رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد أبوالغيط: 25 يناير «فورة».. و30 يونيو أنقذت مصر من خديعة ومأساة كبرى

أحمد أبوالغيط
أحمد أبوالغيط

قال السفير أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية وزير الخارجية المصرى الأسبق، إن ثورة ٣٠ يونيو أنقذت مصر من مأساة وخديعة كبرى، بعدما حاولت جماعة «الإخوان» اختطاف مصر، والقضاء على الليبرالية المصرية، وهو ما ظهر أول ملمح له فى «الإعلان الدستورى»، الذى صدر فى ديسمبر ٢٠١٢، وكان يمهد لفرض رؤية هذا التيار وقيادته المجتمع إلى الأبد.

وكشف «أبوالغيط»، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، عن أن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك أصيب بالإحباط بعدما علم بمخطط الولايات المتحدة لتغيير نظام الحكم فى مصر وعدد من دول المنطقة، وهو ما تم الاتفاق عليه فى واشنطن بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١.

وأكد أن الرئيس الراحل حسنى مبارك لم يكن يفكر فى مسألة توريث الحكم لابنه، كما أنه أبدى مرونة شديدة فى مسألة ترك الحكم بعد أحداث يناير ٢٠١١، والتى وصفها بأنها «فورة» مجتمعية.

 

■ كيف قرأت مخرجات ما جرى فى مصر منذ ٢٠١١ حتى الآن؟ 

- من تابع التطورات المصرية لا ينظر إلى ثورة يناير ٢٠١١ فقط، ولا التعديلات الدستورية، ولا الانتخابات البرلمانية فى عام ٢٠١٠ التى سبقت ثورة يناير ٢٠١١، ولكن ينظر إلى عام ٢٠٠١، خاصة أحداث ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١، وهو الحدث الضخم فى أمريكا من المتأسلمين وتنظيم «القاعدة» الذى ضرب الولايات المتحدة ضربة بالغة العنف.

فالولايات المتحدة، وهى أقوى قوة عسكرية وسياسية واقتصادية فى العالم، كانت فى وقتها هى القوة المهيمنة بالكامل على الوضع الدولى، وقدرت أن هذا الوضع لا ينبغى أن يبقى، وأن هذه التيارات بالغة العنف فى الإسلام السياسى يجب أن تُضرب، وبالتوازى يجب تغيير المجتمعات العربية التى تفرز وتنتج هذه الجماعات المتطرفة، وهذا جوهر الموضوع، ونقطة بداية للأحداث بعد ذلك.

وهى نقطة البداية؛ لأنى كنت فى وقتها مندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة، وأشارك فى كل المنتديات والندوات والدراسات، وأزور الجامعات وأشاهد النقاشات الدائرة فى الولايات المتحدة، فأدركت كل هذه الأحداث، ومنها ما حدث فى العراق فى عام ٢٠٠٣، فى أعقاب ٢٠٠١، وبدأت إدارة الرئيس جورج بوش الابن تضغط فى اتجاه التغيير، ليس فى مصر فقط، لكن على مستوى الإقليم.

وطرحت كوندوليزا رايس مفهوم الشرق الأوسط الجديد والكبير، وتجميع القوى الإسلامية وفرض التغيير عليها، وتغيير المجتمعات الإسلامية، وعلاقة المرأة بالمجتمع ودورها فيه، وكانت هناك قصص وروايات حول التدخل المباشر وغير المباشر.

وفى أكثر من فصل فى كتابى «شهادتى» نصحت كل من يرغب فى أن يدرس هذه المرحلة والفترة، لكى يعى ويتعلم كيف تخطط الدولة العظمى بجامعاتها ومعاهدها وأجهزتها، كيف تخطط لإحداث تراكمات تؤدى إلى تغيير فى المجتمعات، مستخدمة كل الوسائل.

وكان هناك على سبيل المثال مركزان للبحث، مركز تابع للحزب الديمقراطى وآخر تابع للحزب الجمهورى، وكتبت عنهما فى كتاباتى، حتى إن هناك أحد المسئولين الأمريكيين فى مصر كان من قادة أحد هذين المركزين، وقال فى ٢٠٠٥ إن هذا التغيير سيحدث بإرادتهم أو دونها، وسوف نفرض عليهم التغيير.

وقد استدعيت السفيرة الأمريكية فى هذا الوقت وقلت لها إن هذا تدخل مباشر فى الشأن المصرى، ولا يجوز ولا يسمح لهذا الشخص بأن يقيم على أرض مصر، وأن عليه أن يغادر مصر، وردت بأن هذا سيستفز الحزب، لكن اضطرت أمريكا لسحبه.

