14 عاما على رحيله.. جولة في أعمال نصر حامد أبو زيد
14 عاما مرت على وفاة المفكر نصر حامد أبو زيد، الذي ولد في 5 يوليو لعام 2010، لإحدى قرى مدينة طنطا، التابعة لمحافظة الغربية، لأسرة ريفية بسيطة، لم يستطع استكمال دراسته الجامعية، فحصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960، إلا أن طموحه لم يتوقف فدرس أثناء عمله إلى أن حصل على شهادة الثانوية العامة مما أهله لدخول الجامعة والدراسة فيها.
درس "أبو زيد" في قسم اللغة العربية والفلسفة، ونجح في السنة الأولى من دراسته الجامعية بتقدير جيد فقط، إلا أنه انكب على الدراسة وأزاد من عزمه حتى أصبح ينجح بامتياز وكان الأول على زملائه، وحتى التخرج.
مسيرة طويلة خاضها نصر حامد أبو زيد في المجالي الأكاديمي والعملي، أنتج فيها عددا كبيرا من الأعمال الأدبية ومنها:
الاتجاه العقلى فى التفسير
وهو عبارة عن دراسة فى قضية المجاز فى القرآن عندالمعتزلة، وكانت رسالته للماجستير، إذ يعد بحث "المجاز" من أهم مباحث البلاغة، وهو لم يحظ بدراسة مستقلة تعني بتقصي ظروف نشأته، وأثر القرآن في تحديد ماهيته ووظيفته في التعبير البليغ، ولقد أشار الباحثون إلى أثر المعتزلة بصفة خاصة في إنضاج مفهوم "المجاز" من خلال سعيهم الدائب لنفي التصورات الشعبية عن الذات الآلهة وعن أفعالها. غير أن هذه الإشارات جاءت مجملة في سياق موضوع أعم هو موضوع الصورة الأدبية في النقد العربي وكان لهذه الإشارات الفضل في تنبيه الباحث الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى أهمية الموضوع، فكان إن عمل في هذا الكتاب على دراسته دراسة تفصيلية هدفت إلى الكشف عن تلك العلاقة الوثيقة بين الفكر الاعتزالي، وبين بحث المجاز في القرآن، وهي علاقة كان لها أثرها في توجيه مبحث المجاز وجهة خاصة في دراسة الشعر والنثر على السواء.
فلسفة التأويل
دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربى، وكانت رسالته للدكتوراة، فى كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية، ويقدِّم نصر حامد أبو زيد في هذا الكتاب دراسةً مستفيضة لرؤية النص القرآني وتأويله لدى "ابن عربي"، متناوِلًا الجوانبَ الوجودية والمعرفية لفلسفته عبر ثلاثة محاور: يمثِّل المحور الأول التصوُّرَ الوجودي عند ابن عربي، وهو التصوُّر الذي يقوم على ثُنائية الظاهر والباطن؛ ظاهر حسِّي ملموس، وباطن روحي عميق. أمَّا المحور الثاني فيختصُّ بتصوُّر ابن عربي للعلاقة بين الإنسان والوجود، وتفرُّد الإنسان بالقدرة على الوُلوج إلى أعماق الوجود الباطني. وأمَّا المحور الثالث فيتعلَّق بفَهم ابن عربي لماهية النص القرآني وعلاقته بالوجود؛ إذ يرى أن القرآن هو الوجود المتجلِّي من خلال اللغة؛ وجود له ظاهر وباطن، ولغة لها مستوياتٌ ومَراتبُ تماثِل مستويات الوجود ومَراتبه.
مفهوم النص: دراسة فى علوم القرآن
إن البحث عن مفهوم "النص" ليس في حقيقته إلَّا بحثًا عن ماهيَّة القرآن وطبيعته بوصفِه نصًّا لُغويًّا. وهو بحث يتناول القرآن من حيث "هو كتاب العربية الأكبر، وأثره الأدبي الخالد"، فالقرآن كتاب الفنِّ العربي الأقدس، سواء نظر إليه الناظر على أنه كذلك في الدِّين أم لا.
باعتبار النص مركزًا لدائرة ثقافتنا الإسلامية، وانطلاقًا من المنهج اللُّغوي في تحليل النصوص؛ يُقدِّم نصر حامد أبو زيد دراسته الأم حول النص القرآني، محاوِلًا اكتشافَ طبيعته ومفهومه، للوصول إلى كُنْه العلاقة المركَّبة بين النص والثقافة، من حيث تشكُّله بها أولًا، وتشكيله لها ثانيًا؛ ومحاوِلًا كذلك البحث في العلاقة بين النص القرآني والنصوص الأخرى من جهة، وآليَّاته في توليد الدلالة من جهة أخرى، عبر مفاهيم الإعجاز والبلاغة، والغموض والوضوح، والتفسير والتأويل، وأخيرًا تسعى هذه الدراسة للكشف عن التحوُّل الذي أصاب مفهومَ النص ووظيفتَه، عبر الوقوف عند فكر أبي حامد الغزالي بوصفه المفكِّر الذي التقَت عنده تيَّاراتُ الفكر الديني واتِّجاهاته، رسميًّا وشعبيًّا.
