يوم أن خرجنا وعُدنا بمصر
يوم الأحد ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣ قبل أذان الظهر.. كان الشعب المصرى على استعداد لمواجهة الشيطان من أجل استعادة حريته.. هويته.. تاريخه وحاضره.. وإنقاذ مستقبله، صحيح أن جماعة الإخوان المسلمين اعتلت سدة الحكم فى مصر بانتخابات شارك فيها جميع أطياف الشعب المصرى، وضمت مرشحين مختلفين من كل التيارات وقتها، ولكنك تشعر بأنها فازت بهذه الانتخابات ووصلت للحكم فى غفلة من الزمن.
رضاء المصريين عن هذا الأمر كان مؤقتًا، ولنقل إنه كان ترقبًا أكثر منه رضاءً، فبعد إعلان النتيجة وفوز محمد مرسى، مرشح الجماعة، وهى الجماعة التى كانت تقول إنها لن تشارك فى انتخابات الرئاسة وفصلت أحد صقورها الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح لأنه أراد المشاركة، لكنها تراجعت وشاركت، فالكذب والخداع ونقض العهود هو عادتها وعهدها الحقيقى منذ نشأتها، لا جديدًا- لم يعترض أحد، ولم يخرج أنصار مرشحين آخرين إلى الشوارع غاضبين، يكسرون ويدمرون، كما هدد أنصار هذه الجماعة فى حالة إخفاق مرشحهم.
مرت الأسابيع والشهور، والشعب الذى لا يراهن على صبره وهدوئه يراقب ويحلل ويشاهد، وبالحس المصرى، الذى لا يخيب، أدرك المصريون الخطر الذى يحيط بوطنهم فى حال استمر هؤلاء الإرهابيون فى الحكم.. لم يكن هذا الخطر يكمن فى غلاء أسعار مثلًا أو ضيق الحال وفقر المعيشة، وكذلك لم يكن يكمن فى نقص الدواء أو قطع الكهرباء أو اختفاء البنزين، فى الحقيقة ساذج مَن يعتقد أن ثورة المصريين منذ ١١ عامًا على الإخوان كانت لهذه الأسباب أو أحدها، على الإطلاق، لم يكن ذلك أبدًا سببًا للثورة، لأن أسباب الثورة كانت أهم وأكبر وأقوى بكثير، السبب كان الهوية والتاريخ والحضارة، قيمة هذا البلد الأمين، أسباب المصريين كانت وجودهم من الأساس، فقد شعروا بأن بقاء الإخوان يعنى انتهاء وجود المصريين، وكانت المعركة فعلًا معركة وجود وبقاء، إما بقاء هؤلاء المرتزقة الإرهابيين، أو بقاء الشعب المصرى، وبحكم التاريخ والجغرافيا، حُسمت المعركة لصالح الشعب الذى استجاب قدره عندما أراد الحياة.
