استجابة إنسانية لغزة
بدعوة مشتركة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى بن الحسين، وأنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، استضافت المملكة الأردنية الشقيقة، أمس الثلاثاء، «المؤتمر الدولى للاستجابة الإنسانية الطارئة فى قطاع غزة»، استهدف تحديد الآليات والخطوات الفاعلة، وتنسيق استجابة دولية موحَّدة، والتعهد بالتزامات قاطعة لمواجهة المأساة الإنسانية التى يعيشها سكان القطاع.
المؤتمر الطارئ، الذى شارك فيه رؤساء وممثلو دول وحكومات ومنظمات إنسانية وإغاثية، والذى أقيم، كما ترى، فى ظل تفاقم الأوضاع بشكل غير مسبوق، تناول الشق الإنسانى الخاص بمسألة إنفاذ المساعدات إلى قطاع غزة، وسبل دعم جهود المنظمات الدولية المعنية باستلام وتوزيع المساعدات داخل القطاع، وجهود الإغاثة الإنسانية لوكالات الأمم المتحدة، خاصة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، أونروا. وعليه، طالب الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته، بتوفير الدعم والتمويل اللازمين لتلك المنظمات وهذه الوكالات، حتى تتمكن من الاضطلاع بدورها الحيوى، والمهم، فى مساعدة المدنيين الفلسطينيين، والعمل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن المعنية بالشأن الإنسانى.
مسئولية الأزمة الإنسانية، غير المسبوقة، التى يعيشها قطاع غزة، حمّلها الرئيس السيسى، بشكل واضح ومباشر، للجانب الإسرائيلى، لافتًا إلى أن هذه الأزمة نتاج متعمد لحرب انتقامية تدميرية ضد القطاع وأبنائه، وبنيته التحتية، ومنظومته الطبية، يتم فيها استخدام سلاح التجويع، والحصار، لجعل القطاع غير قابل للحياة، وتهجير سكانه قسريًا من أراضيهم، دون أدنى اكتراث أو احترام للمواثيق الدولية والمعايير الإنسانية الأخلاقية. ومن هذا المنطلق، أوضح الرئيس أن مصر حذّرت مرارًا من خطورة هذه الحرب وتبعاتها، والتداعيات الجسيمة للعمليات العسكرية الإسرائيلية فى مدينة رفح الفلسطينية، التى أدت إلى إقامة وضع يعوق التدفقات الإغاثية، التى كانت تدخل إلى القطاع، بشكل رئيسى، من معبر رفح.
الحلول العسكرية والأمنية، كما أوضح الرئيس، ومعه كل حكماء وعقلاء العالم، سابقًا وفى كلمته أمس، لن تحمل إلى منطقتنا إلا المزيد من الاضطراب والدماء، ثم أكد، من جديد، أن السبيل الوحيد لإحلال السلام والاستقرار والتعايش فى المنطقة، يكمن فى علاج جذور الصراع من خلال حل الدولتين، ومنح الشعب الفلسطينى حقه المشروع فى دولته المستقلة، القابلة للحياة، على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية. ولعلك تتذكر أننا كنا قد انتهينا، أمس، إلى أننا لا نرى جدوى من تحركات وزراء خارجية مصر وروسيا والولايات المتحدة ما لم يتم إجبار دولة الاحتلال، أمريكيًا وليس أمميًا، على قبول هذا المسار، الذى أكدنا، ويؤكد كل العقلاء أو الحكماء، أنه الوحيد، أو الأوحد، لحل الأزمة.
مع تكرار إعلانه عن ترحيب مصر بقرار مجلس الأمن رقم ٢٧٣٥، الصادر أمس الأول الإثنين، بشأن تبنّى مقترح الهدنة، الذى طرحه الرئيس الأمريكى، وترحيبها بالقرارات الأخرى ذات الصلة، ومطالبتها بتنفيذها، أضاف الرئيس أن الدولة المصرية تشدد على ضرورة الوقف الفورى والشامل والمستدام لإطلاق النار، والاحترام الكامل لما فرضه القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى من ضرورة حماية المدنيين وعدم استهداف البنى التحتية أو موظفى الأمم المتحدة أو العاملين فى القطاعات الطبية والخدمية. كما شدّدت مصر، أيضًا، بلسان رئيسها، على ضرورة إلزام إسرائيل بإنهاء حالة الحصار والتوقف عن استخدام سلاح التجويع فى عقاب أبناء القطاع، وإلزامها بإزالة كل العراقيل أمام النفاذ الفورى والمستدام والكافى للمساعدات الإنسانية والإغاثية من كل المعابر، مع الانسحاب من مدينة رفح الفلسطينية، وتوفير الظروف اللازمة للعودة الفورية للنازحين إلى مناطق سكنهم التى تم إجبارهم على النزوح منها.
.. وأخيرًا، كان موجعًا، ومُخجِلًا لما تبقَّى من ضمير المجتمع الدولى، ما قالته مصر، بلسان رئيسها، وباسمنا جميعًا، عن «عين الحزن والرجاء» التى ينظر بها الفلسطينيون الأبرياء فى قطاع غزة، المحاطون بالقتل والتجويع والترويع والواقعون تحت الحصار، إلى هذا المؤتمر، وتطلعهم إلى أن يقدم لهم المشاركون فيه أملًا فى غدٍ مختلف، يعيد لهم كرامتهم الإنسانية المهدرة، وحقهم المشروع فى العيش بسلام، ويسترجع لهم بعض الثقة فى القانون الدولى، وفى عدالة ومصداقية ما يُسمى بالنظام الدولى القائم على القواعد.