منى حلمى تستعيد ذكرى ثورة 30 يونيو وتكشف مشاركة نوال السعداوى فيها
استعادت الكاتبة الكبيرة منى حلمي ذكرى ثورة 30 يونيو، خلال لقائها بـ"الدستور"، حيث تحدثت عن حماس والدتها الدكتورة نوال السعداوي، التي شاركت تلاميذها في النزول إلى ميدان التحرير لتهتف بسقوط حكم جماعة الإخوان بين ملايين الجموع من الشعب المصري الذين صنعوا هذا اليوم الذي لا يمحى من ذاكرة الوطن.
أين كنت يوم ثورة 30 يونيو 2013؟
يوم 30 يونيو 2013 كنت فى البيت، مع "نوال السعداوي" أمى. جاءتنى فرحة مهللة، وهى ترتدى ثياب الخروج. قالت لى إن مصر فى ثورة والشعب كله نازل، وهى ستنزل الآن إلى ميدان التحرير، حيث سيمر عليها بعض الشابات والشباب، من أعضاء ملتقى نوال السعداوى.
فاجأتنى حقيقة أن الشعب المصرى كله يقول كلمته ضد الحكم الدينى، والإخوان المسلمين، ومحمد مرسى، بعد سنة من الخراب. استعجلتنى أمى: يالله يا منى هنتأخر. قلت لها: لأ يا ماما روحى انتى معاهم، أنا هتابع من البيت، أنا مقدرش أستحمل كل الزحام ده.. خللى بالك من نفسك يا ماما". قال: "هيفوتك حدث عظيم مش كل يوم عندنا ثورة.. الواحد مش مصدق.. يالله يا منى". احتضنتها وقبلتها قائلة: "خللى بالك يا ماما..".
هل شاركت في مسيرات أو تظاهرات سابقة عن ثورة 30 يونيو 2013 أو اعتصام المثقفين؟
لم أشارك أبدًا فى مسيرات أو مظاهرات سابقة، على ثورة 30 يونيو 2013 أو اعتصام المثقفين. المرة الوحيدة التى شاركت فيها عندما كنت فى باريس أنا وأمى، نوال فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، وكانت هناك مسيرة حاشدة ضخمة صامتة وسلمية قامت بها حركة المقاومة "مجاهدى خلق" الإيرانية المناهضة للنظام الإيرانى الدينى– ولاية الفقيه، حيث تم اغتيال المجاهدة "مهرى فروز" إحدى العضوات النشيطات فى الحركة. كانت مسيرة غطت كل شوارع العاصمة باريس وتحميها الشرطة من كل اتجاه، حشود بالآلاف غاضبة وحزينة يودعون رفيقتهن إلى مثواها الأخير. سرت معهم أنا وأمى حتى المقابر. وهذا المشهد لن أنساه ما حييت.
هل وقعت على استمارة تمرد؟ وهل شاركت في جمع التوقيعات عليها؟
نعم.. لقد وقعت على استمارة تمرد، وأذكر جيدًا أننى وأنا أكتب اسمى شعرت بجسدى كله يرتعش، وكدت أبكى. فهذه أول مرة أحس بأننى فعلًا أشارك فى عمل وطنى مشرف أفخر وأؤمن به لكننى لم أشارك فى جمع التوقيعات.
حدثينا عن شعورك (رد فعلك) عقب سماع نبأ وصول محمد مرسي لحكم مصر؟
عندما سمعت نبأ وصول محمد مرسى لحكم مصر، كنت أنا وأمى فى صالة البيت، وأمامنا المشهد صوت وصورة على التليفزيون، نزل الخبر علينا كالصاعقة. قلت: "مش ممكن.. حكم دينى فى مصر؟... ده مش ممكن.. إيه اللى بيحصل؟". وأخذت أزعق وألعن الإخوان بكل قاموس اللعنات. قالت أمى بصوت يحاول امتصاص الكارثة: "كنت متوقعة.. دول بيشتغلوا من سنين عشان اللحظة دى.. منظمين ومعاهم فلوس ومتحالفين مع أنصار الثورة المضادة بره وجوه مصر.. اللحظة دى يمكن تفوقنا".
