فيتنام وروسيا.. قلق أمريكي
إلى العاصمة الفيتنامية هانوى، توجّه دانيال كريتنبرينك، مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون شرق آسيا والمحيط الهادئ، أمس الجمعة، «لتأكيد التزام الولايات المتحدة القوى بتنفيذ الشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين البلدين، حسب بيان الخارجية الأمريكية، الذى ذكر أن «كريتنبرينك» سيؤكد، مجددًا، خلال الزيارة التى تستغرق ثلاثة أيام، دعم بلاده «لفيتنام قوية ومستقلة ومقاومة ومزدهرة»!
فيتنام، كانت المحطة الثانية والأخيرة من جولة قصيرة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى آسيًا، بدأت بزيارة لافتة إلى كوريا الشمالية، لإحياء التحالفات الروسية القديمة، أو لتجديد آليات التنسيق مع الشركاء التقليديين. وفى مقال عنوانه «روسيا وفيتنام.. صداقة اجتازت اختبارات الزمن»، نشرته جريدة «نيان زان»، التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعى الفيتنامى، كتب الرئيس الروسى أن البلدين يتعاونان بشكل وثيق فى المنصات الرئيسية، متعددة الأطراف، على رأسها الأمم المتحدة، معربًا عن امتنانه وتقديره موقف فيتنام «المتوازن من الأزمة الأوكرانية»، إضافة إلى «الاهتمام المشترك ببناء هيكل أمنى جديد يقوم على مبدأ عدم استخدام القوة والحل السلمى للأزمات، وعدم بناء تحالفات عسكرية فى المنطقة».
بعد خطوات تطبيع بطيئة، بدأت فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، زاد التقارب بين الولايات المتحدة وفيتنام، خلال السنوات العشر الأخيرة، بشكل كبير ولافت، وصولًا إلى قيام الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بزيارة هانوى، فى سبتمبر الماضى، وتوقيع اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين البلدين، التى قال البعض إنها أزالت البقعة الأخيرة من «وصمة حرب فيتنام»، التى قتلت خلالها الولايات المتحدة أكثر من مليونى مدنى ومليون عسكرى، وتسببت فى تشريد عشرة ملايين لاجئ وثلاثة ملايين عاطل، إضافة إلى التأثيرات الكارثية، التى امتدت لسنوات، نتيجة الاستخدام الواسع للمواد المشعة والألغام الأرضية.
المهم، هو زيارة بوتين لفيتنام، شهدت توقيع حوالى ١٥ اتفاقية ومذكرة تعاون فى مجالات التعليم والقضاء والاستخدامات السلمية أو المدنية للطاقة النووية. وفى بيان مشترك، صدر فى ختام جولة محادثات مطوّلة، أكد الرئيسان الروسى والفيتنامى «استقلالية العلاقات بين البلدين وتطابق مواقفهما الدولية، وعزمهما مواصلة التعاون فى كل المجالات»، وأشار الطرفان إلى دعمهما «التطوير المستمر للتعاون فى صناعة النفط والغاز والطاقة والتقنيات الرقمية»، و... و... وبشكل منفصل، شدّد البيان الثنائى على أن «التعاون فى مجال الدفاع والأمن يحتل مكانة خاصة فى العلاقات الروسية الفيتنامية»، لافتًا إلى أن هذا التعاون «ليس موجّهًا ضد أى دولة ثالثة»، بل يستهدف تحقيق «السلام والاستقرار والتنمية المستدامة» فى المنطقة.
وكالة «بلومبرج» الأمريكية قالت إن هانوى «استضافت الرئيس الروسى، متجاهلة انتقادات واشنطن، لتؤكد استمرار علاقتها مع موسكو فى مواجهة رد الفعل السلبى من الولايات المتحدة». وذكرت وسائل إعلام روسية أن «فيتنام تحدّت الولايات المتحدة عمليًا عبر استقبالها الحافل لبوتين»، وأكدت أن واشنطن «حاولت ممارسة ضغوط على هانوى، ووجّهت لها انتقادات حادة، على خلفية الإعداد لهذه الزيارة». ثم نقلت وكالة «رويترز» تصريحات للمتحدث باسم السفارة الأمريكية فى هانوى قال فيها: «لا ينبغى لأى دولة أن تمنح بوتين منصة لتعزيز حربه العدوانية على أوكرانيا والسماح له بتطبيع فظائعه».
مع ذلك، قالت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، خلال فعالية بمدينة أتلانتا، إن واشنطن غير قلقة إزاء العلاقات الفيتنامية الروسية، موضحة أن بلادها لديها «استراتيجية للعمل بشكل تعاونى مع عدد من الدول، ليس من شروطها أن تقطع هذه الدول علاقاتها مع روسيا أو الصين». وحين سُئل جون كيربى، منسق الاتصالات الاستراتيجية للبيت الأبيض، الخميس، عما إذا كانت واشنطن تعتقد أن فيتنام قد تدعم روسيا فى حرب أوكرانيا، قال إن بلاده «تتوقع أن تستمر هانوى فى الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة».
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الروسى، الذى كانت زيارته لكوريا الشمالية هى الأولى منذ ربع قرن تقريبًا، سبق أن زار فيتنام فى ٢٠٠١ و٢٠٠٦ و٢٠١٣ و٢٠١٧، ما يعنى أن زيارته الأخيرة، التى انتهت، أمس الأول الخميس، وأقلقت الولايات المتحدة، هى الخامسة منذ توليه الحكم.