أحمد أبوالغيط: اكتأبت بعد نجاح مرسى فى انتخابات الرئاسة وقلت لعمر سليمان «هيحكمونا 500 سنة».. فقال لى «ولا سنة واحدة»
أكد السفير أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية المصرى الأسبق، الأمين العام الحالى لجامعة الدول العربية، أن ثورة ٣٠ يونيو أنقذت مصر والإقليم، وحافظت على الإسلام نفسه، وواجهت مخططات غربية لتغيير الإقليم، عبر فرض قوى معينة وإيصالها لحكم دول المنطقة.
وقال «أبوالغيط»، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، المذاع على فضائية «إكسترا نيوز»، والذى تنشر «الدستور» الجزء الثانى منه فى السطور التالية، إن الفلسفة الحاكمة فى عهد «الإخوان» أدت إلى سياسة خارجية «مراهقة»، كما ظهر فى مؤتمر «نصرة سوريا».
وأضاف أن فلسفة الحكم هذه ارتكبت خطأ جسيمًا فى فهم النفسية المصرية، خاصة فى مشهد جلوس قتلة الرئيس الراحل محمد أنور السادات على منصة الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر فى عام ٢٠١٢. وشدد على أن الجيش المصرى تحمل مسئوليته فى ٣٠ يونيو، لحماية الدولة من الخارج والداخل، كما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تحمل المسئولية فى لحظة حالكة، مشيرًا إلى أن دول الخليج دافعت عن الدولة المصرية، فى معركة نبيلة واجهت فيها تضييق الخناق من القوى الغربية.
■ لماذا تصف ثورة ٢٥ يناير بأنها «فورة» وليست «ثورة»؟
- لأن الثورة تُحدث تغييرًا كاملًا وكيفيًا فى المجتمع، مثلما حدث فى إيران، فهناك إيران الملكية والخومينية، وروسيا القيصرية والسوفيتية، وفرنسا الملكية والجمهورية.
وما حدث فى ٢٠١١ هو أنها جاءت برئيس إخوانى، اختطف السلطة أو انتخب لأنه روج لأفكار سبقها المجتمع، فسار المجتمع معه، وبعدها تبينت حقيقة النوايا فى نوفمبر ٢٠١٢، ولذلك لم يكن هناك التغيير الجوهرى الذى جاءت من أجله الثورة.
وعلى سبيل المثال، هناك قصة تُحكى ولا أحد يتوقف عندها، كما أنه ليس هناك دليل على مصداقيتها، تقول إنه عندما سأل هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، رئيس وزراء الصين، تشو ان لاى، عن رأيه فى الثورة الفرنسية التى حدثت فى عام ١٧٨٩، وذلك فى أول لقاء بينهما فى عام ١٩٧١، قال الأخير: «لم يمض بعد الزمن الكافى لتقييمها».
والمقصود أن الثورة لها آلياتها وديناميكياتها، مثل الثورة الروسية، إذ كان هناك غضب حاد فى روسيا نتيجة لأوضاع الحرب العالمية الأولى، ولاستبداد القيصر وصعوبة الحياة فى البلاد، ورأت روسيا أن هناك فرصة متاحة للتحرك فى اتجاه فكر ماركسى كان لا يتناسب مع روسيا فى هذا التوقيت، لأن الفكر الماركسى كان يتحدث عن تحول فى مجتمع صناعى متقدم، ومع ذلك اختطف الحزب الشيوعى والبلاشفة الثورة، وفرضا نفسيهما على المجتمع الروسى، وأصبح حزب يتكون من بضع عشرات الآلاف قادرًا على قيادة المجتمع نحو تغيير جوهرى.
■ فى رأيك.. لماذا تظاهر المصريون وثاروا سريعًا على الإخوان؟
- لأن المصريين اكتشفوا الخدعة الكبرى والنوايا المبيتة، وكانت هناك ملامح لذلك، مثل وزير الإعلام المصرى الذى كان «يعاكس» الفتيات، والإعلان الدستورى فى نوفمبر ٢٠١٢ للتحكم فى السلطة، وأن كل من خدم فى ٥٠ عامًا فى الحكومة عليه أن يتنحى جانبًا، وكل هذه أمثلة تُلحق أذى شديدًا بالمصريين، لأن المصرى له منهجية خاصة فى التعامل.
