مقصلة الموت .. سودانيون يلقون حتفهم في صحراء مصر بالتهريب (تحقيق)
في ساعة متأخرة من الليل دقّ هاتف راندا الشيخ -سودانية مقيمة في مدينة أسوان جنوب مصر- هزّ أرجاء منزلها، ردّت على الهاتف، وهي بالكاد تعي فوجدت ابن صديقة عمرها "جيهان" يبكي، ويقول "أمي دايخة أوصفي للسائق مكان منزلكم نجيلكم".
نزلت راندا مسرعة أسفل منزلها لتجد جثة صديقة عمرها "جيهان" في انتظارها داخل "توكتوك"، ومعها جثث ابنتيها الاثنتين 12، ١٤عامًا، وجوارهما ابنها الناجي الوحيد 16 عام الذي هاتفها يبكي فقدانه عائلته جميعها أمه وشقيقتيه وأبيه الذي مات منهم عطشًا في الصحراء.
جيهان وابنتيها وزوجها هم أسرة بين مئات الأسر السودانية التي تحاول يوميًا الفرار في السودان بسبب الحرب الطاحنة فيها بالنزوح إلى مصر، ولكن من خلال الطرق غير الشرعية، لتلقى مصير لا يختلف عن ذلك الذي فروا منه في بلادهم، وهو الموت إذ ينتظرهم نفسه في صحراء مصر نتيجة العطش والجوع مع ارتفاع درجات الحرارة، وكذا عمليات البلطجة والسرقة التي تقابلهم في الطريق.
وقعت اشتباكات السودان في ١٥ إبريل عام 2023، وهي حرب أهلية بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبد الفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع تحتَ قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بالإضافة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال.
خلفت هذه الحرب نحو 15 ألف قتيل وحوالي 8.5 ملايين نازح ولاجئ إلى الآن.
المصدر: الأمم المتحدة.
حملت راندا وأبناء الحي على أكتافهما جثمان صديقتها جيهان إلى مشرحة أقرب مستشفى، وحملت معها ذكريات جمعتها بصديقة عمرها في موطنهما بالسودان، بينما دفع الخوف من المسائلة سائق "التوكتوك" إلى رفض توصيل جثث ابنتا الأم إلى المستشفى فظلت جثثهما راقدة على الأرض بالشارع ساعات طوال تنتظر من يثويها، وهي تروي في صمت مأساة هروب من الموت إلى الموت نفسه.
ماتت جيهان وأسرتها حسبما روّت صديقتها راندا لـ"الدستور"، بعد إصابتهم بضربة شمس نتيجة الحرارة الشديدة في صحراء مصر، ونفاذ المياه في السيارة التي كانت تهربهما، وانقطاع كل السبل للنجاة بهم، بينما تم حجز الابن الناجي الوحيد ١٦ عامًا في قسم الشرطة نتيجة دخوله بطريقة غير شرعية ليعيش يتيمًا وسجينًا أيضًا، وسط محاولات منها لفك سجنه.
30 جثة في اليوم الواحد
استقبلت مشرحة مستشفى أسوان في يوم واحد ما لا يقل 30 جثة سودانية ماتوا أثناء نزوحهم من السودان إلى مصر بسبب العطش، وارتفاع درجات الحرارة، وذلك حسب تصريح سعاد السيد مسؤولة أمانة الصحة في الجالية السودانية بأسوان، والمؤسس العام لمبادرة الأشقاء الطوعية موضحة أن أعداد الجثث في الفترة الأخيرة تدور يوميًا حول هذا الرقم بل ربما تزيد، إضافة إلى الذين توفوا في الصحراء وهو الأمر الذي يصعب معه معرفة الرقم الحقيقي لإجمالي الضحايا.
ضربات الشمس والهبوط بالدورة الدموية التشخيص المشترك في السودانيين المتوفين
حسب الدكتورة سعاد فإن ضربات الشمس والهبوط بالدورة الدموية كانا التشخيص المشترك الأغلب بين كل الأسر السودانية المتوفية، وذلك بسبب درجات الحرارة التي وصلت إلى ما فوق ال ٥٠ درجة مئوية في الصحراء، وذلك في الوقت الذي أنزل فيه بعض السائقين المسؤولين عن هذه الرحلة غير الشرعية إجباريًا هؤلاء السودانيين من سياراتهم وسط الصحراء دون ماء أو غذاء وعادوا هم إلى بلادهم وتركوهم يموتون عطشًا وإجهادًا.
