اللهم اجعلها حكومة خير وبركة ورخاء
ساعات قليلة تمر ويتم بعدها إعلان أسماء السادة الوزراء أعضاء الحكومة الجديدة. انتظرنا أيامًا طويلة بلغت شهرًا كاملًا حتى يفرغ رئيس الوزراء المكلف من مهمة التشكيل الوزاري. وكان السيد رئيس الجمهورية قد كلف دكتور مصطفى مدبولي بتشكيل الحكومة في الثالث من شهر يونيو الماضي. صحيح أننا لم نعتد أن يستغرق التشكيل الوزاري كل هذا الوقت، لكن ما الضير في اعتقادي أن الحرص في عملية اختيار الوزراء يستدعي قدرًا كبيرًا جدًا من التدقيق والتحري عن المرشحين تقوم به الأجهزة المعنية، لدراسة سيرتهم الذاتية ومراجعة ذممهم المالية والتعرف على خططهم المستقبلية حال تكليف أي منهم. كل هذا هدفه واضح وجلي، إذ المستهدف بالطبع هو أن تأتي الحكومة القادمة بتشكيلة ترضي طموحات القيادة وتلبي رغبات المواطن وتتصدى للتحديات التي تواجه الوطن.
الملاحظ في هذه التشكيلة هي التزام أعلى درجات السرية في اللقاءات والترتيبات، لدرجة أن مكان اجتماعات دكتور مدبولي بالمرشحين لم يتم تسريبه، وإلا لكان الأكفاء من الوسط الصحفي قد نجحوا في الوصول لبعض الأسماء التي سيتم تكليفها رسميًا في الساعات المقبلة. بالطبع جرى تسريب عدد من القوائم المرشحة وسنعرف عمّا قريب إن كانت تلك الأسماء قد طرحت فقط لمجرد جس نبض الشارع نحوها وقياس مدى قبولها شعبيًا وجماهيريًا، أم أنها كانت من باب حرق بعض الأسماء، أو أن الأمر كان مجرد فرقعات إعلامية حاول البعض من خلالها الترويج لصفحته أو منصته والظهور بمظهر العالم ببواطن الأمور.
على كل الأحوال، نحن في انتظار حكومة كفاءات من التكنوقراط، بحيث لن نجد حزبًا من أحزاب الأغلبية البرلمانية وقد انبرى نوابه للدفاع عن وزير يمثلهم، ولكنها ستكون حكومة يكتسب أعضاؤها الشعبية بما سيؤديه كل منهم في وزارته، وليس بمستوى علاقاته مع صناع النجوم سواء في الصحف أو في القنوات. وبناءً عليه فإننا ننتظر حكومة تلاحق بفكرها وتحركاتها خطوات السيد الرئيس، بحيث يمتلك أعضاؤها زمام المبادرة، وسرعة التفكير، وجرأة التنفيذ.
نتطلع إلى حكومة يكون لدى أفرادها من المعلومات والأرقام ما يواجهون به حرب الشائعات التي يشنها البعض عمدًا ضد الدولة المصرية، ويروجها بعضنا- للأسف الشديد- نيابة عن الأعداء بجهل لا يغتفر وحمق غير مبرر. نريد حكومة تسعى لإرضاء المواطن بالاستمرار في تلبية احتياجاته السلعية والعمل على كبح جماح الأسعار والتصدي للجشعين من التجار. نحتاج إلى حكومة تجعل من صحة المواطن وتعليم أبنائه أولوية قصوى بحيث توفر لهما الموارد المطلوبة والكفاءات البشرية المؤهلة.
ننتظر حكومة تضم وزراء يقدمون للوطن في وزاراتهم نماذج من الكفاءات البشرية المؤهلة من أهل الخبرة والقدرة وليس من أهل الحظوة أو الثقة. انتظر وزراء ممن لا يحجبون الضوء عن الكوادر أو يحرمونهم الفرصة خشية أن يأخذوا منهم بريق السلطة ووهج المنصب، أو يهددوا وجودهم على كرسي الوزارة الوثير. نأمل من الوزراء في الحكومة الجديدة أن يكونوا صناع نجوم من كوادر وزاراتهم، وأربأ بهم أن يكون بينهم محطم للآمال أو قاتل للطموحات أو معرقل للاجتهاد، فلم يعطل مسيرتنا الوطنية ومخططاتنا التنموية إلا مثل تلك النوعيات في كل المصالح والهيئات.
ليس لديّ أدنى شك أننا سيكون لدينا وزراء يحملون حقائب وزارات سيادية تحافظ على أمننا القومي وسلمنا المجتمعي، وتدافع عن حقوقنا ومقدراتنا الوطنية وتحافظ على مواردنا الطبيعية في الداخل والخارج. كما أتمنى أن تجد الحكومة الجديدة من القوى الناعمة الوطنية المخلصة من يمنح وزراءها الفرصة حتى يراجع كل منهم ملفات وزارته، ويعيد ترتيب أمور مكتبه ومساعديه ثم لتنطلق تلك القوى الناعمة وبتجرد شديد في كشف المستور أمام الوزير ليُعمل أدواته في تكريم من يستحق ومعاقبة من يقصر.
في الحقيقة لا نرى أن تولي المناصب قد صار نوعًا من الرفاهية، لكننا ندرك أن كثيرين ممن يقبلون مناصب عامة هم في واقع الأمر يسددون بهذا ضريبة ولاء للوطن، فيضحون بمناصب تدر عليهم مداخيل مالية أضعاف ما سيتقاضونه من منصب الوزير أو المحافظ أو رئيس الهيئة، يتنازلون طائعين عن راحتهم ويُعرضون أنفسهم لانتقادات قد تكون موضوعية أحيانًا وقد تكون عبثية في أحيان كثيرة كنوع من رد الجميل نحو الوطن. ولا يتبقى بعد كل هذا إلا أن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعين كل مسئول على ما كلف به، وأن يرزقه البطانة الصالحة التي تكون عونًا له على الخير ودافعًا له نحو النجاح، وأن تكون حكومتنا الجديدة حكومة خير وبركة ونجاح للوطن بأكمله.