فى هذا السياق، فإن المتخصص المصرى يرصد ويحلل ويخطط ويقدر الموقف، ويبنى العلاقات المصرية الأمريكية والغربية والعربية بالشكل الذى يؤمّن مصر، وغير المتابع بدقة وغير المتخصص يتصور له أنه عليم ببواطن الأمور، وأن الكلمة التى خرجت على «السوشيال ميديا» هى الحقيقة، لكن هذا ليس بالضرورة ما يحدث، فما خلف الكواليس أكثر بكثير.

■ كيف كان الحراك ضد نظام مبارك؟

- الرئيس حسنى مبارك أدرك مبكرًا أن النوايا الأمريكية تجاهه ليست طيبة، وبالتحديد فى ٢٠٠٤، أى عندما توليتُ منصبى فى حكومة الدكتور أحمد نظيف، وسافرت بعدها للولايات المتحدة الأمريكية فى فبراير ٢٠٠٥، والتقيت نائب الرئيس الأمريكى ديك تشينى، وكان وزير دفاع ويعمل فى البيت الأبيض، وشخصية عملت مع ترومان فى سنة ١٩٥٠، وكان شخصية محنكة جدًا.

وقبلها، شاركت كوزير خارجية مصر فى مؤتمر ميونخ للأمن، فى ١٠ فبراير ٢٠٠٥، وهاجم مصر السيناتور جون ماكين، وكان يمينيًا جدًا وجمهوريًا، وكان له تأثير كبير فى الولايات المتحدة، وكان والده قائد الأسطول الأمريكى فى المحيط الهادئ، وجده كان أحد القادة البحريين فى الحرب العالمية الثانية، وكان يشعر بقيمته، وقال لى أمام المؤتمر فى ميونخ: «إيه حكاية الرئيس مبارك وعملية توريث الحكم؟»، وأكد أن هناك ضرورة للتغيير فى مصر، وكان هذا مؤشرًا.

وسافرت بعدها للقاء نائب الرئيس «تشينى»، وكان شخصية محنكة وله تأثير كبير جدًا على الرئيس؛ لأن «بوش» أصغر منه فى السن وفى التجربة السياسية الخارجية، وقال لى: «إيه حكاية توريث الحكم فى مصر؟»، فأجبت بأن الرئيس مبارك لم يتحدث عن توريث الحكم، وأنه أتاح لنجله العمل السياسى فقط، ولكن لم يصرّح بذلك.

ومبارك كان يجيب عندما يُسأل بأن الدولة المصرية لا تتيح التوريث، وقلت لـ«تشينى» إنه سيذهب إلى مصر فى مارس، ومن الممكن أن يسأل مبارك، وكتبت هذا فى كتاب «شهادتى».

وذلك الكتاب كان يتحدث ويصف بمصداقية عالية جدًا ما كان يحدث، لأنه كان هناك قدر من الجهل فى المجتمع المصرى وعدم المعرفة بمجريات الأمور، حتى إنه كان هناك شباب من الصحفيين المصريين يريدون أن يخدموا البلد ويصعدون فى سلم التدرج فى المناصب، لكنهم كانوا يتحدثون عن قصر الاتحادية بتسمية خاطئة تمامًا، ويصفونه بأنه قصر الحرية، فى حين أن الحرية هى القصر المقابل للاتحادية، ولم يكن هناك أى دراية بعناصر السلطة فى مصر، وكيف تتحرك الأمور.

وكانت هناك أيضًا مؤشرات حول تحدى النخب السياسية، لأن هناك كثيرين كانوا يتصورون أنهم قرأوا المشهد بعمق، ولكن الصورة الكاملة والتراكم المعرفى غير موجود، ومن ناحية أخرى كان هناك البعض ينظرون للأمور دون دراسة وتعمق، لكن فى الوقت ذاته كان هناك مسئولون فى أجهزة الأمن المصرى دارسين بعمق شديد مجريات الأمن القومى المصرى، ولديهم قراءة متعمقة جدًا.

وعندما عدت من زيارتى لواشنطن، قلت لن أكتب للرئيس الراحل محمد حسنى مبارك عمّا دار بينى وبين المسئولين هناك فى برقيات أو مراسلات، لأن هذا كلام لا يُكتب، وفى اليوم التالى أخبرته بما دار مع نائب الرئيس الأمريكى تشينى، ووزير الدفاع الأمريكى، وكذلك السيناتور ماكين، حول التوريث ورغبتهم فى التغيير.