"وكأن قد صب على جلودهم مياه نار" بهذه الكلمات تصف الطبيبة المظهر العام على أغلب الجثث السودانية التي ملئت مشارح مستشفيات أسوان مبيّنة آثار أشعة الشمس التي أكلت جلود هؤلاء النازحين، وقدمتهم هدايا إلى الموت الذي جاءوا فارّين منه فذهبوا دون قصد إليه.
كما تابعت أن هناك من الحالات الأخرى التي جاءت إلى المستشفى مصابة بإصابات بالغة في المخ والأعصاب، نتيجة تعرض السيارات التي كانت تقلهم بطرق غير شرعية للانقلاب في الصحراء بسبب فرارهم في الطريق من قوات الجيش المصري، وسيرهم في طرق وعرة.
وأضافت أن أغلب الحالات المتوفية هي من الأطفال والمسنين، وذلك نتيجة عدم قدرة تحمل هاتين الفئتين لدرجات الحرارة المرتفعة والعطش والجوع ما أدى إلى إصاباتهم بهبوط حاد في الدورة الدموية ومن ثم الوفاة.
الأطفال بين الموت والسجن
وبين الحالات الصعبة التي رأتها سعاد في المستشفى، والتي أكدت أنها لن تنساها حالة سيدة وزوجها توفيا بمجرد الدخول إلى أسوان تاركين أبنائهما الأطفال إحداهما ١٥ عامًا حجز بقسم الشرطة لدخوله البلاد بطريقة غير شرعية على الرغم من إنه قاصر، والأخر طفل لم يتجاوز عمره الخمس سنوات، وهو حاليًا مقيم مع أسرة سودانية تعيش في أسوان كانت تعرف أبويه، مؤكدة أنها شعرت كم تفككت تلك الأسرة في لحظات حيث راح الأب والأم بلا رجعة بينما سيعيش الأبناء الأطفال بين السجن واليتم ثم الترحيل بعد ذلك، فيذهبوا إلى بلادهم في مصير مجهول لا يعرفون عنه شيئًا سوى أنه بالمخاطر قد أحيط.
مستغلو ما بعد الموت يطلبون الآلاف لفتح المقابر
لم يكن الاستغلال لهؤلاء السودانيين الحالمين بالفرار والنزوح وهما أحياء فقط بل امتد ليشملهم وهم جثامين تبحث عن ثرى يأويهم أيضًا، وذلك مثلما أوضحت سعاد مؤكدة أن هناك البعض الذي يشترط دفع مبالغ تتراوح بين ١٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ جنيه مصري فقط لفتح المقبرة ودفن الجثامين السودانية المتوفاه، وإلا تظل تلك الجثث ملقاه بالشارع أو بالمشرحة.
بينما على الوجه الأخر أكدت الطبيبة وجود العديد من الجمعيات الأهلية التي تقدم خدمات الدفن مجانًا للأشقاء السودانيين، خاصة أن أغلبهم ليس معهم أوراق ثبوتية نتيجة سرقتها من قبل البعض مؤكدة على تعاون المستشفى مع هذه الجمعيات.
جمعيات خيرية تصلي على المتوفين وتتكفل بكافة مصاريف الدفن
بين هذه الجمعيات التي ذكرتها كانت جمعية عناية المرضى وتكريم الإنسان بغرب أسوان، تواصلت "الدستور" مع محمد نوح عباس أحد مؤسسي الجمعية والذي قال أن الجمعية قد استقبلت اتصالًا هاتفيًا من أحد المسئولين يفيد بوجود ٧٦ جثة لأفراد سودانيين توفوا خلال مجيئهم مهربين إلى مصر، وتكدست بهم مشارح أسوان.
وأوضح نوح أن الجمعية أخذت ١٤ جثة منهم وتم توزيعهم على المقبرتين الموجودتين في المنطقة، وذلك بعد أن رفض البعض استقبال تلك الجثث نتيجة عدم وجود أوراق تثبت هويتها، وكذلك نتيجة تحللها بفعل تواجدها عدة أيام في الصحراء، وكذلك في المشرحة.