الثورة كانت لمواجهة جماعة ضالة مضللة تريد إرهابهم وتخويفهم، وقد واجهوا هذا الخوف بمنتهى الشجاعة فى عز وجود أنصار الإخوان مفترشین میادین مصر فى رابعة العدوية والنهضة لإرهاب المصريين من النزول والثورة، وهذا فى اعتقادى الفشل الأول لهذه الجماعة، أنها لم تقرأ الشعب المصرى جيدًا ولم تفهمه، فإن الإحساس بالخوف على الأرض والوطن والهوية والحرية هو المحرك الأول والأساسى لهذا الشعب العظيم، الذى يرفض دائمًا المساومة على بلده، وعلى مر التاريخ لم ينعم بها أحد أراد تدنيسها إلا وقاومه المصريون بشجاعة وطردوه خارج أرضهم.. فى هذه اللحظة العجيبة التى يتحول فيها الخوف إلى شجاعة.. هى اللحظة التى ينتهى ويبدأ فيها كل شىء. الإخوان لم يدرسوا التاريخ أيضًا، لو كانوا فعلوا لعرفوا أن المصرى لا يرضى بذل أو قهر، وأن يُملى عليه أحد تصرفاته، ماذا يلبس وكيف يأكل. ومن خطاياهم الكبرى محاولة التمكين، فقد حاولوا تمكين عناصرهم فى كل شبر من البلد، خاصة الوزارات وهيئات الدولة الحيوية، رغبوا فى تفكيك الجيش والشرطة لتحل ميليشياتهم محلهما، ولأن المصرى فطن وواعٍ فقد رأى مصر تتحول إلى إيران أو أفغانستان إذا استمر حكم الإخوان، حكم دينى فاشٍ لا يعرف معنى الوطن، يطيح بالثقافة والعلوم والفن، يمحى ماضى مصر، ويهيل التراب على تاريخها العريق وحضارتها، يحول أراضيها إلى قطاعات كما كان مخططًا، قطاع الصعيد، قطاع الدلتا، قطاع سيناء، ويضحى بها لصالح الأهل والعشيرة من كل بقاع الأرض، ليس مهمًا أن يسكنها مصريون، ولكن المهم أن يكونوا إخوانًا مسلمين.
عندما أعلن محمد مرسى، الرئيس الإخوانى الراحل والمعزول سلفًا، عن فتح باب الجهاد إلى سوريا، وهو فى استاد القاهرة، كان هذا فقط كافيًا لقيام ثورة عليه وعلى نظامه وجماعته، لأنه هنا لم يتحدث على أنه رئيس دولة، بل قائد ميليشيا، وأراد أن يحول شعب مصر إلى عناصر لهذه الميليشيا، هذا المشهد كفيل بأن تتنبأ ماذا عليه مصر بعد عشر سنوات مثلًا من حكمهم.. وهذا المشهد أيضًا هو أحد الأسباب القوية لقيام ثورة ٣٠ يونيو.
فى عام ٢٠١٣ ذهب مرسى إلى أسيوط، وكان ذلك بعد واقعة خطف الجنود فى سيناء، وجملته الشهيرة «الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين».. وعقد اجتماعًا فى مديرية الأمن، حضره كبار وشباب ضباط الشرطة، تحدث كثيرًا مثل عادته، ولكن المفاجأة عندما قال: «هؤلاء الذين فى سيناء ليسوا إرهابيين، بل هم شباب وطنى مخلص مثلكم»، كانت صدمة الضباط الشباب كبيرة، الضباط الكبار لا خوف عليهم، فلديهم من الخبرة ما يجعلهم يتفهمون ما يقول الرجل، فهو من جماعة إرهابية ويتحدث عن إرهابيين خرجوا من عباءة جماعته، ولكن الضباط الصغار أو الشباب فكان مرسى بالنسبة لهم رئيس الجمهورية، ويقول عن إرهابى إنه وطنى ومخلص مثلهم، كان هذا خطرًا آخر شديدًا، ومؤشرًا لتفكيك جهاز الشرطة ليحل محل الضباط قتلة إرهابيون، ويعتبر محاولة من الجماعة لاستقطاب شباب الضباط لينضموا إليهم، بعد أن يقتنعوا بأنهم وطنيون ومخلصون ومتدينون، وقبل كل ذلك لا يقاومونهم أو يواجهونهم بل يتركونهم يرتعون فى سيناء وبقية مدن ومحافظات مصر دون أن يتعرض لهم أحد. أسباب الثورة كانت حاضرة وبقوة، كانت تصرخ فى عقولنا وضمائرنا كل يوم بأن بقاء الإخوان يعنى نهاية مصر.
ولكننا نظمنا صفوفنا وتمردنا وخرجنا يوم ٣٠ يونيو فى ثورة ضخمة ضمت ملايين المصريين، كما شاركنا المصريون فى الخارج فى كل دول العالم، مطالبين برحيل المرشد الرئيس والحاكم الحقيقى لمصر وعودة بلادنا الطيبة.