ومبارك أصيب بالإحباط لأنه كان يرى أمريكا دولة صديقة وداعمة له، لأنه داعم لأمريكا فى هذا الإقليم فى حدود التكافؤ، وكذلك لعلاقة الاحترام بينهما، وقد جلست معه لمدة ساعة ونصف الساعة، وعند مغادرتى، قال الرئيس مبارك، وكان يتمتع بحكمة ورؤية وهدوء شديد، لأنه أمضى وقتًا طويلًا بالرئاسة وقبلها كان نائبًا للرئيس: «لو رغبوا فى إزاحتى عن الحكم لفعلوا»، وكل هذا مسجل فى كتابى «شهادتى».

والرئيس الراحل مبارك كانت آخر زيارة له لأمريكا فى أبريل عام ٢٠٠٤، وتوقف عن زيارتها فى عهد الرئيس بوش الابن حتى عام ٢٠١٠، أى أنه أمضى ٦ سنوات دون الزيارات السنوية التى كانت تصل لمرتين كل عام.

والسبب فى ذلك كان سياق التغيير الذى تفرضه الولايات المتحدة، والذى تصدت له مصر بشكل كبير، ولكن الكثير من الدول العربية والقادة العرب كانوا يختفون خلف الموقف المصرى.

■ كيف تصدت مصر للرؤية الأمريكية ومحاولة فرض التغيير؟

- خلال وجود الوفد المصرى فى المنامة بالبحرين تبين أن الوفد الأمريكى يسعى لفرض رؤية كاملة للوضع العربى والتغيير بشكل يتنافى مع فكرة الاختيار والسيادة، والكثير من الأطراف العربية كانت تنسق مع بعضها وتقول للمصريين إن الأمور لا تسير هكذا. 

ومصر كانت أكثر الأطراف تصديًا لهذا الموضوع، وفى البحرين حاولوا فرض بيان مشترك برؤية أمريكية كاملة، ورفضناها وهددنا بالمغادرة، وقوبل بعض أصحاب الاقتناع بالرؤية الأمريكية على المسرح المصرى وبعض المصدقين فى الرؤية الغربية فى حقوق الإنسان بالتصدى.

والولايات المتحدة كانت ترغب فى إحداث التغيير، والفرصة المناسبة لذلك ظهرت فى التوتر الذى حدث بعد الانتخابات البرلمانية المصرية فى ٢٠١٠، لأن الانتخابات محت كل التيارات، وأدت إلى أن الحزب الوطنى فقط هو من كسب المعركة الانتخابية.

والحكومة المصرية وأجهزة الأمن المصرية كانت على اطّلاع بالتواصل الأمريكى مع الإخوان فى مصر وخارج مصر، وفى سويسرا وإسطنبول، كما كنا على اطّلاع بتجهيزات لتمويل الشباب المصرى للخروج لدورات تدريبية فى متابعة الانتخابات الوطنية.

■ هل الحكومة فى ٢٠١٠ كانت ترصد الأمور فقط، أم كانت هناك إجراءات متخذة؟

- الرئيس الراحل مبارك رفض اتخاذ أى إجراءات للتصدى، وكانت له رؤية تتمثل فى عدم استفزاز الولايات المتحدة والعالم الغربى، مع معرفته بأن هناك تحركات ضده، لكن كان لديه كثير من الثقة فى النفس. 

■ هل كان ثقة من مبارك أم إحباطًا؟

- مشكلة الرئيس الراحل مبارك فى ٢٠١٠ كانت أنه قد أمضى ٢٩ عامًا فى الرئاسة، ورأى كل ذلك من قبل، وكانت له حسابات أخرى كثيرة.

من هذه المواقف الصدام بين «حماس» وإسرائيل فى ٢٠٠٨/٢٠٠٩، واستغلال ذلك فى الاستثارة الداخلية للمجتمع المصرى، ولعب الإخوان دور رأس الحربة فى الأحداث، وكذلك قوى يسارية وليبيرالية، وكانت الأرض فى مصر ممهدة للتعبير عن الضيق.

وفى ٢٠٠٨/٢٠٠٩ قامت «حماس» بتفجير سلك شائك على الحدود والسور المبنى بين قطاع غزة والحدود المصرية، ونسفت السلك والسور، وعبرت بمئات الآلاف من البشر لداخل سيناء لمدة ٣ أو ٤ أيام، حتى تمكنت القوات المسلحة من إخراجهم. 