وأكد محمد على أنه قد حرصت الجمعية على إقامة جنازة كبيرة للأشقاء السودانيين المتوفيين، وصلى عليهم العديد من آهالي القرية، كما تكفل الأهالي بكافة مصاريف الدفن، وذاك دون تحميل أهل الإخوة السودانيين دفع أيًا من الأموال.
سجلت مدينة أسوان في يوم 7 يونيو 2024 درجة حرارة مرتفعة لم يسبق أن وصلت إليها منذ عام 2007 إذ وصلت درجات الحرارة بها إلى 49.8 درجة مئوية وبذلك، تكون أسوان قد تصدرت قائمة المدن الأكثر حرارة على وجه الأرض، متجاوزةً العديد من المدن الأخرى التي تعاني من موجات حر قوية.
"همام" اختار رحلة الموت الثانية بعد انخفاض عملة بلاده أمام الجنيه المصري
"شكلنا هانواجه نفس المصير" تلك كانت كلمات همام آدم طالب طب الأسنان السوداني الذي يعيش في أسوان "للدستور"، قبل لحظات من ركوبه إحدى السيارات التي تهرّب السودانيين من مصر إلى السودان تمامًا مثلما هربتهم أخرى إلى مصر، وذلك بعد قراره خوض مخاطرة الموت بالعودة مرة أخرى إلى بلاده على الرغم من هذه الأجواء الخطرة.
قرار همام خوض رحلة الموت بعودته إلى بلاده، في رحلة غير شرعية جاء بعد أن فقد الجنيه السوداني قيمته أمام الجنيه المصري حيث كان سعر الألف جنيه المصري يعادل 20.000 جنيه سوداني، بينما أصبح قيمة الألف جنيه المصري حاليًا بمعدل 40000 جنيه سوداني، وهو ما جعل تكاليف الحياة صعبة للغاية للسودانيين في مصر حاليًا.
14 ألف جنيه تكاليف رحلة تهريب همام من مصر إلى السودان
ما يعادل مبلغ ١٤ ألف جنيه مصري، هو المبلغ الذي أعده همام تكلفة رحلة هروبه من مصر وعودته من أسوان إلى السودان وهو المبلغ الذي طلبه منه المُهّرب، موضحًا أن تلك ذاتها هي التكلفة المادية التي تكبدها في رحلة مجيئه إلى مصر، والتي كانت تهريب أيضًا، وفيها ذاق مرارة الموت ولكنه نجا بأعجوبة.
يروي همام "للدستور " تفاصيل رحلة هروبه الأولى إلى مصر والتي كانت في شهر ديسمبر الماضي قائلًا "تحركنا حينها بالبوكسي من شرق السودان كنا حوالي ١٩ نفر في البوكسي "عربة نصف نقل"، مشينا يوم كامل ونمنا في الصحراء على الحدود لأن الشارع كان خطر" ويتابع أنه قد وجد بعد ذلك وأسرته جثثًا ملقاه على الطريق قد تركهم سائقو العربات وفروا.
أضاف أنه بوصولهم قرب أسوان تعطلت السيارة التي كانت تقلهم، ما جعلهم ينامون عند جبل في عزّ البرد حيث كانت درجة الحرارة حينها شديدة البرودة".
نفذت المياه والطعام من همام وأسرته "كنا فاكرين نفسنا هانموت حقيقي حتى الأطفال كانوا يبكون ويسألوا أمهاتهم أنو احنا هنموت ولا لا ياماما؟" يتابع أنه ولحسن حظهم جاءتهم مساعدات من صاحب السائق، وبعض الكميات القليلة من المياه "ماتشربش كتير تبل ريقك بس".
تابع أنه عندما وصلوا إلى منطقة “الكسارات” بأسوان تشاجرت على حمولتهم الميكرو باصات والتكاتك، وادعى البعض أنهم سيساعدونهم للوصول إلى شقق دون الحصول منهم على أي أموال، ولكن ما حدث هو عكسه.
