خالد إسماعيل يروي قصة الأُضْحيَة من جِدْيان كوم العرب إلى خِرْفان كمال الشيخ
تحدث الكاتب خالد إسماعيل عن ذكرياته مع عيد الأضحي وقصة الأضحيات التي عرفها علي مدار حياته، من بينها “الونيسة” التي تذبح على مقبرة الميت.
خالد إسماعيل: في طفولتي عشت طقوس الدين الإسلامي والمسيحي
واستهل خالد إسماعيل حديثه لـ"الدستور": "في قريتي "كوم العرب" التابعة لمركز طِمَا محافظة سوهاج، عشت طقوس الدين الإسلامي، وطقوس الدين المسيحي، فكنت محظوظًا بالسكن في "الكوم" القديم، الذي ظهر على الأرض، في عصر البطالمة وحمل مقبرة لمصريين، وربما يونانيين قدماء، وكانت المقبرة مخصصة لموتىَ كوم أشقاو وهي تبعد عن كوم العرب حوالي عشرة كيلومترات ـ جهة الغرب ـ وكان العُرْبان أجدادي، قد جاءوا من فاس ومكناس واستقروا في ليبيا ومنها إلى البحيرة والمنيا والواحات الداخلة، ثم سلكوا المدقّ الجبلي المسمى مواصلة الواحات وهو معروف للمسَّاحين والمهتمين بالجغرافيا".
وأقاموا فوق "الكوم" وهم ينتمون لقبيلة بني هلال وجاء معهم فريق من قبيلة بني سليم وبيوت من قبائل أخرى حليفة، فاكتمل المشهد، فأصبح المكان حاويًا، ما تبقى من ثقافة المصريين في العصر البطلميّ، وما يمارسه الأقباط وهم قوم يعملون بصناعة النسيج، ويزرعون الأرض، والعربان أجدادي احتفظوا بثقافتهم الصحراوية، رغم أنهم انتقلوا من خانة عربان الخيش إلى خانة عربان الحيط وهذا تقسيم وضعه موظفو إدارة الباشا محمد علي وتجد ـ كوم العرب ـ في تعداد السكان الذي أجراه محمد علي 1847 والتعداد الذي أجراه الإنجليز في العام 1882 مكتوبا أمامها "عربان" وعلى السجل مكتوب "عربان الحيط" أي الذين استقروا في النجوع والعزب.
خالد إسماعيل يحكي قصة أضحية الونيسة
وأوضح “إسماعيل”: وكان "اللحم" فى حيوات أهلنا حاضرًا بقوة، فالموت يستدعى "الونيسة" وهى ذبيحة تذبح على المقبرة، لتكون مؤنسة لروح الميت، ومازال عربان مصر يؤدون هذا الطقس ومازالت الذبيحة تسمى "ونيسة"، والقبط ـ جيراننا الكرام ـ كانوا يذبحون فى عيد من أعيادهم ويمنحونا من ذبيحتهم، وكانوا يقدمون النذور، كما يفعل المسلمون، وكان "الجدى الوَقْف" هو الإسم الذى ينفرد به "الأضحية " وكذلك "الخروف" وكانت على بوابات البيوت فى "كوم العرب"، قرون الأضحيات مدقوقة بالمسامير الحدَّادى، فكنت أرى قرون الخرفان معلقة على الأبواب، ولم أكن أعرف أنها دليل على كرم أصحاب البيوت وأنهم يقدمون الأضحية فى عيد الأضحى وكنت آكل من اللحم المطبوخ الذى تحضره جارتى القبطية، وكنت آكل من اللحم الذى يأتينا من أقاربنا ـ المضحّين ـ وكانت "الجديان" السارحة فى شوارع القرية تلفت نظرى، حتى فهمت معنى "جَدْى الوَقْف" أو الجدى الذى يخضع لعملية تسمين، ليكون "أضحية" فى العيد الكبير أو عيد الضحية.
ولما كبرت وعرفت معنى العادات والمعتقدات الشعبية، اكتشفت أن الخروف له عدة أسماء، منها "سعد" وهو لدى العربان "حَوْلى" ـ من الحوْل أو العام ـ ويجمع على حوالى وفى صغره هو "رَميس" وهذا الاسم متداول فى بوادى المغرب العربى. وفى القرى التى جاء عربها من الغرب "المغاربة" لكن إسم "سعد" اكتشفته من فيلم "حياة أو موت" للمخرج كمال الشيخ ـ من إنتاج خمسينيات القرن العشرين ـ قام بطولته عماد حمدى مديحة يسرى وكانت ابنة عماد حمدى تلاعب خروف العيد وتناديه "ياسعد ياسعد".
وشطح خيالى فى اتجاه اسم الزعيم الوطنى سعدزغلول ثم راجعت نفسى، فالزعيم الوطنى المحبوب اختصره المصريون فى زغلول وحبهم له جعله بلح زغلول وغنوا له "يا بلح زغلول ياحليوة يابلح"، إذن "سعد" المطلق على خروف العيد مشتق من البخت والخير والحظ الحلو.
وللمصريين عبارة مشهورة يغبطون بها بعضهم البعض "ياسعدك ياهناك" ـ من السعد والهنا ـ وهذا الخروف الذى يضمن الجنة لصاحبه استحق أن يكون هو الخير ويكون هو "سعد" ومصدرسعادة لمن يضحون به ويقدمون لحمه للفقراء والجيران والأهل.
واستدرك خالد إسماعيل: عمومًا كانت جديان كوم العرب ـ والواحد جَدْى ـ تتولى القيام بدور الخراف فى الفترة التى ارتفعت فيها أسعار الغنم، وكانت الجِدْيان مفضلةً لدى أهلى العربان وهى من الموروث البدوى، لكن بتقادم السنوات والاستغراق فى حياة القرى والاستقرار والانتقال من النمط الرعوى إلى النمط الزراعى احتلت الأبقار والجواميس، مكانة الجِدْيان والرِّمسان والخرفان والشِّردان ـ والواحدة شَرُوُدة وهى أنثى الغنم قبل أن تصبح أم خروف ـ لأن الأبقار والجواميس تذبح بمعرفة الحكومة فى أيام محددة من الأسبوع، وخضوع الأهل لقوانين الحكومة استتبعه ظرف اقتصادى جعل "جزار القسّامة" يختفى وهو جزار يذبح الخروف والجدى لفريق محدد، مكون من عشرة أو عشرين أو خمسة ومع التوغل فى المدنية، وظهور دعاوى حقوق الحيوان وهى دعاوى ظهرت فى الغرب ضد المسلمين بالذات، رغم أن الذبح موجود فى التوراة، وتمارسه ديانات أخرى.