فى ذلك الوقت كانت هناك خشية على قناة السويس بأن تطلق عليها سفينة أمريكية صواريخ عبر القناة، وكانت هناك قنابل يدوية تُكتشف فى القطارات المصرية، والتسرب سمح بوجود غير مصرى داخل مصر يصل لمئات الآلاف، وبعدها بشهور بدأت تتنامى لدى أجهزة الأمن المصرى معلومات بأنهم سيحاولون نسف السور على الحدود مرة أخرى، بعدما تم بناؤه ووضع حراسة عليه، ووقتها علّقت على الأمر وكنت وزيرًا للخارجية، قائلًا: «اللى هيكسر السور هنكسر رجله»، ومن هنا كانت المطالبات بإقالتى.

وأنا كوزير خارجية وكمصرى أؤمن بهذا التراب الذى منه دمى، فلا قدسية لأى قضية توازى قدسية الأرض المصرية، فالأرض المصرية تأتى أولًا، وبعد ذلك نحن مستعدون للذهاب إلى الجحيم للدفاع عن أى موقف آخر تُجمع عليه الأمة، لذلك قلت «اللى هيكسر السور هنكسر رجله».

والإخوان واليسار المصرى والليبراليون المصريون غضبوا غضبًا شديدًا، وانطلقوا فى مهمة، وهى كيف لوزير خارجية مصر أن يقول مثل هذا الكلام، وأنا كوزير خارجية مؤمن تمامًا ببلدى وبصدق مواقفى، ومستعد أن أقف حتى النهاية للدفاع عن هذه الأرض، لذلك أصررت على تصريحى، وطلبوا ألا أكمل. 

وعملية غزة الحالية، التى مضى عليها حتى الآن ٨ أشهر، هى عملية تستهدف أولًا وأخيرًا نقل الشعب الفلسطينى إلى أرض خارج غزة، سواء سيناء أو أى أرض أخرى فى العالم، ومصر قد نجحت- بما لا يقبل الشك- فى إجهاض هذا المخطط هذه المرة، وهذا المخطط قائم منذ عام ٢٠٠٨/ ٢٠٠٩، منذ الدخول الأول كما قلت.

وإسرائيل تريد إخلاء الأرض، وإقامة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، كما أن الإسرائيليين لا يقبلون بشريك آخر معهم على الأرض، وعندما نقول لهم حتى اليوم: «حل الدولتين» يقولون: «لا نوافق»، وكأن علينا أن نقبل باستمرار الوضع القائم حاليًا؛ سواء فى الضفة الغربية أو غزة، إلى أبد الآبدين، والشعب الفلسطينى قد يكون ١٠ ملايين أو ١٥ مليونًا، والإسرائيليون ثابتون على ٨ ملايين، ويحكمونهم بالحديد والنار، لكن هذا لن يتحقق. 

وهذا السياق كله كان يُواجه بغضب من الجماعات المتأسلمة ومن الليبراليين واليساريين من هذه الأوضاع فى غزة، والتوترات القائمة، إلى جانب قصة الحديث الدائم عن التوريث من قبل هذه الجماعات، لأنها وجدت قضية تتكلم فيها. 

■ هل كان مبارك يفكر فى توريث ابنه الحكم؟

- حكيت فى كتابى «شهادتى» عن أننى قلت للرئيس مبارك: «إذا كان ابنك يرغب فى العمل السياسى جربه فى مجلس الشعب»، وكان رد مبارك عنيفًا، من خلال حديث مباشر وجهًا لوجه، وهو أنه قال لى: «دول يقطعوه»، وبالتالى فإن مبارك لم يكن يفكر فى موضوع التوريث.

ومبارك عمره ما تطاول علىّ فى حياتى، بل كان عنيفًا معى فى مرتين فقط؛ مرة فى قصة «حماس» وعبور الفلسطينيين داخل الأرض المصرية، وكنت أقول له الرقم بأن «النهارده عبر وعاد إلى داخل فلسطين ٣٠٠ ألف»، فقال لى: «إيه؟!.. إنت بتقول إيه؟!»، وهذه كلمة لم تكن لتخرج منه، والثانية كانت عندما تحدثت معه عن التوريث.

■ ماذا عن ابن مبارك وجماعته؟

- أنا لا أتحدث عن ابن مبارك أو جماعته، لأن عمرى ما تحدثت معهم، ولا يمكن أن أتحدث عن موضوع افتراضى، وبالتالى فأنا لا أعرف. 