بمجرد الوصول إلى الشقة حسب همام طلب هؤلاء السائقين منهم أموالًا طائلة نظير أي خدمة يقدمونها لهم موضحًا أنه على سبيل المثال، طلبوا منهم نظير خدمة استخدام دورة المياه دفع مبلغ 200 جنيهًا مصريًا للفرد الواحد، ونظير إيجار الشقة في اليوم الواحد أيضًا طُلب ما يعادل 700 جنيهًا، أما الطعام والذي كان عبارة عن فول وطعمية وخبز طلبوا مبلغ 300 جنيه ليصبح إجمالي المبلغ الإجمالي الذي دفعوه في أقل من يوم الذي هو 1200 جنيه مصري.
فضلًا على ذلك أوضح همام أنه قد تعرض وأسرته لأعمال بلطجة وسرقة من قبل البعض إذ خرج عليهم مجهولون بمنطقة السيل بالمطاوي والسكاكين لإرغامهم على دفع ما معهم من أموال، "دفعنا وطلعنا من المنطقة ما معانا فلوس ولا حاجة".
ومثلما كان هناك أعمال بلطجة، يصف همام أنه رأى نماذج للخير أسدت معه ومع أسرته معروفًا لن ينساه أبدًا، إذ كان أبرزهم بطفل أسواني اشترى لهم كارتًا لشحن الهاتف المحمول رصيدًا لكي يتواصلوا مع أقربائهم، كما أعطاهم مبلغ 100 جنيه، ودالميكروباصة الميركوباص الذي أوصلهم إلى أقرب وأرخص فندق، كذلك صاحب الفندق الذي رفض يأخذ منهم أجرة النزول لديه إلا بعد أن تأتيهم أموال.
"عذرًا.. نحن الآن على وشك المغادرة والعودة إلى بلادنا في رحلة هي الأصعب، لا يمكنني أكمل الحديث إن وصلنا سأعاود التواصل معكم. وإن لم يكن اعلموا أننا واجهنا نفس مصير الذين ماتوا.. رجاء الدعاء"...ختم همام.
"الدستور" تعقد صفقة مع أحد سماسرة التهريب
مع سمسار يعمل ضمن مافيا تهريب السودانيين تواصلت "الدستور"، وادعت المحررة رغبة أسرة سودانية موجودة في مدينة عطبرة بالسودان - إحدى محطات تهريب الأفراد الرئيسية هناك- الهروب إلى مدينة أسوان المصرية.
ادعت المحررة أن هذه الأسرة ليس معها أيًا من الأوراق الرسمية وذلك تأكيد على إثبات التهريب.
" معها فلوس أم لا" كان ذلك هو السؤال الأول والأهم فقط من السمسار السوداني إلى المحررة، في إشارة إلى أن من معه اموالًا فقط هو من يتم تهريبه.
وقال إنه سيرسل إلى الأسرة السودانية الراغبة في الهروب إلى مصر أحد السائقين الموجودين في مدينة عطبرة على شرط دفع مبلغ 250 جنيه سوداني للفرد أي ما يعادل ٢٠ ألف جنيه مصريًا وذلك في حال اختار الجلوس بالمقعد الأمو٢٠٠ي السيارة، و٢٠٠ جنيه سوداني للفرد في حال كان سيركب بالمقعد الخلفي بها أي ما يعادل ١٦٠٠٠ جنيه مصري.
سافرت ابنة خال محمد تالجا مؤخرًا ومعها خمس أطفال 3 عمرهم بين العامين إلى الستة أعوام، واثنين عمرهم 15 و16 عامًا.
في وسط الطريق – يتابع محمد- أنزل المُهرب السوداني، ابنة الخال وأبنائها، ما جعلهم يتوهون بعد ذلك في دروب الصحراء، إلى أن وجدتهم سيارة بالصدفة، ولكن بعد أن توفي منها الأطفال الثلاث الذين لم يحتملوا العطش والجوع، بينما بقت هي وابنتيها الكبار أحياء ولكنهم أصبحوا مصابين بمضاعفات خطيرة من أثر حرارة الشمس.