■ كيف رأيت أداء السياسة الخارجية المصرية فى عام حكم الإخوان؟
- لم تكن هناك منهجية، يعنى كانوا يقتربون من إيران ودعوا رئيسها وقتها أحمدى نجاد إلى زيارة مصر والأزهر، ثم تمت إهانته، فما هذا التناقض؟، وكانوا يقولون إنه ليس هناك حدود والجميع مسلمون والأرض واحدة، لا هناك أرض لمصر وللسودان ولفلسطين.
أى أن الفلسفة الحاكمة كانت تؤدى لسياسة خارجية تتسم بالمراهقة، وهذا ما ظهر فى مؤتمر «نصرة سوريا» فى يونيو ٢٠١٣، على سبيل المثال، وقبلها كان الاستفزاز الهائل أثناء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر، وأن ينزل محمد مرسى إلى استاد القاهرة ويحيى الجماهير من عربة مفتوحة ويُحضر قتلة الرئيس أنور السادات، بطل حرب أكتوبر، ويُجلسهم فى المنصة مكان قيادات الجيش، هذا كله خطأ جسيم فى فهم النفسية المصرية الوطنية، فالمصريون يتمتعون بحس وطنى كبير.
وأتذكر أنه فى يومى ٩ و١٠ يونيو ١٩٦٧، ووقتها كان ٩٠٪ من أبناء الشعب المصرى الآن لم يولدوا بعد، وفى هذه اللحظة أعلن جمال عبدالناصر فى خطاب التنحى عن أنه المسئول عن هذه الهزيمة أو النكسة وأنه سيتنحى، وكنت وقتها مع مجموعة من الأصدقاء فى منزل والدى، وقلت لهم لنخرج للشارع لنرى الأجواء، ولم تمر دقائق حتى نزل الشعب المصرى فى حشود ملأت الشوارع، وكانت هذه هى الوطنية المصرية فى أبهى صورها، والحشود لم تتمسك بجمال عبدالناصر كشخص، وإنما كرمز مسئول عن الهزيمة، لأنها رفضت الهزيمة، ورأت أنه لا بد أن تخرج مصر من الهزيمة فى عهد عبدالناصر، وهذه هى الوطنية التى اتسم بها الشعب فى ٢٠١٢، وفى ثورة يونيو ٢٠١٣.
ولذلك، عندما نجح محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية اكتأبت، ولسبب ما اتصلت باللواء عمر سليمان، فى يوليو ٢٠١٢، وكان فى أبوظبى وقتها فى رحلة علاج، ومنها إلى لندن ثم إلى الولايات المتحدة لعلاج عضلة القلب، خاصة أن أجهزة جسمه كانت غير منتظمة، وقلت له وكنت وقتها فى منزلى بالساحل الشمالى إننى فى حالة اكتئاب، وقلت إن الإخوان سيظلون فى الحكم ٥٠٠ سنة، وبعدها قلت ٥٠ سنة، فقال لى: «مش هيقعدوا ولا سنة واحدة»، فقلت له إن الدولة لا تستطيع أن تحركهم، ولكنه رد بأن المجتمع المصرى سيتمرد على الإخوان.
وبالفعل الشعب المصرى نزل فى الفترة من ٢٥ يناير حتى يونيو ٢٠١٢، بعد اكتشاف النوايا الإخوانية تجاه المجتمع المصرى، وكان هناك سباق للسيطرة الإخوانية على مفاصل المجتمع، وبعد ذلك كان بعض قادة القوى المتأسلمة يقولون إنهم سيحكمون لعشرات السنوات، وقالوا نصًا إنهم سيحكمون لـ٥٠٠ سنة، ولذا حدثت ٣٠ يونيو ثم ٣ يوليو.
وأذكر فى ٣٠ يونيو الساعة ١٢ مساء أننى لم أصدق مدى غضب الشعب المصرى إلا عندما رأيت الملايين فى شوارع المدن، مثل الإسكندرية وبنها والسويس وبورسعيد، وليس ميدان التحرير فقط.
وفى يوم ٣ يوليو بعد إلقاء البيان فى العاشرة مساء، وكان قد تأخر عدة ساعات للمداولات واللقاءات والإعداد، بدأ الخوف يساورنى، والخشية مما سيجرى فيما بعد، لكن بعدما أعلن البيان بدقائق انطلقت للنوم، ونمت ١٢ ساعة متواصلة، لأننى فى الفترة بين ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى ٣ يوليو ٢٠١٣ كنت أنام الساعة ١١ ونصف مساء وأستيقظ الساعة ٣ فجرًا، ولم أكن أصدق أن أولادى وأحفادى سيعيشون فى هذا الالتباس الذى يحدث فى المجتمع المصرى.