كمبدعة، ما السيناريو الذي تتخيلينه لو كان الإخوان استمروا في حكم مصر؟
لو استمر الإخوان فى الحكم كانت المشانق تعلق علينا فى الشوارع لكل القوى المدنية، سنصحو كل يوم على بيع جزء من مصر، وسوف يقع على النساء النصيب الأكبر من الإرهاب والقهر.. قتل للفنون ومنع الاختلاط فى كل مكان، وتزويج الفتاة وهى ما زالت رضيعة، سترجع ملكات اليمين وحبس النساء فى البيوت، إنشاء هيئات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للتجسس على خصوصيات الناس، والرقابة على حسن تطبيق شرع الله، وفرض ما يسمي بالزى الإسلامى بالكرباج على المرأة منذ ولادتها، اقتحامات للبيوت والتربص للسلوكيات أينما كانت، اعتقال وتعذيب وتصفية أى معارض للحكم الدينى. بالنسبة للأقباط إما يعتنقون الإسلام أو يدفعون الجزية. وطوائف المسلمين الأخرى سوف يتم تصفيتها. أما اللادينيون فالقتل هو الحل. باختصار سنكون نسخة من أفغانستان ولكن بشكل أكثر ذكورية وعنفًا، وتفقد مصر مصريتها واسمها، لتصبح إمارة إسلامية تأوى الإرهابيين من مختلف أنحاء العالم.
ما رؤيتك للحكم الديني الثيوقراطي لأي بلد مقارنة بأي شكل من أشكال الحكم الأخرى؟
الحكم الدينى لأى بلد لا ينتج إلا الخراب والحروب الأهلية، والقتل وتكفين النساء وهن أحياء. أينما وجدت القوى التى تتكلم باسم الله وشرع الله وجدنا القمع والبؤس، وتمزيق النسيج الوطنى الواحد والاضطرابات وعدم الأمان.
الشكل الوحيد للدول الذى يضمن النجاح والاستقرار والأمن وازدهار حقوق النساء والإنسان، ويرسخ المواطنة والحريات للجميع، هو ألا يخرج الدين إلى الفضاء العام بأى صيغة وبأى درجة. الحاكم الآمر هو الدستور والدولة ليس لها دين، ولا تنحاز إلى أى دين أو طائفة، فالدولة وظيفتها تحقيق الازدهار الاقتصادى والسياسى والثقافى، وضمان الحريات وتوفير العلاج الطبى الكريم للجميع وتحسين مستوى التعليم، وبناء مساكن وتوفير وظائف ودعم الفنون وحريات التعبير، ونزاهة القضاء، وليس من مهامها استعراض التدين، وإدخال الناس الجنة. وكل مواطن يتدين داخل قلبه ويتعبد داخل بيته. والدولة لا تهدر الأموال فى بناء مساجد أو كنائس أو معابد. كل إنسان يصلى فى بيته الخاص. والأموال تذهب إلى وظائف الدولة السابق ذكرها.
هل يفرز العيش تحت حكم ديني إبداعًا حقيقيًا؟
الإبداع فى أى مجال يحتاج إطلاق كل حريات التعبير. وبما أن الحكم الدينى قائم على القمع والكبت والمصادرة والحذف والمنع والحظر، وبما أنه أصلًا لا يؤمن بالدور الحضارى للإبداع، ولا يفهم معناه ولا يدرك أهميته، فلا يمكن أن نتوقع ازدهار الإبداع ونهضة الفنون والآداب، فى أى دولة دينية. والتاريخ القديم والحديث يؤكد ذلك.
إن المخرج الإيرانى "بابك خرمدين" المولود فى 23 سبتمبر 1974، تم قتله وتعذيبه وتقطيع جثته على يد والديه فى 15 مايو 2023، لأنه حسب رأيهم يعمل فى مجال ضد الشريعة الإسلامية الذى به اختلاط وحرية.
والممثلة والمغنية الإيرانية "جوجوش" المولودة فى 5 مايو 1950، كانت متربعة على عرش الغناء والتمثيل حتى قامت الثورة الإسلامية الإيرانية فبراير 1979، لم يقتلوها لكنهم فرضوا عليها عدم الخروج من بيتها، وعدم الغناء لمدة 21 سنة، حتى استطاعت الذهاب إلى الولايات المتحدة، وبدأت من جديد. والأمثلة كثيرة.
وهنا فى مصر مع صعود الأصوليين، والإسلاميين منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، شهدنا موجة من اعتزال الممثلات والممثلين وإعلان توبتهم بتشجيع من الشيوخ، وهناك فنانات تبرأن من تاريخهن الفنى ولبسوا الحجاب وقعدوا فى البيت. أكثر ما يخيف الحكم الدينى هو الفن وحرية النساء. ولهذا يشنون عليهما أشرس المعارك.
اقرأ أيضًا:
من الطعام إلى السلطة.. كيف أسقط الجوع حكم الإخوان في عام؟