موت أطفال ابنة خالة تالجا جعله يؤخر سفره إلى أن تنتهي فترة الحرارة الشديدة التي تشهدها مدينة أسوان، موضحًا أن معه خمس أطفال يخشى عليهم خوض هذه الرحلة الخطرة في ذلك التوقيت.
استخدام عربات نصف نقل والسير بسرعة في الصحراء سبب من أسباب الوفاة
يستخدم المهربون سيارات نصف نقل صغيرة في نقل السودانيين إلى مصر ومنها كما يوضح عثمان الميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية لافتًا إلى أنهم يقودون تلك السيارات بسرعة شديدة في الصحراء خوفًا من قبضة الجهات الأمنية ما يجعلها تنقلب أو تتعطل خاصة مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، وهو الأمر الذي يترتب عليه زيادة عدد حالات الوفاة خاصة أن المهربين لكي يتمكنوا من تحميل أكبر عدد من البشر يرفضون حمل كميات مناسبة من المياه، ويضعون بدلًا منها المواطنين.
ويتابع الميرغني في حديثه "للدستور" أن ذلك ما يجعل المواطنين بمجرد أن تنقطع بهم السبل في الصحراء، لا يجدوا مياه معهم للشرب للبقاء على قيد الحياة حتى يجدوا سبيلًا للإنقاذ.
تأخر التأشيرات بالشهور دفع السودانيين للتهريب
اضطر السودانيون إلى اللجوء لدخول البلاد بطرق غير شرعية بعد أن فقدوا في السودان كل ما يعينهم من أموال وعمل وباتت أرواحهم في كل دقيقة مُهددة بالموت المحتوم حسب الفريق حنفي عبد الله المحلل العسكري والاستراتيجي بالسودان في حديثه "للدستور" موضحًا أن مصر كانت هي الوجهة الأولى لفرارهم، وذلك نتيجة العلاقات القديمة بين البلدين، وتشابه طبيعة الحياة بين كل من مصر والسودان، بالإضافة إلى أن الكثير منهم لديه سكن في مدينة أسوان.
أضاف أن الوجهة الثانية للسودانيين كانت دولة أثيوبيا إلا أن حكومتها قد فرضت عليهم الدفع بالدولار نظير الحصول على الخدمات، وتحديدًا في العاصمة، وهو ما مثّل صعوبة عليهم لعدم توافر العملة معهم مما جعلهم يلجؤون إلى مناطق أخرى غير العاصمة إلا أنهم تعرضوا فيها إلى هجوم عصابات "الشفتا" التي نهبت حاجاتهم وأصبح الآلاف منهم مشردين حاليًا في الغابات.
بينما كانت الوجهة الثالثة حسب حنفي منطقة غرب السودان، ودارفور كما أن هناك بعض القبائل التي اتجهت إلى دولة تشاد، لافتًا إلى أنهم يعيشون حاليًا ظروف صعبة للغاية في الصحراء كما أن المنظمات لا تقدر على إرسال الدعم لهم بسبب عرقلة قوات الدعم السريع له ورفضهم له.
وأكد عبد الله على أن السلطات المصرية قد قامت بجهود كبيرة عبر قنصليتي وادي حلفا وبورتسودان في منح التأشيرات للسودانيين خاصة مع بداية الحرب، حيث كانت في البداية باتفاقية الحريات الأربعة، والتي تسمح بدخول السودانيين إلى مصر دون تأشيرة.
نصت اتفاقية الحريات الأربعة بين مصر والسودان والتي وقعت عام 2004 على "حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك بين جمهورية مصر العربية، وجمهورية السودان"
لكن مع اكتظاظ السفارات بطالبي التأشيرة -يتابع الخبير العسكري- حيث وصل عدد الأفراد المنتظرين جداول الحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر حوالي٢٠٠ ألف سوداني قللت السلطات المصرية منح التأشيرات لهم وفرضت ضرورة الحصول على تأشيرة لكل الفئات حتى الأطفال.
وهو الأمر الذي وصفه حنفي بأنه قد بات صعبًا على السودانيين معه اتباع الطرق الرسمية في الدخول إلى البلاد خاصة مع استغراق التأشيرة مدة زمنية طويلة للحصول عليها إذ تتراوح بين أربع إلى خمس أشهر.