■ ماذا تمثل ٦ أكتوبر و٣٠ يونيو لمصر والإسلام؟
- الحدثان فى الحقيقة هما أهم لحظات فى التاريخ المصرى منذ عهد محمد على، ولحظات مفصلية لإطلاق الطاقات المصرية وإعادة دور مصر إلى طبيعته.
ومن تابع قبل ٦ أكتوبر يعرف كيف كانت تفكر إسرائيل فى علاقتها بمصر، ورؤيتها أنها قادرة على التمسك بأرض سيناء بالكامل إلى أبد الآبدين، وأن تفرض على مصر تسوية تقدم فيها مصر تنازلات رئيسية على الأرض، أى أن تعيش مصر فى ظلال هزيمة ٦٧.
ولكن مصر رفضت ذلك، وغيرت كل الأوضاع عن طريق العمل العسكرى الرائع الذى قامت به، وغيرت الموقف ووضعت نفسها على قدم المساواة مع إسرائيل فى ٧٣، وبالتالى اضطرت إسرائيل إلى إعادة كامل أرض مصر، وتحقق الهدف المصرى.
أما ثانى حدث كبير ومهم فهو ٣٠ يونيو، لأن العالم الغربى والولايات المتحدة كانا يتربصان بالإقليم من منطق أنه قوة عظمى، ولا يريدان أن تكون هناك قوة عظمى تسيطر على الإقليم، الذى أفرز جماعات غاضبة ضربت الولايات المتحدة فى مصالحها، وفى عقر دارها فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وبالتالى قرر الغرب أن يغير الوضع من خلال تغيير الأيديولوجية والتفكير، وكل ما يتعلق بالإسلام السياسى، الذى جاء نتيجة أوضاع الإقليم، مع تشجيع جماعات تصور، من وجهة نظره، أنها معتدلة.
والشعب المصرى نظر إلى هذا الوضع بعد اكتشافه، وبعد أن تبين حقيقة الجماعة، فاعتبرها مرفوضة فغيرها، وبالتالى أنقذ مصر، التى هى مثل «الفنار» فى البحر، فعندما ينير الفنار يتبين الوضع للجميع بكل تفاصيله، وهذا ما أنقذ الإقليم وحافظ على الإسلام نفسه.
أى أن مصر فى ٦ أكتوبر استعادت شرفها، حتى لو احتاج الأمر إلى سنوات للحصول على كامل الأرض، و٣٠ يونيو خلصت مصر، وأنقذتها من وضع كان سيؤدى إلى مأساة كبرى للإقليم والإسلام، لأنهم فى العالم الغربى كانوا يتحدثون عن تغيير فى صياغة آيات القرآن الكريم.
■ ماذا عن تأثير ٣٠ يونيو على الإقليم؟
- لا يغيب عنا ما حدث من تغيير حاد فى المنطقة منذ ٢٠١١، فهناك ما يحدث فى سوريا، وحرب أهلية وتغيير حاد فى ليبيا، ومحاولة تغيير فى البحرين واليمن وتونس، والتغيير كله كان يستهدف إفراز قوى ليبرالية وإسلام وسطى وجماعات تحكم على مثال تركيا، وبالتالى عندما أفلتت مصر من هذا السيناريو، لم يكن لدى القوى العظمى شىء تقدمه.
وهنا، يأتى دور دول الخليج، المتمثل فى المملكة العربية السعودية، التى حاربت معركة نبيلة للدفاع عن مصر ودعمها.
■ كيف دافعت دول الخليج عن مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو؟
- دافعت دول الخليج والمملكة العربية السعودية، فى معركة نبيلة، عن الدولة المصرية بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وكما فعلت الإمارات مؤخرًا فى مشروع رأس الحكمة، لأن هذا المشروع يعد شيئًا رئيسيًا وقاطرة لتنمية الساحل الشمالى بأكمله لعقود كاملة.
وعلى سبيل المثال، كان هناك وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل، فبعد أحداث ٣٠ يونيو، وعندما بدأت القوى الأوروبية والغربية تضيّق الخناق على مصر، مع تشجيع الاتحاد الإفريقى على تجميد العضوية المصرية، قام «الفيصل» بجولة بالغة الإرهاق، أوروبية وأمريكية متعددة، ليقول للعالم الغربى ارفعوا أيديكم عن مصر، لأن ما حدث فى مصر فى عهد الإخوان كان سيقيم تحالفًا استراتيجيًا بين مصر وإيران، وسيلحق الأذى بنا، سواء على الإقليم أو على المستوى العالمى.
