New Amsterdam | فلسفة الصبر: كيف نتعلم التفويض ونحول الفشل إلى نجاح؟
في الجزء الثالث من المقالة الثانية في سلسلة "دروس الإدارة من أبطال التليفزيون"، نتناول أول مشكلة إدارية في شخصية الدكتور ماكس. على الرغم من نواياه الحسنة، بدا أن ميوله لعدم التفويض تُفسر على أنها رغبة مفرطة في السيطرة أو عدم ثقة بفريق العمل. ظهرت هذه الصعوبة بوضوح عندما حاول التوفيق بين مهامه كمدير للمستشفى ومعاناته من سرطان الحنجرة، حيث كان يتغيب عن جلسات العلاج للقيام بمهامه الإدارية. نناقش هنا أهمية التفويض باعتباره علامة قوة في أي مؤسسة، مع أمثلة من شركتي Amazon وSpotify.
للاطلاع على الجزأين الأول والثاني من المقال:
New Amsterdam | دروس الإدارة من أبطال التليفزيون.. الرؤية العظيمة تُظهر مشكلات عميقة (1)
New Amsterdam | التعاون والعمل الجماعى كقيمة قيادية: دروس د. ماكس وتجارب شركات عالمية (2)
ملحوظة: لا يوجد حرق للأحداث
صعوبة التفويض
على الجانب الآخر، واجه د. ماكس بعض الصعوبات خلال إدارته لمستشفى New Amsterdam، بسبب مشكلتين أساسيتين في الشخصية الإدارية التي يتمتع بها، وهما صعوبة التفويض، وغياب التوازن بين العمل والحياة.
يواجه د. ماكس صعوبة في تفويض المهام والمسئوليات لأعضاء فريقه. غالبًا ما تنبع هذه المشكلة من شغفه القوي برعاية المرضى وتصميمه على تحقيق رؤيته للمستشفى.
كانت أهم أسباب مشكلة صعوبة التفويض لدى د. ماكس تتمثل في حبه للكمال والإفراط في الالتزام، لكنه كأي مدير يجنح في عدم التفويض حتى ليظن زملاؤه أن لديه حبًا مفرطًا للسيطرة، أو تعطي إشارة إلى انعدام ثقته في فريق العمل، أو تفضيله لأسلوب الإدارة التفصيلية.
التخلي عن التحكم يعد أحد أصعب الأمور التي يجب على القائد القيام بها، لأننا في نهاية المطاف نثق بأنفسنا. أحيانًا نقول أشياء مثل "سأقوم بعمل أفضل، لذا لماذا لا أقوم به بنفسي؟" ولكن المشكلة هي أننا نجعل سير العمل كله يعتمد علينا، وهذا يُضعف العمل. إذ نعتمد على قوة الشخصية وليس على قوة العمل.
أحد أبرز الأمثلة على غياب القدرة على التفويض لدى د. ماكس تظهر عندما يحاول التوفيق بين واجباته كمدير للمستشفى، وبين إصابته بسرطان الحنجرة، لدرجة أنه كان يتغيب عن جلسات العلاج لأداء مهامه الوظيفية.
وعلى الرغم من معاناته الصحية الشخصية، يحجم الدكتور ماكس عن تفويض المهام لأعضاء فريقه، ويصر على التعامل مع كل شيء بنفسه مرددًا: "كل شيء تحت السيطرة. لا تقلق." (الموسم 1، الحلقة 7).
يتكرر سلوك د. ماكس مجددًا عند انقطاع التيار الكهربائي على مستوى المدينة، يصر على تنسيق الاستجابات لحالات الطوارئ في الشوارع بعد انقطاع وسائل الاتصالات عن العمل، في سلوك نبيل؛ لكنه قد يعرض المستشفى لخطر التوقف عن العمل بسبب غياب المدير التنفيذي، ما يدل على صعوبة تفويض المهام لأعضاء فريقه. (الموسم 2، الحلقة 18).
كيف يمكن تحقيق التفويض الفعال؟
لتحقيق التفويض الفعال، يجب توفر ثلاثة عناصر أساسية لتجنب الإحباط والارتباك وفشل العملية، حسبما يشير الخبير في القيادة جون سي ماكسويل:
"يحتاج التفويض الفعال إلى الثقة والتواصل والوضوح، فبدون هذه العناصر الثلاثة يمكن أن يتحول التفويض بسرعة إلى إحباط وارتباك".
ولتحقيق التفويض الفعال يمكن تمهيد الطريق بعدة أمور، وهي:
- وضع حد فاصل بين تفويض فريقك، وبين إدارته بشكل تفصيلي.
- معرفة متى يجب أن تتوقف عن التدخل.
- تحديد توقعات واضحة مع توفير الموارد.
- تقديم التوجيه والدعم الكافي اللازمين لتحقيق هذه التوقعات.
يستطيع المدراء التنفيذيون ومديرو المشروعات تحديد الخطوات الصحيحة لنجاح عملية التفويض، باستخدام منهجيات إدارة المشروعات بالشكل المناسب لتحقيق الأهداف والمهام بأفضل طريقة ممكنة.
شركة Amazon، على سبيل المثال، تعمل بقاعدة "البيتزا المزدوجة"، حيث يجب أن يكون حجم الفرق صغيرًا بما يكفي لتناول وجبتي بيتزا. هذه القاعدة تشجع على الاستقلالية واتخاذ القرارات بشكل أسرع، ما ساهم في جعل الشركة واحدة من أهم الشركات في العالم.
بنية "Squad" هي طريقة أخرى تستخدمها Spotify، وتم اشتقاقها من منهجيات إدارة المشروعات. تتألف البنية من فرق صغيرة متعددة الوظائف، ويتم اعتبار كل فريق على أنه شركة صغيرة ناشئة، وهذا يسمح لهم بالتركيز على منطقة معينة من تجربة المستخدم، ويشجع على الاستقلالية واتخاذ القرارات بشكل أسرع.
السؤال هنا: كيف يكون لدينا الصبر لنسمح لشخص آخر بالفشل والمحاولة مجددًا حتى ينجح؟ ما سيحفزهم على المحاولة مجددًا هو أنهم يعرفون أننا ندعمهم.
يقول سايمون سينك، الخبير في القيادة:
"التفويض ليس علامة ضعف؛ إنه علامة قوة. يتعلق الأمر بإدراك أنه لا يمكنك فعل كل شيء بنفسك وأنك بحاجة إلى الاعتماد على الآخرين لمساعدتك في تحقيق أهدافك".
لقراءة باقي مقالات السلسلة: