المُحْبَطُون المُخِيفُون
الإحباط، لغة، شعور بالتدني والحزن واليأس والعجز؛ نتيجة لفشل في تحقيق هدف كان يُرجى تحقيقه. قد يتقوقع الإنسان المحبط، وقد يؤثر التواصل، بروحه المهزومة، وهنا يكون شخصا خطرا بكل معنى الكلمة؛ لأنه سيسقط إحباطه على الناس بشكل أو بآخر، لا سيما الناجحين المتفوقين، وسيتهم الوجود كله بمحاربته ومحاولة النيل منه!
كنت قابلت أصنافا من المحبطين، في رحلتي الشعرية والثقافية، كانوا مخيفين للغاية؛ فأسماء الشخصيات الكبيرة الفاعلة، في نظرهم، أسماء قتلة معنويين وأدعياء، وجدت من يطهرها إعلاميا ويمنحها الفرص، هكذا بالضبط للأسف، وكنت قابلت أصنافا منهم في الرحلة الإنسانية طبعا، لا يختلف الأمر كثيرا عن الرحلة الآنفة، لكنه أشمل بالبداهة، يمس مجموع البشريين ذوي التميز عموما.
لا بأس بالإحباط في جميع الأحوال، كلنا معرضون للأمر في حياتنا وأعمالنا، ولكن المشكلة، وهذا ما أردت أن أبينه، كامنة في مواجهة الشخص المحبط للجميع بطغيان إحباطه، من غير أن يجتهد في مداراته، أو يتخلص منه بتخطيه، والتخطي أحسن بالطبع، باحثا عما يخفف آثاره إن كانت بقيت له آثار.
هناك من تاجروا بإحباطاتهم أيضا، والقصد أنهم مثلوا أدوار الضحايا بطريقة يستحقون عليها الأوسكار، ربما نالوا التعاطف لكنهم لم ينالوا الاحترام؛ لأن الأشخاص الأقوياء حقا لا يقبلون الظهور كضحايا حتى لو كانوا كذلك بالفعل، وهؤلاء الذين تاجروا بإحباطاتهم صاروا ضحايا أنفسهم في نهاية الأمر؛ فالآخرون يتعاطفون إلى مدى معين ولا يتعاطفون إلى نهاية الفيلم!
ماذا يمنع الناس من أن يجربوا أعمالا غير التي فشلوا فيها؟ ماذا يمنعهم غير الإحساس اللعين المسبق بالفشل الجديد، الإحساس المؤلم الخادع الذي يجعلهم في أسره إلى الأبد، ما لم يفيقوا وينهضوا للعمل آملين أن يكون التوفيق حليفهم فيما يزمعون عليه، إنهم قادرون تماما، لكن الكسل والتشاؤم يكادان أن يعجزاهم، والرغبة في الاستسلام تكاد تطوي أحلامهم، ولو جربوا لاستراحوا مهما تكن النتائج؛ فالحياة بين انتصار وانكسار دائما، والشاطر من يفهم قواعد اللعبة، وينزل الساحة مطمئنا.
لا تحب روحي مدمني الإحباط، ألقاهم في الشوارع والأندية والمقاهي بكلام واحد، لا يتغير إيقاعه ولا معناه، أستغرب كيف يقفون أمام مراياهم ولا يشعرون بالخجل، أقول لهم أحيانا: في العالم شمس تشرق كما فيه شمس تغيب.. ويقولون بمنتهى البؤس وثقل الظل: شموسنا تغيب ولا تشرق، وأعمارنا ضائعة!
أقول لنفسي: لا تكلم أمثال هؤلاء؛ فقد تمكن منهم داء عياء لا برء منه، بل حاول أن تبتعد عن أماكن وجودهم أصلا، يا أيها الآمل، فبوسعهم أن يجذبوك إلى دوائرهم المعتمة، ويدمروا فيك كل شعور منعش بالنسائم حاملة العطور.
"الطريق ممتد، وما زلنا نواصل السير بأقدام متعبة، لكننا سنصل إلى أهدافنا حتما".. ليتنا نغني هكذا؛ إن فعلنا فسنبلغ الغايات.