إشكاليات القراءة وآليات التأويل
عنوان لدراسات يجمعها هم فكري واحد، هو هم "إشكاليات القراءة" بشكل عام، وقراءة التراث بشكل خاص. وقد تمّ تقسيمها على ثلاثة محاور هي على التوالي: المشكلات النظرية، قراءات تجريبية، وقراءات على قراءات.
ولما كان التعدد والتنوع لا ينفي الوحدة في إطارها النظري العام، فقد كانت هذه الدراسة بمثابة "تجارب" جزئية متنوعة تهدف إلى اكتشاف الروابط الخفية بين مجالات الفكر التراثي وصولًا إلى وحدته. ولعل من أهم النتائج التي يمكن تلمسها من هذه الدراسات أن "التراث" منظومة فكرية واحدة، تتجلى في أنماط وأنساق جزئية متغايرة في كل مجال معرفي خاص. لم يكن سيبويه-مثلًا-وهو يضع البناء النظري والقوانين الكلية للغة العربية معزولًا عن إنجازات الفقهاء والقراء والمحدثين والمتكلمين. وبالمثل لم يكن عبد القاهر الجرجاني، ومن سبقه ومن تلاه من البلاغيين، يمارسون نشاطهم الفكري في مجال البلاغة خارج إطار علم الكلام وأصول الفقه، ناهيك بعلوم اللغة والنحو. ومن قبيل تحصيل الحاصل اليوم أن نقول أن علوم النقد والبلاغة لم تنعزل لحظة واحدة عن العلوم الدينية من كلام وفقه وتفسير.
نقد الخطاب الديني
هذا الكتاب ساعد في ذيوع صيته ما تعرض له مؤلفه من هموم بالارتداد عن الإسلام وتشهير وقذف وصل إلى نهاية اتهامه بالكفر. والكتاب هو " نقد الخطاب الديني" الذي يضم دراسة تعتمد مجمل الخطاب الديني موضوعًا لها، وذلك دون الأخذ في الاعتبار تلك التفرقة المستقرة إعلاميًا، بين "المعتدل" و"المتطرف" في هذا الخطاب. على اعتبار أن الفارق بين هذين النمطين من الخطاب فارق في الدرجة لا في النوع لأن الباحث لا يجد تغايرًا أو اختلافًا، من حيث المنطلقات الفكرية أو الآليات، بينهما.
ويتجلى التطابق في اعتماد نمطي الخطاب على عناصر أساسية ثابتة في بنية الخطاب الديني بشكل عام، عناصر أساسية غير قابلة للنقاش أو الحوار أو المساومة. في القلب من هذه العناصر عنصران جوهريان تعرض لهما المؤلف في هذه الدراسة بالمناقشة وهما: "النص" و"الحاكمية".
هكذا تكلم ابن عربى
نظرًا للمكانة الخاصة التي يتمتع بها "ابن عربي" في التراث الفكري والروحي الإنساني عامة، والإسلامي خاصة؛ فقد عكف "نصر حامد أبو زيد" على دراسة تجرِبته واضعًا إيَّاها تحت مِبضع التحليل؛ لاستخلاص مميزاتها وإسهاماتها في مجالات عديدة، مثل الفقه والعقيدة والفلسفة، فضلًا عن علوم تفسير القرآن، وعلوم الحديث، وعلوم اللغة والبلاغة، مع تقديم رؤية بانورامية للفكر الإسلامي في القرنَين السادس والسابع الهجريَّين (الحادي عشر والثاني عشر الميلاديَّين).
الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية
هل الوسطية سِمة أصيلة من سِمات الفكر الإسلامي، أم أنَّ ثَمة ظروفًا تاريخية سياسية واجتماعية واقتصادية دفعَت بها إلى موقع الصدارة حتى أصبحت من الحقائق الحضارية الثابتة؟ يثير هذا التساؤلَ الدكتورُ نصر حامد أبو زيد في كتابه، من خلال تفكيكه خطابَ الإمام الشافعي، عادًّا إياه صاحبَ الريادة في التأسيس للأيديولوجية الوسطية في الفقه والشريعة، مثلما أسَّس لها "الأشعري" في العقيدة، و"الغزالي" في الفكر والفلسفة.
يُحلِّل "أبو زيد" أفكارَ الإمام الشافعي ويكشف عن دلالتها، وعن مَغزاها الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي، موضِّحًا السياقَ الفكري العام الذي أنتَجَها؛ إذ لا يمكِن فَهمُها بمَعزلٍ عن الصراع الفكري الذي كان محتدِمًا آنذاك بين أهل الرأي وأهل الحديث.