وبعد ذلك، جاء الدعم الاقتصادى، وقد كتبت، فى آخر صفحة فى كتاب «شهادتى»، أن وزير البترول المصرى اتصل بى، وكنت لا أزال وزيرًا للخارجية، وقال لى إن هناك شحنات بترول وغاز مرسلة من السعودية وليست لدينا قدرة على التسديد، وطلب منى التنسيق مع المملكة للحصول على تسهيلات، فقمت بالاتصالات واستقبلت منهم اتصالات، وطلبوا منى إمهالهم بعض الوقت، وخلال ٥٠ دقيقة فقط كانت هناك سفن للغاز والوقود، بقيمة تقترب من ٤٥ مليون دولار، هدية لمصر.
■ كيف رأيت انحياز الجيش للإرادة الشعبية فى ٣ يوليو؟
- الجندى المصرى، ومنذ لحظة انتمائه للمؤسسة العسكرية، وهو يتربى ليس فقط للحفاظ على الحدود المصرية من الجبهات الأربع، ولكن أيضًا على تأمين الاستقرار والأمن لمصر داخليًا، وأنا أؤمن بهذا الدور تمامًا، وقد يختلف معى البعض، وقد يقول آخرون إن القوات المسلحة المصرية مهمتها الدفاع الخارجى فقط.
وأؤكد أنه لا يمكن أن نصدق من يقولون فى المجتمعات الغربية إن القوات المسلحة التابعة لهم بعيدة عن السياسة، فالرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وقبل إخلائه من المسئولية بـ١٤ يومًا، اصطحب رئيس الأركان المشتركة الأمريكية فى جولة وزيارة لكنيسة فى واشنطن.
ولهذا، فإن دور القوات المسلحة فى أى مجتمع هو دور يشمل الأمن الخارجى والاستقرار الداخلى، ومن ينكر هذا هو شخص كاذب ومدلس ومدعٍ بما لا يمكن أن يكون هو الحقيقة.
وبالتالى، فالقوات المسلحة شىء مهم ورئيسى للغاية، ويوم ٦ أكتوبر استخدمنا هذه الأداة لرد الشرف، وفى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، استخدم الشعب هذه الأداة فى تأمين المسار الحقيقى لمجتمع مضى على تحديثه ٢٠٠ عام، وذلك منذ عام ١٨٠٥ حتى عام ٢٠١٣.
■ كيف أنقذ الرئيس عبدالفتاح السيسى شعب مصر من خطر الجماعة الإرهابية؟
- كما قلت، الجيش المصرى جزء من المجتمع وغير منفصل عنه، ولذا، فإن رسائل الفريق الأول عبدالفتاح السيسى فى عام ٢٠١٣ كانت تطمئن الشعب المصرى من أى تهديدات تواجههم، وتؤكد أن الجيش المصرى مستعد تمامًا للموت دفاعًا عن أى تهديد يواجه المصريين، وتلك كانت رسائل صريحة لجماعة الإخوان الإرهابية.
والرئيس السيسى شخص عظيم، واستطاع تحمل المسئولية فى لحظة حالكة، كما أنقذ المجتمع المصرى، وكان من الصلابة لأن يتولى قيادة الدولة بدعم كامل من الشعب المصرى، والقيمة الحقيقية للإنسان تتمثل فى قدرته وشجاعته فى مواجهة الشدائد، وهذا القائد جاء مدعومًا بقيادة عسكرية رائعة تحملت مسئولية الدفاع عن الوطن بكل نبل وشرف.
وهناك بعض المفكرين الذين أطلقوا على ما حدث فى ٢٠١٣ أنه «انقلاب»، ولكن كيف يكون انقلابًا وسط تأييد شعبى من قبل ملايين المصريين؟
■ ما سلاح الدول العربية لمواجهة خطر الجماعات المتطرفة؟
- الجماعات المتطرفة خطرة للغاية على مدار التاريخ، والأساليب التى تعتمد عليها ملتوية وتتجدد، إلى جانب الأفكار والمبادئ المشوهة، والعالم العربى مر بمرحلة من الشد والجذب والتراكمات فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، واستمرت معنا حتى عام ٢٠١٣، وما زالت موجودة فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، وهى معركة للتحديث، يحكمها العلم والمعرفة.
والتعليم هو المفتاح فى العالم العربى؛ لأنه دون تعليم لن يكون هناك تحديث، ودون تحديث سيبقى هناك بشر قادرون على تصنيع الهواتف المحمولة على سبيل المثال، وهناك بشر متلقون، يستخدمون الهواتف فى الترويج للإفساد فى العالم العربى.