رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدير متحف مكتبة الإسكندرية: "أبيدوس" أول مقصد لـ"الحج" عرفته البشرية

رحلة الحج إلي أبيدوس
رحلة الحج إلي أبيدوس

قبل أن يعرف البشر الأديان السماوية، عرفت الحضارة المصرية القديمة الحج، واعتادت منطقة "أبيدوس" استقبال الحجاج من المصريين القدماء.

الكتور حسين عبد البصير، مدير متحف مكتبة الإسكندرية، يكشف التفاصيل لـ “الدستور”.

 

آثار أبيدوس تعود إلى حضارة نقادة الأولى

يستهل “عبد البصير” حديثه مشيرا إلي أن “أبيدوس” أهم البقع الدينية في مصر القديمة، فهي المركز الرئيسي لعبادة الإله أوزيريس. وأبيدوس هي الاسم اليوناني لتلك المنطقة التي عُرفت في مصر القديمة بـ "أبدجو"، وعرفت في المرحلة القبطية بـ "إبوت". وتقع على حافة الصحراء على الجانب الغربي من الإقليم الثامن من أقاليم مصر القديمة. وتعرف الآن بـ "العرابة المدفونة" في البلينا، وتبعد حوالي 11كم إلى الجنوب الغربي منها، بمحافظة سوهاج في صعيد مصر.

ويضيف “عبد البصير”: وتعود أقدم آثار أبيدوس إلى حضارة نقادة الأولى في عصر ما قبل التاريخ في تلك المنطقة. وكانت أبيدوس تتصل قديمًا بنهر النيل بقناة مائية صغيرة. وفي عصر بداية الأسرات المصرية، أصبحت أبيدوس أهم مكان للدفن في أرض مصر. وأقام ملوك الأسرتين الأولى والثانية مقابرهم بها.

وأصبح معبد معبودها المعبود المحلي "خنتي إمنتيو" (وتعني "إمام الغربيين" والمقصود بهم الموتى) مركزًا دينيًا مهمًا. 

وفي عصر الأسرتين الخامسة والسادسة، اتخد هذا المعبود مع المعبود أوزيريس. وأخذ الأخير كثيرًا من صفات الأول، وطغى وجوده على وجود الأول حتى أصبح أوزيريس مقدمًا على "خنتي إمنتيو"، وأصبح اسمه "أوزيريس خنتي إمنتيو". 

وفي عصر الدولة الوسطى، أصبحت أبيدوس المركز الديني الشعبي والرئيس في مصر القديمة. وطغت شهرتها الدينية على ماعداها من المراكز الأخرى. وبدأ ملوك تلك الدولة بناء معابدهم الجنائزية بها. 

وفي العصر الدولة الحديثة، بنى ملوكها معابدهم الجنائزية الرائعة بها مثل معبد الملك سيتي الأول ومعبد ابنه الملك رمسيس الثاني. وعلى الرغم من أن شهرة أبيدوس الدينية امتدت طوال عصور التاريخ المصري القديم إلى دخول المسيحية، فإنها لم تكن في أي يوم من الأيام صاحبة أي نفوذ سياسي ولم تكن عاصمة لمصر القديمة.

ولفت “عبد البصير” إلي أنه في بداية النصف الثاني من الأسرة الثانية عشرة على الأقل، بدأ الحجاج يتوافدون على أبيدوس من جميع أنحاء مصر القديمة كي يشهدوا الاحتفال السنوي بمعبودهم الأكبر أوزير. ومن لوحة الموظف الكبير " إيخرنفرت" من عهد الملك سنوسرت الثالث والمحفوظة في متحف برلين، نعرف ماذا كان يحدث في هذا الاحتفال. 

ويقول "إيخرنفرت": فعلت كل شيء طلبه جلالته، ونفذت أمر سيدي من أجل أبيه، أوزير-خنتي إمنتيو، سيد أبيدوس، عظيم القوة، الموجود في إقليم ثني. وكان الابن المحبوب من أبيه أوزير-خنتي إمنتيو. وزينت مركبه الخالد العظيم، وصنعت لها مقصورة تظهر وتشرق بحسن وبهاء خنتي إمنتيو، من الذهب، والفضة، واللازورد، والبرونز، وخشب السدر. وصاحبت المعبودات في رحلتها. وصنعت مقاصيرها المقدسة من جديد. وجعلت الكهنة يمارسون واجباتهم بحب، وأن يعرفوا طقوس كل يوم، عيد رأس السنة. وسيطرت على العمل فوق المركب، وزينت المقصورة وصدر سيد أبيدوس باللازورد والفيروز، والشفاه الإلهية بكل حجر كريم. وغيرت ملابس الإله في حضوره... ونظفت ذراعه وأصابعه. ونظمت خروج الرب "وب واووت"، فاتح الطرق العظيم، عندما قرر الانتقام لأبيه. وطردت المتمردين من المركب. وهزمت أعداء أوزير.

رحلة الحج إلي أبيدوس

تحديد موقع مقبرة أوزير

ويوضح “عبد البصير”: تم تحديد موقع مقبرة أوزير في منطقة "باقر" التي يبدو بوضوح أنها ليس أكثر من منطقة أم الجعاب نفسها. وفي وقت ما من عصر الدولة الوسطى، تم اعتبار إحدى المقابر الملكية القديمة على أنها مقبرة الإله أوزير. غير أن هذا الاقتراح لم يكن له ما يدعمه. والأكثر منطقية أن تكون جبانة أم الجعاب هي جبانة ملوك مصر الأوائل، ومن باب أولى أن أوزير تم دفنه بها.

واعتبرت مقبرة الملك "جر" مقبرة أوزير؛ لوجودها في مقدمة الجبانة، وهذا أنسب للحجاج حتى يمارسوا احتفالهم السنوي بمعبودهم أوزير. ومع نهاية الأسرة الثانية عشرة وبداية الأسرة الثالثة عشرة، زادت مساحة الجبانة بشكل كبير وامتدت حوالي 1.5 كم إلى الجنوب الغربي من قرية كوم السلطان الحالية.

وأصبحت أبيدوس المركز الرئيس لعبادة الرب أوزير. وأخذت عملية الحج أثناء الحياة والموت تزداد بشكل كبير. ورغب كثير من المصريين في أن يتم دفنوهم في أبيدوس بجوار معبودهم الأكبر أوزير، سيد الأبدية والعالم الآخر حتى ينعموا برفقته في العالم الآخر أو على الأقل كانوا يتركون أشياءهم التذكارية في هذا المكان المقدس بين معبد أوزير ومقبرته.