو المفتاح في فهم كيف نجحت مصر، في حربها الشرسة التي خاضتها ضد جماعة الإخوان، والحفاظ على استقرار الدولة وبناء الجمهورية الجديدة.

كانت الرؤية المصرية صائبة، وكان التعامل الشامل مع الإرهاب هو المطلوب، وهذا ما أكد عليه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال قمة المناخ 2022.. وفي لقائه الرئيس السيسي، أشار بايدن إلى نجاح مصر في مكافحة الإرهاب، لأن مصر طبقت استراتيجية متوازية في التعامل الشامل مع الجماعات الإرهابية، بدأتها بتجفيف منابع الإرهاب، وقطع مصادر التمويلات والدعم، بجانب مجابهة الفكر المتطرف الذي نشرته جماعة الإخوان الإرهابية، ومن ثم، كانت المطالبة المصرية بتجديد الخطاب الديني، والتعريف بأصول الدين الوسطي المُعتدل، ولأنه كان لمصر فلسفة جادة، جاء نجاحها في كسب معركتها مع الإرهاب.
من هنا، لم تألُ الكتائب الإلكترونية لتنظيم الإخوان الإرهابي، جهدًا في استهداف استقرار الدولة المصرية، ببث الشائعات وحشد الرأي العام ضد مؤسسات الدولة، في الوقت الذي بذلت فيه السلطات المصرية، وما زالت، جهودًا أكبر للتصدي لهذه المخططات، وبيقظة كبيرة.. رصدت عدة صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يستغلها الإخوان للترويج لأفكارهم العدائية، بالتزامن مع مناسبات مختلفة، خصوصًا أن هذه الصفحات تتخفَّى تحت مسميات اجتماعية وترفيهية، لكنها تنشط بين الحين والآخر لنشر أفكار مسمومة تستهدف المواطنين لتهييج المشاعر وإثارة الفوضى، وغالبية هذه الصفحات تدار من خارج البلاد، وتنشط بشكل مكثف لتسليط الضوء على حدث بعينه بغرض إثارة البلبلة، لكن السلطات المصرية تتعامل بمنتهى اليقظة مع هذه المخططات، وتوجه ضربات استباقية مستمرة لنسف هذه المخططات ومحاصرة نشاط التنظيم الإرهابي، الذي تُعد كتائبه الإلكترونية أحد الدلائل التي تؤكد تطرف التنظيمات الدينية، والإخوان على وجه التحديد، التي تمتلك أذرعًا مسلحة تمارس دورها في منظومة العنف وتصفية الخصوم، واستهداف المؤسسات الوطنية في الدول، وكذلك لها كتائب إلكترونية تمارس عملية تشويه واستهداف للخصوم، فيما يمكن أن نسميه بـ(الاغتيال المعنوي).. فعندما تفشل الجماعة الإرهابية في الوصول إلى شخص تريد تصفيته أو اغتياله عن طريق كتائبها المسلحة، تلجأ إلى نظيرتها الإلكترونية، وقد تنشط بعض هذه الكتائب بعد وفاة الشخص بهدف الانتقام، كما حدث مع الإعلامي الراحل، وائل الإبراشي، الذين فشلوا، عندما كان على قيد الحياة، في استهدافه بفضل الجهود الأمنية، كما فشلوا في اغتياله معنويًّا أيضًا؛ لذلك حاولوا أن يحققوا ما أرادوا بعد وفاته، رحمه الله.

■■ وبعد..

ما سبق كان توطئة لحديث طويل عن جرائم إخوان الشر ضد الدولة المصرية، تستوجب الحديث عنها باستفاضة في المقالات المقبلة.. إلا أن كتابًا حول (النشاط الإعلامي والاتصالي لجماعة الإخوان المسلمين.. الرؤية، الأهداف، المستقبل) صدر في أبريل 2022، عن مركز ترندز؛ أكد أن إعلام الإخوان يواجه في هذه المرحلة أزمة حقيقية كبرى، تضعه على طريق الاختفاء أو (الموت الإكلينيكي)، بالنظر إلى مجموعة من العوامل؛ من بينها: فقدانه بيئته الأصلية التي كان يعمل فيها وهي البيئة المصرية، وغياب التعاطف من قِبل الشعب المصري، وخسارته الملاذ الذي وفرته تركيا له سابقًا، وصعوبة إيجاد ملاذ آخر له دون شروط مسبقة، وتحوُّله لمجرد منصة ممولة بمال سياسي بهدف التشهير بالخصوم، وكان هذا الملاذ هو لندن في بريطانيا.. بالإضافة إلى الخلافات الداخلية التي تعانيها الجماعة، وفشلها في تحقيق أهدافها.. وللحديث بداية.

حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.