دعانى لبيته «3»
مَنّ الله علىّ بالحج فى عامى ٢٠١٨ و٢٠١٩، الحجة الأولى كانت لأداء الفريضة، والحجة الثانية كانت بصحبة والدتى، وقد وهبت ثوابها لشقيقتى الصغرى إيمان، التى توفاها الله قبل عام من سفرى للحج.
ومع مطلع شهر ذى الحجة من كل عام، يعاودنى الشوق وأنا أنتظر كى أبلغ عامى الخامس والأربعين كى يُسمح لى بالسفر دون مِحرم.
تجربتى مع الحجة الأولى كانت مباركة طابت لى كل أوقاتها، وأذكر أن إقامتى فى المدينة المنورة كانت فى فندق أوبروى المدينة، وهو أقرب فندق للحرم، فبينه وبين بوابة عثمان بن عفان خطوات بالقدم، عندما دخلت الغرفة وجدت إطلالتها على الحرم النبوى مباشرة، فأخذنى بهاء وجلال الحضرة الشريفة، وقد فاضت الأنوار السماوية على القباب والمآذن، وفى طرف اللقطة التى أطرتها نافذتى، كانت قبة خضراء جذبت روحى، ومددت يدى ووضعتها على الزجاج أتلمس أن مركز النور موضع الحبيب وقبره الشريف.
شاركتنى فيها سيدة فاضلة، كانت بمثابة والدة لى فى الحنو، ومرشد أمين فى المناسك، وقد سبق لها الحج ثمانى مرات، وقد رأت أن الغرفة ضيقة، مساحتها صغيرة لن تتسع لأغراضها، وطلبت من الشركة المنظمة الانتقال لغرفة أوسع، لأن حقائبها كثيرة وستشترى لبناتها وأحفادها وللأحبة فى مصر الكثير من الهدايا، فأين تضعها؟ فعرضوا علينا الانتقال إلى غرفة ضعف المساحة، لكن إطلالتها على المدينة، فرفضت رفضًا قاطعًا أن أغادر إطلالة رسول الله. وأخبرت السيدة بأن الغرفة ستسعنا وأننى لا أحتاج سوى سريرى والكمودينو المجاور له، ويمكننى الاحتفاظ بملابسى مرتبة داخل حقيبتى، وقد سعتنا الغرفة وحلت علينا البركة والمحبة.
وقد كانت رفيقتى فى الرحلة هى السيدة هدى السادات، الشقيقة الصغرى للرئيس محمد أنور السادات، ولم أدرك صلتها بالرئيس السادات رغم اللقب إلا من صورة السكرين للموبايل، فرغم مضى سبعة وثلاثين عامًا على استشهاد الرئيس السادات فى أكتوبر ١٩٨١، إلا أن صورة شقيقها الغالى لا تفارقها.
وقد أخبرتنى بعدما توطدت علاقتنا بأنها اعتادت الحج أو العمرة صحبة واحدة من بناتها، لكن ظروفها لم تسمح ذلك العام، وأنها كانت تريد الإقامة فى غرفة فردية، لكن نظام الحج لا يسمح بذلك، فطمأنها صاحب الشركة الحاج أشرف شيحة بأنها ستكون رفقة «نسمة»، كما وصفنى، وقد كانت الحاجة هدى نعم الرفقة، وكانت بمثابة أم أو خالة، وكان معظم تحركاتنا معًا. مغامراتى الاستكشافية التى كنت أقوم بها فيقودنى فضولى المعرفى لزيارة معالم المدينة، مثل جبل أُحد، ومسجد قباء، ومسجد القبلتين، والسير فى شوارع المدينة، ومحاولة فهم جغرافيتها، وعلاقة المبانى الحاضرة بما كان فى عهد الحبيب، وعندما ودعت المدينة المنورة لم أتصور أن يمن الله علىّ بالعودة فى العام التالى لهذه الرحاب الطيبة، لكن الحنان المنان وهبنى حجة ولا أروع رفقة والدتى التى لم يكن هناك ما يلهمها الصبر والسلوان على فقد فلذة كبدها سوى زيارة بيت الرحمن، وقد قررت أن أصحبها فى الزيارة الشريفة، وأعاننى على ذلك زوجى باركه الله ورزقه حجة مبرورة.
وقد كانت هذه الحجة آخر موسم للحج قبل إغلاق كورونا، واقتصار الحج على المقيمين بالمملكة موسمى ٢٠٢٠ و٢٠٢١.
وها أنا أكتب لكم من مكة المكرمة، وقد مَنّ الله علىّ بزيارة بيته الحرام وأداء العمرة متمتعة إلى الحج، تكليفًا وتشريفًا من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وتليفزيون الحياة؛ لتغطية مناسك الحج لهذا الموسم ١٤٤٥هجريًا، بدعوة كريمة من وزارة الإعلام السعودية.
فلعله كما يسرها دون سابق ترتيب أو تخطيط أن يجعلها حجة مبرورة ويتقبلها عنده، ويجعلنى من المقبولين.
.. وللمشاهدات بقية.