■ عندما شاهدت الإخوان فى الميدان.. ما كان شعورك كرجل دولة وترى أن مثل هذا الفصيل الإخوانى يسيطر على الدولة؟ 

- عندما رأيت الإخوان يسيطرون على الدولة المصرية أدركت أنهم سيأخذون مصر إلى منهج متأسلم، مماثل لما نراه على مدى الفترة من ١٩٧٩ حتى ٢٠١١ فى إيران، أو مماثل لمنهج رجب أردوغان فى حكم تركيا، بوجه سنى وليس شيعيًا. 

وبوصول الإخوان للحكم أدركت أنه سوف يتم القضاء على الليبرالية المصرية، التى كانت تتحرك بأسف شديد بعدم رؤية، بل وتتصور أن بإمكانها التحالف مع هذه القوى، وأسموا أنفسهم «عاصرى الليمون».

ونحن رأينا، على سبيل المثال، حمدى قنديل، رحمه الله، وكان يقف وراء محمد مرسى، رغم أنه المتابع المتعمق للتاريخ، والذى يرصد ويربط الأحداث ويعرف ما تريده القوى الخارجية.

واليسار المصرى والليبراليون المصريون كانوا مع الإخوان حتى نوفمبر ٢٠١٢، وهو تاريخ الإعلان الدستورى، الذى أوقف وجمّد كل شىء، ومثّل أول ملمح لأن الإخوان يقولون للمجتمع: «سوف نأخذكم فى اتجاه آخر»، وبالتالى فإن الإعلان الدستورى كان بداية لاختطاف مصر.

ومن يتابع هذه الأحداث المشابهة فى دول بعينها يكتشف أن أحداث نوفمبر مماثلة لما حدث فى دول أخرى، وبعدها يسيطر هذا النظام على كل شىء، ويفرض رؤيته ويقود المجتمع أبد الآبدين. 

وفى الفكر الغربى دائمًا يقال إن القوى المتأسلمة والإسلام السياسى يعقدان الانتخابات مرة ويكسبانها، وبعد ذلك «فى المشمش». 

■ قلت سابقًا إن هناك يومين هما الأهم فى حياتك؛ هما ٦ أكتوبر و٣٠ يونيو.. فلماذا كانت ٣٠ يونيو هى الأهم فى حياتك؟ 

- ٦ أكتوبر و٣٠ يونيو هما أهم يومين فى حياتى، لأن كليهما أنقذ مصر من ورطة تاريخية مفزعة.

وقد مر ٥٧ سنة على ٥ يونيو ١٩٦٧، وكانت ورطة للمجتمع المصرى بأن تؤخذ منه أرضه ولا يعرف كيف يستعيدها، لأن القوى المهيمنة فى العالم والولايات المتحدة الأمريكية تساعد قوة الاحتلال وتقول لها استمرى فى الاحتلال، وبالتالى فإن تخليصها كان يجب أن يكون من خلال عمل عسكرى رهيب ندفع ثمنه، مثل أكتوبر ١٩٧٣.

أما ٣٠ يونيو فقد أنقذ مصر من مأساة كبرى، خُدع فيها المجتمع المصرى ثم أفاق.

هل استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الإخوان كأداة من أدواتها؟ 

- عندما حدث التوتر فى ٢٥ يناير، وبدأت المسائل تتحرك فى مصر، كانت مصر تشهد وجود أعمدة للسلطة والاستقرار، ولها أوضاعها، وعندما اهتزت تلك الأوضاع وتم أخذنا فى ذلك المسار، كان على أى إنسان يفكر أو يتابع أو على اطلاع بالتاريخ الإنسانى أن يعى أن هذه الفورة الحادثة فى المجتمع- وأسميها «الفورة»- أن تنظيمًا ما أو وضعًا ما سوف يختطف هذا المجتمع، مثل أى وضع تعرضت له دول ومجتمعات على مدى قرنين أو ثلاثة من الزمن، فى فرنسا وفى بريطانيا، ومثل الثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الإيرانية، وكل هذه المجتمعات مرت بأحداث مشابهة. وكان لدينا هذا الطور، المتمثل فى نزول الناس إلى الميادين والتعبير عن الغضب والرغبة فى التغيير، خاصة عندما يحكم الرئيس لمدة ٣٠ عامًا، لأنه يوجد ما يسمى «إرهاق» أو «تعب» أو «مرض»، وتكون الأمور بحاجة إلى التغيير. 

والقائد الذى يتابع بدقة يعى أن هناك رغبة فى التغيير، وكان عليه أن يتجاوب مع التغيير، والرئيس مبارك لم يتجاوب مع التغيير، لكنه أظهر مرونة شديدة بترك الحكم، وقال: «عايزين تغيير.. خلاص هامشى».