وتابع أن عدم وجود جوازات لأغلب هؤلاء السودانيين صار واحدًا من الأسباب التي جعل الدخول بلا تأشيرة من خلال التهريب هو الملجأ الوحيد لهم أيضًا موضحًا أن كافة مطابع الجوازات في الخرطوم قد تهدمت بفعل الحرب، وأكد أن ذلك ما جعل الكثير من السودانيين يلجؤون إلى هذه الطريقة غير الشرعية في الدخول إلى البلاد، وهي "التهريب".
وأوضح حنفي في ختام حديثه أن معالجة هذه المسألة قد أشارت إليها مصر، وذلك بوعد الرئيس عبد الفتاح السيسي بتسهيل إقامة السودانيين بمصر، ومنحهم التأشيرات خاصة كبار السن والنساء والأطفال والمرضى.
شكّل السودانيين في مصر العدد الأكبر من "المقيمين واللاجئين" في البلاد بنحو 4 ملايين شخص
المصدر: تقديرات المنظمة الدولية للهجرة
جهود الدولة المصرية في دعم السودانيين واستقبالهم
منذ بداية أزمة السودان وقد احتضنت مصر الأشقاء السودانيين وتبنت قضيتهم، إذ لجأ أعداد قدرت بالآلاف من السودانيين إلى مصر، عقب اندلاع الحرب بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لتستقبلهم الدولة المصرية وشعبها ما جعل هؤلاء الأشقاء يشعرون بالآمان والاندماج مع المجتمع المصري خاصة بعد أن قدمت لهم الحكومة المصرية مختلف التسهيلات على كافة الأصعدة، بالإضافة إلى جهودها في حل الأزمة السودانية من أساسها داخل السودان نفسه.
وهو الأمر الذي دفع القنصل العام في السودان بمحافظة أسوان السفير عبد القادر عبدالله محمد، إلى تقديم الشكر للسلطات المصرية في محافظة أسوان ومحافظات الصعيد الست التي تغطيها القنصلية، وذلك على حسن استضافتهم لأشقائهم من السودان الذين وصلوا مصر بعد اندلاع حرب تمرد مليشيا الدعم السريع على القوات المسلحة والدولة السودانية في أبريل الماضي.
كما أنه وفقًا لوكالة الأنباء السودانية سونا، قال السفير عبدالقادر في تصريحات إعلامية بمقر القنصلية في أسوان أن محافظة أسوان حكومة ومواطنين ومنظمات وجمعيات قاموا بترجمة توجيهات فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي في فتح كل من مؤسساتهم ومنازلهم وتسخير كافة إمكاناتهم لاستقبال أشقائهم السودانيين كما أشاد بـمبادرة "الأشقاء السودانية المصرية" والتي تهدف إلى دعم الأسر السودانية، وهي تضم مجموعة من المتطوعين السودانيين والمصريين لخدمة السودانيين المتأثرين بالحرب.
كما أوضح السفير أن وزارة الصحة المصرية قد وجهت العديد من الفرق الطبية المتنقلة منذ الاسبوع الأول إلى المعابر الحدودية للقيام بعلاج السودانيين المتضررين، وكذلك جمعية الهلال الأحمر إضافة إلى أن مستشفيي أسوان الجامعي والمستشفيات الأخرى قد فتحوا أبوابهم لعلاج السودانيين مجاناً، كما فتح الباب أمام الأطباء السودانيين لقضاء فترة الامتياز بهذه المستشفيات.
وتابع أن الجامعات المصرية مثل جامعات أسوان، قنا، أسيوط والوادي الجديد، سوهاج والأقصر تضم مئات الطلاب السودانيين في شتى المجالات.
كما أشار القنصل إلى نماذج ناجحة للتعاون المشترك بين البلدين والتي تمثلت في هيئة وادي النيل للملاحة وكذلك مشروع مكافحة الملاريا المشترك بين البلدين والأكاديمية العربية للنقل البحري، والتي التي تضم بعض الطلاب السودانيين.
تضاعفت أعداد اللاجئين السودانيين في مصر منذ اندلاع الحرب في بلادهم 5 أضعاف، ويمثلون أكثر من 52% من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في البلاد
المصدر: مفوضية اللاجئين في القاهرة